يجب أن يتنبه كل الذين دأبوا، وبحق، على إدانة كل استنجاد بأمريكا في الصراع الداخلي في أي بلد عربي أو إسلامي، وبغض النظر عن الأسباب وما يقدم من حجج.
فالمسألة مبدئية لا تسمح بالموقف المزدوج تحت كل الظروف، لأن مجرد الاستثناء يُفقد المرجع المبدئي للإدانة في أية ظروف أخرى، ومن ثم تصبح كل حالة خاضعة للظروف وما يُساق من أسباب وحجج سواء أكان تأييداً، أم إدانة.
الأمر الذي يُحرج كل الذين دانوا الاستنجاد بأمريكا، في حالات معينة، إدانة مبدئية. وقد استندوا أساساً إلى البعد المبدئي في رفض الاستنجاد بأمريكا وإدانته، والبعض ذهب إلى حد التخوين.
هذا التنبيه أخذ يفرض نفسه منذ اللحظة الأولى التي طلب فيها نوري المالكي من أمريكا التدخل العسكري في العراق ضد داعش. فبرز هنالك من راح يسوّغ ذلك بوجود معاهدة، وآخرون سوّغوا ذلك بأن الطلب موقف تكتيكي أو مناورة لإحراج أمريكا.
وهكذا بدأ التخلي عن الموقف المبدئي من مسألة استدعاء أمريكا للتدخل العسكري في العراق. فلا المعاهدة حجّة مقبولة من جانب المالكي وهي مدانة لو حاولت أمريكا، أيضاً، استغلالها للتدخل. أما قصة التكتيك والمناورة فلا تقل تهافتاً وفضيحة عن حجة المعاهدة.
في البداية تمنّعت أمريكا عن التدخل من خلال طيرانها الحربي لأسباب داخلية وخارجية، ذاتية وموضوعية، واكتفت بإرسال خبراء ومستشارين عسكريين وأمنيين، وحاولت التحجج بضرورة تحقيق وحدة عراقية داخلية لكي تورّط كل الأطراف العراقية في طلب تدخلها العسكري المباشر.
ولكن انتقال داعش للاشتباك مع قوات البشمركة في الإقليم الكردي وتحقيقها بعض التقدّم سارعت أمريكا بالتدخل العسكري من خلال الطيران لتضرب داعش.
مما وضع الجميع أمام تدخل أمريكي سافر. ولا يمكن أن يُسمّى بغير
العدوان ولا يجوز أن يُسكت عنه بسبب الموقف المحق ضد داعش وما تحمله من مشروع وما تمارسه من ارتكابات.
وبكلمة يجب اعتبار التدخل العسكري الأمريكي، ولو من خلال الطيران فقط، عدواناً على العراق واعتداء على سيادته ولو جاء الطلب من المالكي ومسعود البرزاني، تماماً كما هو الموقف من العدوان الأمريكي على اليمن والاعتداء على سيادته من خلال استخدام طيرانها الحربي ضد القاعدة.
فلا حجة الإرهاب مقبولة، ولا أية حجة أخرى تبرّر استدعاء أمريكا للتدخل العسكري ضد خصم أو عدو داخلي ومهما بلغت خطورته. فهذا أمر يجب أن يُواجَه داخلياً بالدرجة الأولى أو بمساعدةٍ شقيق.
أما أمريكا فهي خط أحمر، وأسباب ذلك كثيرة. لأن كل تجربة طلبت تدخلها انتهت إما باحتلال أرضها أو إرساء قواعد عسكرية في المنطقة وإما بوضع كارثي من الانقسامات والتدهور دونه خطر الخصم أو العدو الداخلي. فهذه تجاربنا معها لنقل منذ حرب الخليج الثانية، بلا حاجة إلى العودة إلى تاريخ أسبق. وذلك إلى جانب استحضار ما فعلته وتفعله في دعم الكيان الصهيوني أو ما تفعله طائرات الفانتوم اليوم في قطاع
غزة.
وبهذا فإن قراءة التجارب العملية مع كل تدخل عسكري أمريكي لا يجيز التخلي عن الموقف المبدئي في رفض استدعاء التدخل الأمريكي وإدانته واعتباره خطاً أحمر.
إن الذين لا يستطيعون مواجهة داعش في العراق من خلال الشعب العراقي وجميع قواه الحيّة لن يستطيعوا مواجهتها من خلال استدعاء الطيران الأمريكي. فهم هنا يزيدون الطينة بلّة فبدلاً من التخلي عن السياسات الخاطئة التي سمحت لداعش بأن تصل إلى ما وصلته يرتكبون خطأ أشدّ فداحة بالاستنجاد بأمريكا.
ولهذا يجب الوقوف بحزم من داخل العراق كله ومن خارجه عربياً وإسلامياً ضد العدوان الأمريكي الذي يضرب من الجو في الأرض العراقية. ومن ثم يجب ألا يسمح تسويغه بحجة مقاومة داعش أو الإرهاب. وإلا صنعنا سابقة خطيرة.