دعا عدد من المحللين والكتاب
الفلسطينيين إلى الاستفادة من موقف دول أمريكا الجنوبية الداعم للشعب الفلسطيني في وجه الحرب
الإسرائيلية على قطاع
غزة.
وكانت عدد من حكومات القارة اتخذت إجراءات عقابية بحق إسرائيل، بسبب حربها ضد قطاع غزة، والتي أوقعت مئات الشهداء الفلسطينيين، وآلاف الجرحى، وشردت آلاف العائلات بعد قصف البيوت والمرافق العامة وطرد السكان من أماكن سكناهم.
وسحبت بعض دول أمريكا الجنوبية كتشيلي والبيرو والبرازيل والإكوادور سفراءها من إسرائيل، بينما اعتبرت بوليفيا إسرائيل دولة إرهابية، وعلقت اتفاقية خاصة بالتأشيرة موقعة مع إسرائيل منذ 1972، وأسقطت رئيسة الأرجنتين "كريستينا فرنانديز" الجنسية الأرجنتينية عن منتسبي الجيش الإسرائيلي من حملة الجنسية المزدوجة، كما قادت مظاهرة في العاصمة الأرجنتينية ضد العدوان على غزة وبكت بكاء شديدا لما رأته من فظائع ترتكب بحق أهل القطاع.
ودعا أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية أيمن يوسف، إلى التجاوب مع حراك هذه الدول وإشراكها في فيما يجري من تطورات في موضوع القضية الفلسطينية. ونوه إلى أنها يمكن أن تكون لاعبا جديدا في المنطقة مع تحفظات ذكرها، تتمثل في مدى رغبة هذه الدول في هذا الدور، ورغبة الفلسطينيين أيضا.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن المطلوب تكثيف التواصل عربيا وفلسطينيا مع هذه الدول، وبناء شراكات تجارية، ووضعها في صورة التطورات أولا بأول، وتكثيف التواجد الدبلوماسي والشعبي والرسمي.
وأرجع يوسف الموقف المتقدم لدول أمريكا الجنوبية إلى "أن أغلب أنظمتها ذات طبيعة اشتراكية معادية للاستعمار والعبودية، يضاف إلى ذلك معاداتها للولايات المتحدة الأمريكية وهذا يعني عداؤها لإسرائيل".
وهذا ما قاله عضو المجلس الوطني الفلسطيني بلال الشخشير لـ"عربي21": "هذه الدول لها طبيعة وثقافة معارضة للإدارة الأمريكية ولإسرائيل وتربطهم علاقة واحترام مع الثورة الفلسطينية وخاصة مع الشهيد ياسر عرفات".
وانتقد الشخشير الوضع العربي الذي وصفه بـ"المنهك" والمنهار، والبعيد عن الهم القومي والوطني حتى الديني. إن الفلسطينيون إذا ما احسنوا إدارة الصراع مع الاحتلال ممكن أن يشكلوا رأس حربة بإعادة انبعاث وطني وقومي عربي".
ويرى الكاتب الدكتور عدوان نمر عدوان أن "حرب غزة وصمود المقاومة أعطى القضية الفلسطينية زخما جديدا، بحيث أصبحت الدول والجماعات وشعوب الأرض تفرق بين دولة الإرهاب وأهل الحق الذين ظلموا طويلا، ولقد عودنا يساريو أمريكا الجنوبية وهم في أقصى الأرض على الوقوف بجانب الحق، من كاستروا ومرورا بشافيز حتى رئيستي البرازيل والأرجنتين".
وأضاف: "فلسطين كما هو معلوم ليست مساحة جغرافية بل هي مساحة إنسانية تفصل ما بين الضمير واللا ضمير بين الأخلاق واللا أخلاق، لذا لا أستغرب حين يتعاطف مع فلسطين شخص من أقصى العالم أو حين يتآمر على فلسطين شخص من أدنى العالم".
وأشار، أن دول
أميركا الجنوبية تجاوزت مرحلة التعاطف إلى مرحلة الوقوف بجانب فلسطين.
ودعا إلى "واجب الحفاظ على العلاقات الإنسانية مع هذه الدول، ومع الجاليات الفلسطينية والعربية الضاغطة والفاعلة في ساحة أمريكا الجنوبية أو ما يسمى في المصطلح السياسي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، لتصبح القضية الفلسطينية قضية رأي عالمي ضاغط وتجاوزها يعني الاصطدام في الشارع العالمي".
وقال لـ"عربي21": "علينا أن ندرك القضايا العالمية لا سيما في أميركا الجنوبية ونتفاعل معها قدر تفاعلهم مع قضايانا، وأن نقف معهم في السراء والضراء كما يفعل النظام الإيراني على الأقل؛ لأن العالم بات صغيرا جدا وعلى صفيح ساخن ويمكن له أن يتحالف ويتعاضد لدحر الظلم، والظلم في نهاية الأمر لا يقف عند منطقة جغرافية واحدة الظلم عالمي لا وطن له".
تدريس مساقات عن أمريكا الجنوبية
بدوره وصف أستاذ التاريخ الدكتور حسين عياش موقف دول أمريكيا الجنوبية بالمشرف؛ ونوه في حديثه لـ"عربي21"، أن ذلك ليس ببعيد عنها كونها دول ثورية وقعت تحت الاستعمار والاحتلال الإسباني والبرتغالي وعاش أحفادهم تحت هذين الاحتلالين وعرفوا معنا الحرية والتحرر.
ويرى أن المطلوب عربياً على وجه العموم وفلسطيناً على وجه الخصوص، "أن يتم إضافة مساق عن دول هذه القارة يدرس في الجامعات الفلسطينية، لأن كثيراً من الفلسطينيين لا يعرفون شيئا عن هذه الدول التي تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني لذا عليهم احتضانها بطرق شتى".
واعتبر الصحفي عاطف أبو الرب في حديثه لـ"عربي21" دول أمريكا الجنوبية "تشكل بؤرة العدالة الإنسانية، ولها مواقف سابقة في مقارعة أوروبا والولايات المتحدة، عين موقف هذه الدول يعزز مكانتها وصدق توجهها، ويؤكد أن هذه المواقف لم تأت لتحقيق مكاسب على حساب الكرامة الإنسانية".
ويرى أن العوامل التي تساهم في توجهات هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية، هي "حقيقة الإنسانية، عندما تكون حرا وتؤمن بالحرية فليس لك إلا الوقوف مع الحق، ولو نظرنا فإن هذه الدول ليست بتلك القوة التي تجعلها تقف نداً للاحتلال وأمريكا، ولكن الإيمان بالحرية والعدالة هي الأساس، هذه دول حرة من التبعية للاستعمار لذلك تتصرف وفق ما تمليه عليها ضمائرها".
وكانت دول أخرى في أمريكا الجنوبية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، مثل فنزويلا وبوليفيا في عام 2009 بعد العدوان على غزة، كما قام الرئيس الفنزويلي الراحل "هوجو تشافيز" بطرد سفير إسرائيل من فنزويلا آنذاك، أما كوبا فكانت قد اتخذت هذه الخطوة في عام 1973 بعد حرب أكتوبر/تشرين.