كتبت بعد انعقاد المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية في 30 سبتمبر/ أيلول 2012 في العاصمة التركية أن حزب العدالة والتنمية أمام منعطف خطير يبدأ بالمؤتمر ويمتد إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وقلت إن "
أردوغان وفريقه إن نجحوا في اجتياز هذا المنعطف الخطير بسلام فلن يكون أمام حزب العدالة والتنمية أي عائق يذكر في قيادة
تركيا لعدة فترات أخرى. وأما في حال فشلهم فستكون أبواب الساحة السياسية التركية مفتوحة على مصراعيها أمام الانشقاقات والمفاجآت".
اليوم، بعد فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، يمكن أن نقول إن حزب العدالة والتنمية نجح حتى الآن في تجاوز ثلثي ذلك المنعطف الخطير دون وقوع أي حادث ولكن ما بقي من الطريق حتى يتجاوز الحزب محطة الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في منتصف العام القادم، يحمل بين طياته صعوبات قد تشكل خطرا على مستقبل الحزب.
المرحلة الحالية في حزب العدالة والتنمية مرحلة الانتقال من عهد أردوغان إلى عهد خلفه، وهي ستشهد في مستهلها انتخاب رئيس جديد للحزب، وتكليف هذا الرئيس الجديد بتشكيل الحكومة والفريق الذي سيعمل معه. وحسب المؤشرات الأخيرة يبدو أن هذا الأمر قد حسم لصالح وزير الخارجية أحمد داود أوغلو. وكانت لدى بعض قادة الحزب تحفظات على تولي داود أوغلو رئاسة الحزب إلا أن هناك تسريبات من داخل الحزب تشير إلى أن داود أوغلو اجتمع معهم وأقنعهم بأن تحفظاتهم ليست في محلها.
ومما لا شك فيه أن مهمة خلف أردوغان في مرحلة الانتقال لن تكون سهلة، وعليه أن ينجح في إدارة هذه المرحلة الحساسة حتى يتم الانتقال بشكل سلس دون أن يحدث تفكك كما حدث في حزب الوطن الأم بعد أن تولى تورغوت أوزال رئاسة الجمهورية وترك رئاسة الحزب إلى يلدريم آكبولوت، ولكن التأييد الواسع الذي يحظى به داود أوغلو في صفوف أعضاء الحزب وقاعدته الشعبية ودعم أردوغان له سيخففان من صعوبة المهمة.
وجود تشابه بين حزب الوطن الأم في عهد أوزال وحزب العدالة والتنمية في عهد أردوغان لا يعني بالضرورة أن حزب العدالة والتنمية ينتظره مصير حزب الوطن الأم نفسه، لأن طبيعة الحزبين -على الرغم من التشابه- تختلف، وكان أوزال استطاع أن يجمع في حزب الوطن الأم أصحاب التوجهات المختلفة من الديمقراطيين والإسلاميين والليبراليين والقوميين، غير أنه لم يفلح في تحويل الحزب إلى حركة سياسية، بل هرب -إن صح التعبير- إلى قصر تشانكايا قبل أن يرتب الأمور، ما فتح المجال أمام مسعود يلماز ليسيطر على الحزب ويجرَّه من فشل إلى آخر، حتى يخرج نهائيا من المشهد السياسي. وأما أردوغان فنجح إلى حد ما في تحويل حزب العدالة والتنمية إلى حركة سياسية لها أهداف على المدى القريب والبعيد، تتلخص تحت عنوان "تركيا الجديدة"، في ظروف تختلف عن ظروف تسعينات القرن الماضي وغير مواتية لتكرار تجربة مسعود يلماز.
يمكن الحديث حاليا عن وجود ثلاث مجموعات في حزب العدالة والتنمية. الأولى، وهي الأغلبية، تدعم وزير الخارجية أحمد داود أوغلو. والثانية ترغب في عودة عبد الله غول إلى الحزب ليتولى رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء، ويمكن تصنيف نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش وبعض قادة الحزب المؤسسين ضمن هذه المجموعة. والثالثة نعمان كورتولموش ومن جاء معه بعد حل حزب صوت الشعب نفسه. ولا يتوقع -على الأقل في الوقت الراهن- صراع بين المجموعات الثلاث.
كان عبد الله غول أعلن في الحادي عشر من الشهر الجاري أنه سيعود إلى الحزب الذي شارك في تأسيسه بعد انتهاء فترته في رئاسة الجمهورية، إلا أن مصادر إعلامية ذكرت أنه قد يؤجل عودته إلى حزب العدالة والتنمية ليقوم في المرحلة المقبلة بمهمة "حكيم الحزب" بعيدا عن أي منصب. وقال غول مساء الثلاثاء إنه "من الواضح أن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو هو من سيتولى منصب رئيس وزراء تركيا بعد أردوغان"، وذكر أنه مَنْ أدخل داود أوغلو كمكسب للسياسة التركية وأقحمه في حياة الدولة، ثم أضاف قائلا: "سأواصل نقل تجربتي وخبرتي لدعم القضية التي أؤمن بها، ولدعم حزبي الذي أسسته حتى يظل ناجحا". ومن المؤكد أن الدور البناء الذي سيلعبه عبد الله غول في هذه المرحلة سيسهم في إتمام عملية الانتقال إلى ما بعد أردوغان بنجاح.