كتب سركيس نعوم:
هناك إجماع في
العراق، على أن رئيس الوزراء المستقيل نوري
المالكي يتحمّل مسؤولية التطوّرات المأساوية والخطيرة الأخيرة التي حصلت في بلاده ووضعتها على مشارف -إن لم يكن داخل- حالات مؤذية ثلاث. أولاها: التفكك المؤدّي الى تقسيم عرقي ومذهبي، وثانيتها: حرب أهلية مستمرّة بين السنّة والشيعة، وبين العراقيين عرباً وأكراداً. أما ثالثتها: فقد تكون حروباً داخل الكيانات المستحدثة.
أما أسباب الإجماع المذكور على مسؤولية المالكي فكثيرة. منها اعتباره نفسه حاكماً مطلقاً بحكم انتمائه الى الغالبية الشيعية، وبحكم حصوله على غالبية نسبية، في الانتخابات النيابية الأخيرة والتي سبقتها، وبحكم تمتّعه بتأييد
إيراني ثابت، وبحكم علاقته الجيدة نسبياً مع اميركا وخصوصاً في ولايته الأولى. علماً أنها مالت في آخر سنتين من ولايته الثانية الى التردّي ولا سيما بعد رفضه اقتراحات لإدارتها، وبعد انخراطه الى جانب النظام السوري ضد الثورة الشعبية عليه.
وعبّر عن الانخراط بمواقف سياسية مؤيدة، وبعدم الاعتراض على تطوُّع أعداد كبيرة من العراقيين الشيعة للقتال مع قوات الأسد. وقد دفع سلوك المالكي وتصرفه وسياساته الى تشبيه غالبية العراقيين إياه بصدام حسين "الطاغية" الراحل، علماً أنه يبقى أصغر حجماً منه.
ومن الأسباب أيضاً استئثاره بالسلطة داخل مجلس الوزراء وفي كل العراق، وسكوته عن استشراء الفساد والهدر في البلاد، والبعض يتحدث عن مشاركته فيهما، وفشل حكومتيه المتعاقبتين وعلى مدى ثماني سنوات في توفير الحاجات الأساسية للشعب مثل الماء والكهرباء والطبابة والعمل والأمن، وعدم نجاحه في إقامة البنى التحتية التي يحتاج العراق اليها في كل المجالات، والتبذير في الصرف انطلاقاً من الاقتناع بأن العراق غني بالنفط. وقد تسبّب ذلك بتدهور القطاع الأخير هذا، الذي يحتاج الى تجديد وصيانة دائمتين، وبضرب الثروات الأخرى المهمة في البلاد مثل المياه والزراعة من خلال عدم تطوير مؤسساتها وتحديث بُناها.
ومن الأسباب أيضاً، تصرف المالكي مع المكوّن السنّي بطريقة فظّة، جعلته يشعر بالمهانة وبالدونيّة مقارنة مع المكوِّن الشيعي وحتى مع المكوِّن الكردي. ففي الحكومة وقطاعات الدولة لم تكن مهمات ممثليه مسهّلة، ومناطقه لم تكن تحظى بأي تنمية، وأبناؤه كانوا دائماً عرضة للاعتقال.
وقد استعمل "قانون اجتثاث البعث" للضغط على هؤلاء ولإبقائهم تحت السيطرة والهيمنة. علماً أن المالكي نفسه كان في محيطه وبين مستشاريه -وفي الحلقة الضيقة- مستشارون أمنيون وعسكريون، كانوا أعضاء فاعلين في حزب البعث. وعندما كان يسأله البعض من مكوّنه الشيعي، كما من مكوّنات أخرى، عن سبب عدم التخلص من القانون المذكور لتوفير أجواء مصالحة وطنية ثم وحدة وطنية، كان يجيب: "لقد تابوا. وأنا أحتاج إليهم". والرد عليه كان: "هناك آخرون كثيرون تابوا والبلاد في حاجة اليهم". لكنه لم يكن يتجاوب.
ومن الأسباب أيضاً فشله في تأسيس جيش مُدرَّب جيداً ومسلَّح جيداً وقادر على القتال دفاعاً عن الأرض ضدّ عدو خارجي، وعن الشعب ووحدته ضدّ أعداء الداخل. وفشله في تأسيس قوى أمن داخلي وشرطة ذات كفاءة وقادرة على تنفيذ مهماتها. وفشله في تأسيس أجهزة استخباراتية جدية وحديثة. وهو فشل لا يمكن تبريره بنقص الإمكانات المالية. علماً أنه كان يبرر فشله بتحميل الوزراء الذين يختارهم كل مكوّن عراقي (طائفي أو مذهبي أو عرقي) في حكومتيه مسؤوليته.
فهؤلاء لم يكونوا يصغون اليه كما لو أنهم "فاتحون على حسابهم" كما يقال. لكن العارفين كانوا يقولون له إنهم لا يصدّقون ذلك، ثم يضيفون: "لنفترض أن ما تقوله صحيح، فماذا عن وزارة الداخلية ووزارة الدفاع وقيادة الجيش، بل قياداته وأجهزة الاستخبارات والشرطة؟ إنها كانت دائماً في تصرّفك تأمر وتنهي فيها. وكيف انهارت ست فرق عسكرية في الموصل؟ وكيف كان ضباط كبار يحكمون الموصل وغيرها؟ وكيف كان أحدهم يعتقل الناس كي يفرج عنهم لاحقاً بخوّة مالية، وتبيّن لاحقاً أن ثروته في مصرف في إربيل تبلغ نحو 5 ملايين دولار أميركي؟".
أليست إيران مسؤولة ايضاً عما حصل في العراق الذي كانت تديره بواسطة الحاج
قاسم سليماني الذي لا يزال مسؤولاً عنه على رغم كلام الإعلام على تنحيته؟ أوليست أميركا وحلفاؤها العرب مسؤولون كذلك عن هذا الأمر؟
(عن صحيفة النهار اللبنانية 30 آب/ أغسطس 2014)