ترددت في كتابة هذا المقال قبل أن أسطر هذه السطور لمعرفتي أن هذه المقالة قد تمس أشخاصا كانت لي بكثير منهم علاقة وطيدة، إلا أن خيبة الأمل في مثل هؤلاء الذين لم أتصور أيا منهم في الموقع والموضع الذي هو فيه جعلني أقول كلمة حق أعتقد أن هذا أوانها لأن هؤلاء جميعا كانوا من الأشخاص الذين تعرضوا لعمل عام ووجدت من واجبي أن أقول هذه الكلمة وأمضى لا أقف عندها أو أواصل بعدها كتابة حول قوائم أخرى سقطت الأقنعة عنهم، من أجل هذا، ومن أجل هذا فقط كنت وأنا أتصفح صفحات الأيام حينما يسقط قناع بعد قناع، كنت أطلب من كل من يساندني فيما أفعل أن يتفضل عليّ بالدعاء لي بالثبات .. نعم صارت هذه الدعوة هي الأثيرة لدي من أجل ما فعل هؤلاء وقد أصابهم التحول والتغيّر، وكنت لا أنتظر أن يصدر منهم وعنهم كل ذلك.
في يوم قريب سألت صاحبي: من الذي تراه قد سقط من نظرك في الأيام الأخيرة؟ فأجاب: بل قل من الذي لم يسقط بعد من نظرك في هذه الأيام؟ فالذين سقطوا كثر وأكثر من أن يحصوا، والأدهى والأمر أن نوعيتهم كانت من النوعيات المرموقة وفيهم من كانت تعقد عليهم الآمال مستقبلا، ويعتبرون ذخرا لغدٍ. بعدها بقليل كنت أطالع وسائل التواصل الاجتماعي، فلاحظت تعليقا يسأل فيه أحدهم صاحبه: هل سقطت الأقنعة؟ فأجيب: بل تعبت الأقنعة من كثرة السقوط.
نعم منذ سقط الوطن في هاوية الانقلاب العسكري، والمتهافتون المتساقطون في حفرته يقفزون واحدا بعد الآخر، وفي كل مرة أرى من ذلك عجبا، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني:
أستاذ جامعي حر عرف بكل عمل يتعلق باستقلال الجامعات عرفته في 9 مارس وكل ما يخص الجامعة يعبر عن الرأي المستقل ويدافع عن حياض الجامعة وهو من هو في ساحة العمل العام، كنا نراه الحكيم الذي نلجأ إليه حين الملمة وعند الأزمة، صاحبته في أمور كثيرة وكنت أرى في مواقفه وفي رؤاه رجاحة العقل وميزان الحكيم إلا أنه حينما تعرف أنه التحق بمنظومة الانقلاب مبررا حتى أنه كان عضوا في حملة من أدار هذا الانقلاب وقام به على رئيس مدني منتخب وقد نسخ تاريخه وانهارت صروح حكمته بخيارات لا أجد لها تفسيرا ولا أعرف لها تبريرا.
وهذا أستاذ أكاديمي بدا واعدا صاعدا على مستوى علم السياسة والتحليل والمشورة والمشاركة السياسية من أرضية العلم، كتب فقرأ له الناس، وتكلم فتابعه الشباب، وأدلى فشجعه الجميع. نادى بالليبرالية الدستورية الديمقراطية مع حفظ هوية المجتمع، نادى بالمدنية ورفع وصاية العسكر عن دولة المؤسسات، نافح عن عدم صناعة (العجلة) التي أصبحت في بلاد العالم قطارا وطائرة وغواصة ومكوكا فضائيا، وقال الديمقراطية هي الديمقراطية وعد لها عناصر ستة بها تكتمل، وتكلم عن أخوات الديمقراطية وأشباهها وشيطان التسلطية الذي يجري منها مجرى الدم، ثم قدم اجتهادا للديمقراطية في الإسلام، ورسالة عن المسلمين والديمقراطية صارت كتابا، وحيا التيار الإسلامي في
مصر كثيرا على ديمقراطيته، وهاجم انتهازية الليبراليين وضعفهم ومناكفتهم، وصرخ: لا دستور دائم تحت "حكم العسكر".. واستمر كذلك لحين انفتح نفق الانقلاب فإذا به أول الداخلين على عجل. فراح يلعن الشعب وإرادته ويهزأ بالمصريين وعقولهم واختياراتهم، ويقمع الشباب ويسخر منهم، ويعلنها صريحة مريحة: (إحنا كمنطقة مينفعش يحكمنا ديمقراطية، ونظم مساواة)، كما قال عمر بيه سليمان!!
حقا هما شخصان مختلفان تمام الاختلاف قبل 3/7 وبعدها، أم تراه القناع سقط؟
وذاك قاض قاد يوما ما تيار استقلال القضاء، وتكلم حين سكت الآخرون، وقاوم تدخلات مبارك وتعديات نظامه على السلطة القضائية ونزاهتها، وصار رمزا لذلك. ثم مر بمرحلة صمت عجيب مع الثورة، ولم يتدخل إلا لماما، وفجأة يجلس على منصة القضاء في أسيس أحواله بعد 3/7، لينضم إلى معزوفة انقلاب الموازين، ويصدر حكما عجبا بالمؤبد على ثلاث فتيات إحداهن مصابة بشلل رباعي بسبب التعذيب؛ بحجة أوراق تتهمهن: بترويع الناس وحيازتهن أسلحة وذخيرة واختراقهن حظر التجول، وأنه حكم بالأوراق؟ ألم يكن النظام الذي عارضته من قبل يا سعادة المستشار يجيد صناعة الأوراق المزورة والتهم الملفقة؟، أم أنه قناع آخر يسقط من أعلى القمم إلى أدنى القيعان؟، أيها القاضى الجليل "أكاد أشك فى نفسى".
وهل نسيت الشيخ الذي كان يهز أعواد المنابر صارخا: الإنسان قبل البنيان، الإنسان بنيان الله.. ملعون من هدم بنيان الله، قتلوه قتلهم الله، ثم بعد 3/7 يصرخ متجهما ومتهجما: اضرب في المليان..اقتلوهم، من قتلهم فهو أولى بالله منهم، طوبى لمن قتلهم وقتلوه.. من كان يصرخ: الجهاد فرض عين على كل واحد منا حتى نسترد القدس، حماس رضي الله عنهم، ويقول لإرهابيي اليوم أصدقاء الأمس: سنعمل معا – في حفل للإخوان ووراء ظهره شعارهم- كي نبني مصر جميعا، ودافع عن حقهم في الحكم والظهور الإعلامي والاختلاف و.. قبيل الانقلاب بأسبوعين في معهد السلام الدولي (بواشنطن المتآمرة)، وهو يحسن صورة الصهاينة، ويقول اليوم: ماذا تريد حماس؟ والجماعة الإرهابية والصهيونية؟ ، كل يوم لا يعتبر ولا يتعظ، لقد انزلق قناعه بمنتهى السرعة والفجاجة.
وأين قناع الدفاع عن الغلابة والأحرار والاكتفاء الذاتي من القمح في عصر الفساد أيتها الكاتبة الكبيرة؟ تعاليت عن رئيس مدني منتخب ، ثم ما أسرع هرولتك في طليعة المنقلبين أولي العداوة والبغضاء من قبل 3/7، سارعت لتقدمي نفسك غطاء بصفة المستشار لرجل ادعوا أنه رجل قانون وقضاء، وزعموا أنه رئيس يحكم البلاد، فهل أشرت عليه بالمجازر وراء المذابح والمحارق؟ أم تراك زينت له اعتقال الرئيس المنتخب الذي عملت معه من قبل، وعشرات الآلاف من الشرفاء؟، أم تراك فى ميدان المساعدة والمساندة فى وعلى وظيفة المحلل المدني للعرس العسكري الكبير؟ بئس القناع والمقنعين!!
وها هو الشاعر الكبير الذي ملأ الدنيا بشعره عن الفساد والاستبداد طيلة فترة رئيس رضي أن يكون له مستشارا، ثم بعد 3/7 لا ينبس ببنت شفة والوطن في مصاب غير مسبوق، ألم يتساءل يوما ما لم يكن كيومنا (ماذا أصابك يا وطن؟)، ويعلن عن بلاد الظلم والعبث: (هذه البلاد ليست كبلادي)؟.. ليته يحاججني بما أننا كنا في مجلس استشاري واحد.. لكن تراه تغيرت ملامحه بسقوط القناع؟
قد يغضب هؤلاء من قولى ولكن الحق أحب إلىّ، قد تطول القائمة لوظللنا نعدد من سقطت الأقنعة عنهم، لكننى أقول لهم: ألا يخجل هؤلاء من مواقفهم التي تبدلت وأسقطت هذه الأقنعة والأغطية، كيف تنامون؟، كيف تصدقون ما تقولون؟، أم على الله تحتالون؟، أكتب هذا لعلكم ترجعون أو تراجعون، لعلكم تهتدون.
اللهم الثبات..اللهم الثبات.