ظاهرة جديدة بدأت تطفو إلى السطح بالتزامن مع حملات الاعتقال والتشديد الأمني المكثف الذي تشهده العاصمة دمشق، حيث دفعت المضايقات الأمنية بعض العائلات الفقيرة إلى النزوح لوجهة مختلفة عن الوجهات المألوفة عادة، تتمثل ببلدات الريف الغربي الثائرة التي تخضع لسيطرة قوات المعارضة.
"
النزوح العكسي" كما بات يطلق عليه العديد من سكان دمشق، يضع المدنيين بين خيارين أحلاهما مُرّ، دافعا إياهم للهروب بأرواحهم من بطش النظام إلى وابل قذائفه ومدفعياته التي تستهدف الأحياء المدنية في بلدات ريف العاصمة.
"لا يوجد لدينا خيار آخر"، تقول الحاجة أم محمد في حديث خاص لـ "عربي21"، فبعد أن اعتقلت
قوات النظام زوجها الستيني للضغط على ابنها المطلوب لتسليم نفسه اضطرت لترك المنزل مع عائلتها، إثر مضايقات النظام المستمرة لهم رغم غياب ابنها عن المنزل.
وتتابع بأنّ "ابني الذي تقيم عائلته معنا توارى عن الأنظار خوفا من الاعتقال، في حين بقيت قوات النظام تبتزنا طويلا، ما دفعنا للخيار الأخير المتاح وهو الهرب، فنحن لسنا من ميسوري الحال لنتمكن من تغطية نفقات السفر إلى بلد مجاور. ولو استطعنا فلن يستطيع ولدي القدوم وسيبقى هنا وحيدا".
لجأت الحاجة أم محمد وعائلتها إلى بلدة زاكية في ريف دمشق الغربي التي تضم حاليا آلاف النازحين من بلدات الريف المجاورة، ما يجعل تأمين المسكن أمرا في غاية الصعوبة، إذ تقيم حاليا في منزل مؤلف من غرفة واحدة مع عائلتها المكونة من سبعة أشخاص، ناهيك عن قلة المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية للحياة.
أما "نهى"، فقد قررت ترك الحياة الآمنة نسبيا في دمشق هي وطفلاها لتكون بالقرب من زوجها المقاتل في صفوف المعارضة المسلحة في ريف دمشق.. فعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إليها من قبل عائلتها بسبب تعريض نفسها للخطر، فإنها بحسب قولها لـ "عربي21"، تفضل "الحياة تحت ضربات المدفعية على البقاء بعيدة عن زوجها".
وتضيف أنه "إضافة لذلك فإني أخاف من قيام النظام بالضغط على زوجي من خلالنا، وخاصة بعد تكرار حالات اعتقال أفراد من عائلات المقاتلين في دمشق".
وتوضح أنه يبقى لذلك تبعات سلبية، وخاصة على أطفالها الذين تخشى عليهم من القذائف والغارات "التي باتت تهطل علينا أكثر من مطر السماء"، على حد وصفها.
بالمقابل، يوضح "محمد" أحد سكان دمشق الذين اضطروا للتوجه إلى الريف أن حالات "النزوح العكسي" غالبا ما تتم باتجاه البلدات الآمنة نسبيا في ريف العاصمة الغربي، موضحا لـ "عربي21" أن الأشخاص القادمين يواجهون العديد من الصعوبات في التأقلم، إذ إن الوضع الإنساني سيئ وآخذ في التدهور يوما بعد آخر، مع ازدياد اللاجئين من بلدات الريف المشتعلة للبلدات الهادئة، بالتزامن مع منع قوات النظام دخول المساعدات الغذائية المقدمة من الهلال الأحمر والمنظمات الإنسانية.