تجبر الظروف، التي يمر بها
اللاجئون السوريون في الدول العربية، الكثيرين منهم للبحث عن طرق للهجرة إلى أوروبا، وإن كانت الرحلة صعبة ومحفوفة بالمخاطر.
فعبر البحر والبر ينشدون طرقا للهرب من واقعهم، وفي معظم الأحيان يهزمهم البحر أو يخدعهم المهربون.
ولكل لاجئ سوري قصة مع المهربين سواء في شوارع اسطنبول، الاسكندرية، ليبيا او على الحدود اللبنانية، بل سافر بعضهم للمغرب ليجرب حظه ويقطع البحر نحو أوروبا.
ومن هؤلاء "معتز"، اللاجئ السوري الذي فر إلى
مصر قبل عام، وحاول عبور البحر المتوسط 11 مرة. وفشل في المرة الأولى عندما سرقه المهربون، وهددوه بالسكاكين قبل أن يركب القارب، أما في المرة الثانية فقد انتهت رحلته عندما أوقف خفر السواحل المصريون القارب واعتقلوه وعائلته لأيام.
وفي المرة الثالثة قضى وعائلته أسبوعا في البحر، ورجع القارب للبر بعد خلاف حول الأجر. ولم يفقد مع ذلك "معتز" الأمل؛ حيث تحدث لمراسل صحيفة "الغارديان" في مصر، متسائلا:"ماذا أفعل غير هذا؟". وفر "معتز" وعائلته من بلده ليجد استقبالا سيئا من المصريين.
وتحدث قائلا: "البحر من أمامك والعدو من ورائك"، وكلا الخيارين يعني الموت. وهي مخاوف حقيقية، فبعد ساعات من حديثه غرق قارب كان يحاول الوصول للشواطئ الليبية، وقضى 500 كانوا على متنه، مما يرفع عدد ضحايا البحر هذا العام إلى 2.900، حسب منظمة
الهجرة العالمية.
وتضيف الصحيفة أنه من لم يمت من السوريين في البحر كانت بانتظاره الشرطة المصرية، إذ تم القبض من العام الجاري على أكثر من 6.800 لاجئ، حسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ما يزال 375 منهم محجوزين.
ومهما كانت المخاطر فما يزال آلاف السوريين في الاسكندرية، وعلى طول شاطئ البحر المتوسط مع آخرين يحاولون الهرب، والسبب أنهم لا يستطيعون البقاء في مصر أو العودة إلى
سوريا، كما تورد الصحيفة.
تقول "أم محمد" للصحيفة، وهي أم لأربعة أطفال وقد حاولت الهرب أكثر من 30 مرة "ليس أمامنا أي خيار". كل هذا مع أن عملية اجتياز البحر لأوروبا مكلفة، حيث تتراوح كلفة الراكب ما بين 2.000 إلى 3.500 دولار، ويتم الاحتفاظ بالمال مع طرف ثالث يثق به المسافر والمهرب، ويتقاضاه الأخير بعد وصول إشارة تأكيد عن وصول المهاجرين بأمان للشواطئ الأوروبية. وغير ذلك فالمسافرون لا سلطة لديهم ولا يعرفون ماذا سيحدث لهم.
ويروي "مهيار" (23 عاما) للصحيفة، والذي نجح بالسفر مع أمه وإخوته هذا الصيف، أنه طلب منه الحضور في موعد معين لنقطة البداية في القاهرة، ولم يكن أحد من مسافري المحطة الثانية موجودا، بمن فيهم سائق السيارة. ويقول مهيار "في كل مرحلة تتغير الحافلة، ويأتي سائق جديد، ولا أحد يعرف المحطة المقبلة". فالسائق يصل لنقطة معينة، ومن ثم يطلب منه التحرك للمرحلة الثانية؛ خشية أن تكتشفه الشرطة، ولا يكشف لهم عن خط الرحلة".
وبعد ساعات من السفر والتنقل من حافلة لأخرى، ومن بيت آمن لأخر، يصل المسافرون للشاطئ المحدد لهم، وعادة يكون الوصول قبل طلوع الفجر. وفي هذه المرحلة يكتشف اللاجئون، مثل "أم محمد" التي باعت حليها لدفع المبلغ للمهربين، أن لا قارب ينتظرهم ولا بيت. وفي بعض الأحيان يتعرضون للسرقة، مثل ما حدث لـ "معتز" الذي سرقت كل أمواله وهاتفه النقال وأدويته التي يتناولها بسبب إصابته بمرض السكري. أما المحظوظون فيطلب منهم المشي في الماء حتى يصلوا إلى قوارب مطاطية تنتظرهم لتنقلهم إلى قوارب تقوم بنقلهم لسفن أكبر، أملا في إيصالهم للشواطئ الإيطالية، وفق ما نقلته الغارديان.
وبالنسبة للاجئين فالمشي نحو قوارب لا يرونها مغامرة، لم يتحملها "عبدو" أحد أبناء "أم محمد"، الذي يعاني من مشاكل عقلية منذ الصغر، حيث اضطرت العائلة إلى العودة للشاطئ، واستقبلها خفر السواحل ونقلت إلى السجن.
وبحسب الصحيفة، فقد كانت تجربة سيئة للعائلة، خاصة عبدو، الذي تعرض للتحرش والتهديدات من الشرطة، الذين لم يعرفوا أنه يعاني من مشاكل عقلية. وتم الإفراج عن العائلة لأنها مسجلة في سجل اللاجئين، ولا يمكن للسلطات المصرية الإبقاء عليها في الحجز، إلا "زياد" وهو ابن شقيقة "ام محمد"، الذي فقد جواز سفره، ولا يوجد له أقارب في مصر، وهو ما يجعله عرضة للسجن أو الرحيل الطوعي إلى سوريا.
ويقول التقرير إن الرحلة رغم مخاطرها تحظى بشعبية؛ لأن الناس مضطرون للبحث عن مكان آخر، فحياة السوريين في مصر صعبة. فلا فرص عمل، وإن توفرت، يتم استغلال السوريين، والمعونات المقدمة من مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لا تكفي، والمشكلة الأكبر هي ظاهرة التخويف من السوريين. فقد زعم برنامج تلفزيوني العام الماضي أن معظم السوريين يؤيدون الرئيس السابق محمد مرسي الذي أطاح به الجيش.
ويقول معتز "أصابع اليد ليست متشابهة، ولكن بعض المصريين يكرهوننا". ويضيف "كنت في مقابلة للعمل في مصنع، وعندما شاهد مدير المصنع جواز سفري رماه في وجهي، وفي مرة أخرى كنت في مكتب لتصوير جواز سفري، لأفاجأ بموظف يرمي الاوراق في وجهي ويقول: (جئتم لتخربوا البلد)"، كما جاء في الصحيفة.
وتشير الصحيفة إلى أن "أم محمد" لم تواجه كراهية بالقدر الكبير، لكنها تريد مغادرة مصر حتى يتلقى ابنها العلاج. وهناك بدائل عن أوروبا مثل تركيا واليمن والسودان ولبنان، لكن اليمن يعاني من حرب واضطرابات، ولبنان في الطريق، وفي السودان وضع سياسي غير مستقر.
وتفضل "أم محمد" تركيا، ولكن ترى أن الحياة فيها مكلفة والإيجارات عالية (500) دولار في الشهر، إضافة إلى مشكلة اللغة.
وتلفت الصحيفة إلى أن الناشطين يلقون اللوم على الدول الغربية مثل
بريطانيا، التي وعدت باستقبال اللاجئين، لكن إن قدموا طلبات من داخلها، ولهذا يضطر اللاجئون للسفر عبر البحر. ويمكن للاجئين تقديم طلبات من الشرق الأوسط، ولكن هذا ليس ممكنا لـ 3 ملايين لاجئ سوري، ولم تمنح بريطانيا إلا 24 تأشيرة في نهاية حزيران (يونيو).
ويدعو الناشطون الحكومة المصرية التوقف عن تجاهل موضوع اللاجئين السوريين، ومنح الـ 250.000 سوري الإقامة فيها حتى نهاية الحرب في بلادهم.
وترى الصحيفة أنه حتى يتم هذا الأمر فسيواصل السوريون في مصر محاولاتهم عبور البحر والمخاطرة بحياتهم، أملا في الهروب من واقعهم.