ما معنى ألاّ يعود الوفد الفلسطيني الموحد بكامل عضويته إلى القاهرة لاستكمال
المفاوضات غير المباشرة التي أدّت إلى وقف إطلاق النار بالرعاية
المصرية وضمانها! وقد تم وقف إطلاق النار على أساس فتح المعابر من جهة الكيان الصهيوني والتقيّد باتفاق 2012 من حيث وقف الاغتيالات والإغارات الصهيونية، كما تمديد الصيد الغزاوي البحري إلى ستة أميال، كما الزراعي إلى خط التماس.
وكان في هذا تلبية لجزء هام من شروط المقاومة مع إعطاء مهلة شهر لاستمرار المفاوضات غير المباشرة حول بقية الشروط ومنها فتح الميناء والمطار وتمديد الصيد إلى 12 ميلاً بحرياً، فضلاً عن المباشرة، وبلا قيود، لإعادة البناء وإيواء مئات الألوف ممن تشردوا بسبب ما لحق من دمار في مباني سكناهم.
الجواب حول عدم عودة الوفد الفلسطيني وعدم استكمال المفاوضات غير المباشرة؟ يجب أن يُسأل عنه الراعي والمتعهد المصري من جهة والرئيس محمود
عباس وقيادة فتح من جهة أخرى. فبدلاً من استمرار الوفاق الفلسطيني على الوفد المشترك والمطالب التي تشكل من أجل تحقيقها، عاد الانقسام من خلال تفجير محمود عباس لعدة نقاط خلافية وعلى رأسها ما يمسّ سلاح المقاومة وأنفاقها.
وذلك بمطالبته أن تقوم الوحدة الفلسطينية على أساس "سلاح واحد" و"قرار واحد للحرب والسلم"، فضلاً عن إعادة تحميل
حماس مسؤولية استمرار الحرب 51 يوماً وما حلّ من دمار وسقط من شهداء وجرحى وتشريد مئات الألوف بلا سكن.
هذا الموقف الجديد المختلف جوهرياً عما ساد من وفاق خلال حرب العدوان على قطاع
غزة لا سيما في الأربعين يوماً الأخيرة منها، أعلن عنه رسمياً في اجتماع وزراء الخارجية العرب في مؤتمر صحفي بعد لقاء الرئيسين الفلسطيني والمصري. مما يؤكد اتفاق الطرفين على وقف من فتح المعركة على حماس وعدم عودة الوفد الفلسطيني المشترك وعدم تنفيذالشق المتعلق بوقف إطلاق النار من حيث الشهر المخصص لاستكمال المفاوضات غير المباشرة. وقد أعلن أن الراعي المصري طالب بحضور وفد مصغر لمناقشة جدول المفاوضات. وهذا غير المتفق عليه.
الأمر الذي يبطل عملياً اتفاق وقف إطلاق النار. ويصبح الأمر الواقع الناجم بعد وقف إطلاق النار إلى اليوم هو سيد الموقف. وذلك بجعل حتى فتح المعابر، أو العودة إلى الحصار، مسألة بلا ضابط أو اتفاق. ومن ثم متروكة لما ستحمله المرحلة الحالية والقادمة من متغيرات وتطورات.
وبهذا لا يبقى من النصر العظيم والمؤكد الذي حدث في مقاومة العدوان على قطاع غزة (حرب تموز/آب 2014) غير النصر العسكري محروماً من النصر السياسي عدا المقدار الذي تحقق حتى الآن من فتح جزئي للمعابر وللتنقل ولدخول بعض المساعدات ومواد للبناء والإيواء. وهذا كله يقف على كف عفريت، إذ سيتوقف على التطورات التالية بالنسبة إلى الكيفية التي سيذهب على أساسها محمود عباس في فرض مواقفه التي أعلنها بالتفاهم مع عبد الفتاح السيسي، والمتعلقة بوحدة السلاح والقرار.
إن شروط محمود عباس هنا لا تعني حماس وحدها، وإنما تعني بالدرجة الأولى المقاومة المسلحة في قطاع غزة بكل فصائلها، وفي المقدمة الجهاد والجبهة الشعبية، والأهم أنها تعني الشعب كله في قطاع غزة، بل كل الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية والمستقبل الفلسطيني.
باختصار، وبلا مواربة، أو أوهام، فإن لمحمود عباس استراتيجية وسياسات ثابتة ومعلنة، وغير قابلة للتعديل أو التغيير في ما يتعلق بتصفية المقاومة المسلحة، وأضاف عليها عدم السماح مطلقاً بانتفاضة في الضفة الغربية. وذلك في ظل استراتيجية وسياسات ثابتة فيما يتعلق بالتسوية والمفاوضات والرهان على الموقف الأمريكي وما يسمى الشرعية الدولية، ولو وصلت إلى أقصى مدى من الفشل والطريق المسدود وضياع القدس والضفة الغربية استيطاناً وتهويداً. فنحن هنا وبعد تجارب اتفاق أوسلو وتداعيات المفاوضات اللاحقة حتى اليوم أمام الإصرار على سياسة "تجريب المجرّب" الفاشل" ونظرية "عنزة لو طارت".
ولهذا فإن الإشكال الذي يطرحه عباس على الساحة الفلسطينية شعباً وفصائل ومقاومة بالتخلي عن سلاح المقاومة في قطاع غزة وما أنجزته من أنفاق وبنى تحتية وهذا يمسّ كل الفصائل التي أعلنت مشاركتها في المقاومة المسلحة للعدوان العسكري الأخير على قطاع غزة (صائفة 2014)، كما يمس كل الشعب الذي صمد في دعم المقاومة وضد العدوان في قطاع غزة وامتداده ليشمل كل الشعب الفلسطيني لا سيما في القدس والضفة ومناطق الـ48. وكل من وقف إلى جانب المقاومة ودعم الصمود الشعبي.
هنا يتوجب على الجميع أن يقول كلمته وأن يتحد وراء سلاح المقاومة وصمود الشعب في قطاع غزة وإلا تهددت القضية الفلسطينية بالتصفية بأخطر من أية مرحلة سابقة. فنحن، والحالة هذه، أمام عملية نزع سلاح منتصر وليس منع ارهاصات مقاومة مسلحة فقط.
وهنا أيضاً يتوجب على كل الفصائل والحركات الشبابية وحتى المنظمات غير الحكومية شبه المستقلة أن يتحدوا وراء انتفاضة شعبية شاملة في القدس والضفة الغربية لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات واستنقاذ القدس وإطلاق كل الأسرى وبلا قيد أو شرط. ومن ثم ألا يسمحوا بتمرير سياسات محمود عباس المعادية للانتفاضة والذاهبة بالقضية إلى كارثة.
إن إطلاق الانتفاضة ضمن هذه الأهداف القابلة للتحقيق، وفي ظروف المأزق الذي تواجهه حكومة نتانياهو عالمياً (عدا بعض الدول العربية الرسمية)، ولا سيما مع الرأي العام الغربي هو البديل عن المبادرة الفاشلة سلفاً، والتي تقدم بها محمود عباس. وقد قسمها إلى ثلاثة مراحل، وهذه المراحل ترمي، أو تؤدي موضوعياً، إلى تغطية الهجوم على سلاح المقاومة في قطاع غزة، ولاجهاض إكمال الانتصار العسكري الأكيد الذي أحرزته المقاومة بانتفاضة في الضفة والقدس سيكون انتصارها أكيداً كذلك بإذن الله.
هذا ويجب أن يضاف هنا، بأعلى درجات اليقين أن مبادرة عباس فاشلة وعبثية ومضيعة للوقت ولفرصة بتحرير الضفة وحرف للبوصلة، وذاهبة إلى انقسام جديد.
بكلمة، ليس أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يعود إلى الانقسام إذا أصر محمود عباس على مواقفه وسياساته وإذا ما وجد دعماًُ من فتح وبعض الفصائل الفلسطينية، وهو ما لا يجوز أن يحظى به بعد كل ما مضى من تجارب.
فعلى الفصائل الفلسطينية أن تحافظ في وجه سياسات عباس ومواقفه على وحدتها التي تجلت في حرب المقاومة المجيدة والمنتصرة في قطاع غزة. ومن هنا البداية لمواجهة وضع مصري وعربي فيه الكثير مما يجب أن يقال فيه بخصوص موقفه من القضية الفلسطينية والمقاومة والشعب الفلسطيني.