في الوقت الذي يحث فيه
السيسي الخطى على الطريق الموصل للرئاسة، إلا أن كل يوم يشير أن أعظم تحد سيواجهه ليس الإخوان المسلمين؛ وإنما
الاقتصاد المترنح الذي وصل إلى حالته الأسوأ، بعد ثلاث سنوات من إسقاط الدكتاتور حسني مبارك.
وفي تقرير لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" جاء فيه أن الدَيْن العام
المصري يتزايد، وتعاني المحال التجارية والبيوت من انقطاعات متكررة للكهرباء، لأكثر من مرة في اليوم، ومن المتوقع تفاقم أزمة الوقود خلال أشهر الصيف.
كما أن البطالة ارتفعت إلى حد لا يطاق، وإضرابات العمال لأشهر طويلة عرقلت العمل في قطاعات مثل النقل العام والصحة.
وتشير معدة التقرير لورا كينغ إلى أن نمو الاقتصاد لم يتجاوز 2.1% خلال السنة المالية الماضية ولا يشير إلى حالة تعافي. ولم تعد السياحة التي تعتبر مصدرا رئيسيا للدخل كما كانت قبل الثورة، ويتعامل المستثمرون الدوليون بحذر شديد، واحتياطي النقد الأجنبي نصف ما كان عليه قبل 2011 بهامش قليل يحمي من تخفيض العملة. والميزانية تعاني أيضا من الدعم المكثف والرواتب المتضخمة.
وبحسب البروفيسور إبراهيم عواد، مدرس السياسة العامة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة: "كل هذه الأمور مترابطة ولمعالجتها لا نحتاج فقط إلى إصلاحات اقتصادية، بل يجب أن يكون هناك إصلاحات سياسية أيضا".
ولم تكن الحكومة التي يدعمها العسكر، والتي جاءت بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي الصيف الماضي، لتبقى طافية ماليا لولا المساعدات الضخمة من دول "
الخليج الفارسي"، بقيادة السعودية، التي قدمت 20 مليار دولار من المساعدات منذ تموز/ يوليو بحسب السيسي في مقابلة متلفزة هذا الشهر. وإذا أغلق الصنبور فإن السقوط سيأتي سريعا ومدويا.
وكانت البطالة والركود الاقتصادي مفتاح الثورة التي أطاحت بمبارك؛ فالبطالة الآن تشبه ما كانت عليه قبل الثورة حيث تصل إلى 14% وهي ضعف تلك النسبة بين الشباب وهم أقل عشقا للسيسي من بقية الشعب.
البطالة تدمر حياة الناس، وكذلك غياب العدالة في الدخل، وغياب الفرص، وكلاهما سمة من سمات الطبقة العاملة الفقيرة. ففي يوم مشمس أخذ عبدالله الذي يعمل منظفا للشوارع استراحة وجلس على قطعة إسمنت مكسورة على رصيف متسخ. عبد الله يكسب 15 جنيها مصريا - ما يساوي 2 دولار - وذلك لإعالة عائلة من 6 أشخاص، ويقول إنه بالكاد يستطيع إطعام أطفاله ناهيك عن تعليمهم، ويقول إنه كان يكسب أكثر عندما كان يبيع على بسطة فواكه ولكنها خسرت قبل عامين.
يقول عبدالله "حياتي عبارة عن حفرة لا أستطيع الخروج منها، كنت أظن أن الأمور ستتغير بعد الثورة ولكن لا شيء تغير".
وتقول الصحيفة إن السيسي يدرك المخاطر الاقتصادية؛ وقد خصص مساحة مهمة من مقابلته التلفزيونية للاقتصاد، ولكنه مرشح تهمه شعبيته، ولذلك أبدى ممانعة للحد من دعم المواد الغذائية والوقود، والتي تكلف البلد 28.5 مليار دولار (خمس الميزانية) بالرغم من نداءات البنك الدولي والمنظمات الأخرى، فإن السيسي يمانع تطبيق خطة تقشف لا تحظى بشعبية.
حيث قال "لا يمكن التخلص من الدعم مرة واحدة.. لن يتحمل الناس ذلك. نحتاج لتحسين مستوى عيش الناس أولا".
وترى أن أزمة الطاقة هي مشكلة أخرى تفاقمت على مدى سنوات طويلة ولكنها ستسقط مباشرة في حضن السيسي إذا ما نجح في انتخابات الرئاسة كما هو متوقع في انتخابات 26-27 أيار/ مايو. كما أن شركات النفط والغاز الدولية التي تتعامل مع مصر بدأت بالشكوى كما فعلت (بي جي جروب) البريطانية الشهر الماضي بأنهم لم يتسلموا الحصص الموعودة من الغاز المسال، أو ملايين الدولارات من الدخل الذي تدين الحكومة المصرية لهم به.
كما أن الكهرباء تعتبر برميل متفجرات سياسية، ففي الصيف الماضي ساعد انقطاع الكهرباء على إشعال الغضب الشعبي، وتسيير مظاهرات كبيرة تطالب بالإطاحة بمرسي. ولم يبدأ صيف مصر الحار بعد مع أن موجة الحر الجديدة أوصلت درجة الحرارة في القاهرة فوق 38 درجة.
يقول المدرس نبيل سليمان: "إنها الشيء الأول الذي سيثير غضب الناس بعد الانتخابات لأن غياب الكهرباء يشير إلى أن الأمور لا تدار بشكل جيد وهو أمر يتم التذكير به كل يوم".
ومسألة توفير الطاقة لا تدخل في الروح الشعبية المصرية مع دعوات الحكومة المتكررة لترشيد الاستخدام، ويعترف الأغنياء الذين يستطيعون تركيب مكيفات في بيوتهم بأنهم يشغلون المكيفات بلا رحمة لتبريد بيوتهم مما يضع ضغطا على شبكة الكهرباء وتحصل الانقطاعات.
ويقول طبيب درس في الخارج: "في الصيف أبقي بيتي باردا لدرجة أنني احتاج لبس كنزة ما دامت الكهرباء متواجدة، الكل يفعل هذا مع علمنا أننا نفاقم المشكلة"، وقد رفض نشر اسمه خجلا لأنه لم يجعل من نفسه قدوة حسنة.
وفي مصر حيث لا تعمل الأمور مثل الساعة في معظم الوقت، أعلنت السلطات الأسبوع الماضي فرض التوقيت الصيفي لتوفير الطاقة، ولكن القرار كان مفاجئا مما أدى بالكمبيوترات والهواتف الذكية أن لا تغير وقتها بشكل أوتوماتيكي وتسببت في حالة من خلط أوقات المواعيد والطيران.
ويأمل المصريون أن تأتي لهم هذه الانتخابات بنوع من الاستقرار والأمن؛ إلا أن السيسي ظل حتى تخليه عن زيه العسكري مُصرًا على محاربة الإسلاميين، مما يعني تكاليف اقتصادية طويلة المدى.
كما أن زيادة الهجمات الإرهابية والتي زادت منذ قمع الحكومة للإخوان المسلمين في منتصف آب/أغسطس شكلت ضربة قاضية للسياحة وخاصة في سيناء ومنتجعات البحر الأحمر.
وبسبب المظاهرات اليومية لمؤيدي مرسي في العاصمة تقوم الشركات السياحية بتجنب القاهرة في برامجها وتقديم عروض للطيران المباشر إلى الأقصر الغنية بالمواقع الفرعونية مثلا.
وينكر الإخوان المسلمون أي علاقة لهم بالعنف ولكن الحكومة، بالرغم من الأدلة الضعيفة التي تقدمها، تصر على اتهامهم.
وقد أخبر السيسي المصريين أنه يتوقع أن تتحسن ظروفهم الحياتية خلال عامين، ولكنه قال في الوقت نفسه إن ديون مصر الداخلية والخارجية تصل إلى 240 مليار دولار، وهي حمل ضخم يجب على الجميع تحمله، متسائلا "هل يمكن لنا أن نترك هذه الديون لأطفالنا وأحفادنا؟.. لا".