بدا كما لو كان "خضرة الشريفة"، وكأنه لم يكن يوماً يد المخلوع التي يبطش بها، وعينه التي يرى بها. وكأنه لم يكن يخطف معارضين للحكم وينكل بهم، ولم يعتقل خصوما سياسيين بالمخالفة للقانون. وكأنه لم يسحل متظاهرين في الشوارع. وكأن قواته لم تتحرش بالنساء في المظاهرات التي خرجت تندد بغزو العراق، يومها لم تمنعه حصانة نائبين هما حمدين صباحي وفريد حسانين من سحلهم واعتقالهم.
وكأنه لم يكن وزيراً للداخلية وقواته تتحرش بالزميلة الصحفية "نوال علي" أمام نقابة الصحفيين. وكأنه لم يمثل القوة التي منعت النيابة العامة من فتح التحقيق في هذه الجريمة التي شاهدها العالم كله علي الهواء مباشرة.
كأنه لم يزور إرادة الأمة، وكأنه لم يكن أول من استخدم المسجلات آداب في العملية السياسية عندما قام بجلبهن من السجون والكباريهات، لمساعدة الحكومة في تزوير انتخابات سنة 2000، ولمنع الحرائر من الإدلاء بأصواتهن والقيام بواجبهن في حماية إرادة الناخبين!.
كأنه لم يُقتل في عهده وفي حمايته الأبرياء علي أيدي قوات الأمن من التعذيب، وكأنه لم يكن هو الذي كان أولياء أمور الضحايا يخافون من مجرد الإبلاغ عن قتل أبناءهم علي أيدي قوات الأمن، مخافة التنكيل وعملاً بنصيحة انتهازية نصها: "الحي أبقى من الميت".
إنه حبيب العادلي، وزير داخلية مبارك، وأقوى رجل في عهده، والذي بلغ نفوذه حد انه كان يتجسس علي قادة الجيش وكانوا يعلمون ولم يجرؤ أحد منهم علي أن يعلن تململه من هذا العابر بنفوذه لكل أجهزة الدولة.
العادلي كان يترافع في قضية قتل المتظاهرين، ولم يقدم للمحاكمة علي مجمل جرائمه، ولأن مبررات سجنه قد انتفت بقيام الثورة المضادة، ونجاحها في أن تسقط ثورة يناير وتحكم، فقد حاكم العادلي في هذه المرافعة ثورة يناير وقال انها مؤامرة خارجية " خسيسة"، ولم ينس أن يقدم نفسه على أنه "التقي الورع"، الذي كان في تجسسه علي هواتف الناس، إذا ما سمع سيدة تخون زوجها فانه كان يقول لها "عيب".
الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وربما رأي حبيب العادلي والطريق معبد للبراءة، أو الإدانة الخفيفة، أن أحداً قد يتربص به ويطلب بمحاكمته علي تنصته علي هواتف
المصريين، فحاول أن يطوي تجاوزته القانونية بمرافعة واحدة، وقد اعترف وهو في جبروته، بأنه يراقب هواتف الجميع، وأن من يخف عليه ألا يتكلم، ولم ينكر عليه أحد ذلك في حينه ، لأنه كان الرجل القوي، مطلق اليد بأن يفعل ما يشاء. وكنت صاحب مقولة، أنه يمكنك أن تنتقد مبارك ونجله جمال وأنت في مأمن من التنكيل، لكن الأمر مختلف مع اثنين هما حبيب العادلي وصفوت الشريف، والحمد لله فقد كنت الوحيد الذي تصدي لإجرامهما ولا فخر.
لأن الاعتراف سيد الأدلة فقد أراد العادلي في مرافعته أن يبرر لاعترافه بجريمة التنصت المحظورة قانوناً، بأنه كان ينشر الفضيلة، ويحافظ على " أخلاق القرية". كان الرئيس السادات يسرف في الحديث عن أن دوره الحفاظ على " أخلاق القرية"!.
لقد تجاوز حبيب العادلي فكرة كونه السفاح والقاتل ليقدم نفسه للمجتمع أنه "المحتسب"، وعبد الله الصالح، ليذكرنا بما فعلته زوجته في أيام سجنه الأولى عقب ثورة يناير.
إحدى زوجات العادلي، تعمل صحفية بالأهرام، ولأنها صارت حرم السيد وزير الداخلية، فلا يليق بها أن تظل في موقعها مجرد "محررة"، تذهب لمصادرها في النيابة لتجلب خبراً، فقد تحولت إلى كاتبة بدون سابقة أعمال، ولأن من الواضح أن هناك من نصحها بأنها يمكن ان تشغل فراغاً خلفته الراحلة "بنت الشاطئ" الكاتبة في "الأهرام" فقد تخصصت في الكتابة في "الإسلاميات"، ولم يكلفها الأمر سوي أن تضع على المقال صورة لها وهي تضع علي رأسها "طرحة" علي طريقة بنازير بوتو. نصف غطاء لزوم "الوظيفة الجديدة"، وهي في الأصل ليست محجبة، وهذا ليس موضوعنا.
فالموضوع أنها بعد سجن بعلها ، وبدلاً من أن تدافع عنه وتفند الجرائم المنسوبة إليه، ذهبت لتقدم نفسها للمجتمع فهي "داعية إسلامية" قدمت خدمة جليلة للإسلام، ويكفي أنها أنهت الخلاف بين السنة والشيعة.. هكذا قالت، باعتبار هذا يمثل دفاعا عنه، تماما كما فعل أمام المحكمة بالحديث عن تدينه!.
ولم أكن مشغولاً بهذا الصراع، وقلت ربما انتهي الخلاف فعلاً علي يديها، بعد كل هذه القرون من الخلاف بين السنة والشيعة. فلم أكن متابعاً لكتاباتها، فربما لو كنت متابعاً لوقفت علي أنها من أقامت صلحاً بين الأوس والخزرج!.
وزير داخلية مبارك، وفي معركة شيطنته لثورة يناير بكل مكوناتها قال إن البنك المركزي أمده بتقريرين يفيدان تقاضي حركتي: السادس من ابريل وكفاية أموالاً من الخارج.
لنفاجأ، والحال كذلك، أن كل الحلف الذي أحاط بعبد الفتاح
السيسي يوم 30 يونيه هو خائن للوطن ويعمل لصالح جهات أجنبية استهدفت إسقاط "الحكم الوطني" في المحروسة الذي يمثله حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي.
قيادات
كفاية، و6 ابريل، هما من مثلا غطاء ثورياً للثورة المضادة، بالدعوة للتظاهر يوم 30 يونيه، لتمكين عبد الفتاح السيسي من إعلان اغتصابه للسلطة والقيام بانقلاب عسكري يوم 3 يوليو.
وقادة 6 ابريل ذهبوا للقصر الرئاسي لمقابلة "الرئيس المعين" عدلي منصور وعرضوا خدماتهم بالسفر للخارج لإقناع الدوائر الغربية بأن ما جري في مصر هو ثورة وليس انقلاباً، ودب خلاف بينهم علي من يسافر، نتج عنه أن تراجع الانقلاب عن الفكرة، ثم جرى ما جري وخرجت الحركة من "المولد بلا حمص" وتم سجن أحد قياداتها. ومن باب وضع النقاط فوق الحروف فهم كانوا ضيوفاً على 30 يونيو وليسوا من أصحاب "المولد".
دعك من 6 ابريل، صاحبة الموقف المرتبك والملتبس، وصاحبة العلاقات الخارجية غير الواضحة، واعتقد أنها يمكن أن ترد الاعتبار لنفسها ان أرادت بتقديم بلاغات قضائية ضد حبيب العادلي بتهمة السب والقذف والتجريج وتشويه السمعة.. فما يعنيني هنا هو حركة "كفاية".
فكل قيادات "كفاية"، المتهمة بالخيانة والعمالة لجهات أجنبية، مع عبد الفتاح السيسي، ومن أول المنسق العام المؤسس جورج اسحق، مروراً بالمنسق العام التالي له عبد الحليم قنديل، انتهاء بالمنسق العام الحالي الذي تم اختياره بعد ثورة يناير المهندس محمد الأشقر.
بل إن من نافس عبد الحليم قنديل علي موقع المنسق العام في الدورة الثانية له، ولم يحالفه الحظ وهو المهندس أحمد بهاء شعبان هو أيضاً من مؤيدي الانقلاب العسكري، ومن المدافعين عن السيسي، وهو كشأن زملائه في " كفاية" ممن يرون في 30 يونيه موجة ثانية، وأن الجيش تحرك في 3 يوليو استجابة للثوار، وحفاظاً على مطالب الثورة، التي خانها الحكم الإخواني.
هناك اسطوانة مشروخة جرى عزفها، بعد يناير عن الجيش الذي حمى الثورة، والذي أجبر مبارك علي التنحي، لنسلم بأنه ما دام قد نحي الرئيس مبارك من قبل فمن حقه أن ينحي الرئيس محمد مرسي من بعد.
وقد سقطت هذه الدعاية الآن، فقد قال الرجل الأول في الجيش المشير محمد حسين طنطاوي في شهادته في قضية مقتل الثوار، أن يناير مؤامرة خارجية، وهو ما أذاعه المتهمون في الجلسات التي نقلت علي الهواء مباشرة، وقال العادلي أن رئيس أركان الجيش في وقت الثورة سامي عنان قال عنها أيضاً إنها مؤامرة خارجية.
وشعار أن الجيش اجبر مبارك علي التنحي سقط كما سقط شعار الجيش الذي حمي الثورة، وتبين أنه ليس صحيحا باعتراف قياداته، فقد تنازل مبارك عن الحكم بإرادته كما صرح بذلك أحد أعضاء المجلس العسكري.
عندي دفوع يمكن أن أن أبديها رداً علي اتهام حركة "كفاية" بالعمالة وتقاضي أموالاً من الخارج للقيام بمؤامرة في مصر تنفيذا للدعوة الغربية للشرق الأوسط الجديد. لكني أحجبها بعد أن رأيت صمتاً لقادة كفاية مريب بعد اتهام العادلي.
ليصبح السؤال المطروح الآن هل يتستر عبد الفتاح السيسي علي "العملاء"، لمجرد أنهم أيدوه؟، كما تواطأ من قبل مع الثورة، وقدم نفسه علي أنه من الثوار، وكانت الدعاية بأن المجلس العسكري هو من حمى الثورة علي قاعدة المضطر، تماماً كما كانت تحية اللواء الفنجرى بعد تنحي مبارك لشهداء الثورة هي من باب النفاق السياسي؟!
وهل السبب في استمرار وجهاء حركة "كفاية" في تأييد حكم العسكر المنقلب علي ثورة يناير، هو لأنهم يخشون أمراً، بعد ما قاله العادلي عن المؤامرة الخارجية والأموال التي تم تمويل الحركة بها كما أفاد وزير داخلية مبارك؟!
عن نفسي، فلو صح ما قاله وزير داخلية مبارك فلن يخدش هذا طهارة ثورتنا، فمن شاركوا فيها هم من وصفتهم في مقال بعد اليوم الأول لها حمل عنوان: "هذا خلق جديد"، ومن الطبيعي ان يتهم نظام مبارك ثورتنا بالمؤامرة الخارجية، وهو الذي يمثل العمالة بامتياز.
بيد ان المشكلة خاصة بأولئك الذي انضموا للثورة المضادة وللانقلاب العسكري فأعادوا زمن مبارك المتطاول علي الثورة.
السيسي يا رفاق هو من أعاد زمن مبارك، وهو من أشعره وأشعر رجاله بالأمان فتطاولوا علي ثورتنا، وتطاولوا عليكم لأنكم لم تعودوا تعنون له شيئاً.
فاشربوا.