في قريتها المدمرة، وعلى مقربة من بيتها الذي سوي بالأرض، واختفت معه ذكريات 17 عاما، ومن أمام بيتها المؤقت، تحدثنا أم عوض عن قصتها التي امتزجت فيها العزة والألم والفرحة والحزن.
ترسم لوحة عز وكرامة
"حسبنا الله ونعم الوكيل على اليهود، بيتي دمر، واستشهد أخي حيدر النجار، وعمي وأولاد عمي، واعتقل عمي سمير النجار.. كله راح ماذا بقي لنا في الدنيا؟! "، هكذا بدأت حديثها أم عوض، برسم لوحة نقشت عليها صور العدوان الإسرائيلي المختلفة، التي تجاوزت حدود الجرائم ضد الإنسانية.
تقيم أم عوض مع زوجها وأبنائها الثمانية، في بيت مؤقت "كرفان"، تتراوح مساحته قرابة 30 مترا مربعا، في قرية خزاعة التي تقع شرقي محافظة خان يونس جنوب قطاع
غزة، ودمرها الاحتلال خلال عدوانه الأخير.
قالت أم عوض لـ "عربي21": "ذكرياتي وذكريات عمي وأولادي وزوجي، 17 عاما ذهبت"، متسائلة "ماذا نريد من الاحتلال الذي لم يستطع أن ينال من المقاومة فانتقم من الأطفال والنساء وكبار السن"، تلك هي لوحة أخرى.
كفنته بنفسي
وأكدت بثبات رغم الوجع الكبير الذي أصابها "إننا متمسكون بأرضنا، والنصر للمقاومة، منتصرون إن شاء الله"، مستنكرة موقف الزعماء والرؤساء العرب تجاه مع حدث لهم، مشيرة إلى أن "الرؤساء العرب يرسلوا لنا الغذاء، لا نريد ذلك منهم، نريد منهم راحة أطفالنا، شهداؤنا يذهبون غدرا، لا أحد منهم يحرك ساكنا".
وهنا ترسم لنا أم عوض لوحة أخرى نقشت بالدم، عندما استلمت جثمان أخيها الشهيد حيدر النجار25 عاما، وهي تحكي لنا: "كان على وشك الزواج، استملت جثمانه بيدي، كفنته بنفسي، واريت جثمانه الثرى، فرحت له فرحا كبيرا، أطلقت له الزغاريد، وتمنيت أن يكون إخوتي كلهم شهداء".
وختمت حديثها وهي تحبس دموعها وتقول "الله هو الرحيم بنا".
منطقة منكوبة
من جانبه حدثنا رئيس بلدية خزاعة شحدة أبو روك عن الكارثة التي حلت بقريته قائلا: "الاحتلال أغلق منطقة خزاعة وأعلن أنها منطقة عسكرية مغلقة، واستباح كل شيء بها، حجم الكارثة كبير جدا، البنية التحتية دمرت بالكامل من مياه وكهرباء واتصالات"، موضحا أن "خزاعة فقدت مزارعها بالكامل التي يرجع عمر بعضها إلى 50 عاما".
وقال: "خزاعة منطقة منكوبة، لا يوجد بيت إلا وتضرر".
الشوارع متهالكة
يبلغ عدد سكان خزاعة قرابة 15 ألف نسمة، ومساحتها 5 كيلومتر مربع تقريبا، منها 2.2 أراض مخصصة للبناء، والباقي أراض زراعية، هدم الاحتلال منها خلال العدوان 460 وحدة سكانية كليا، و600 هدم جزئي جلها غير قابلة للسكن.
وعلى أبواب فصل الشتاء الذي يكون أكثر برودة في خزاعة، لم يخف رئيس البلدية تخوفه من أن تكون "كارثة الشتاء أكبر من كارثة الحرب"، موضحا أن "الشوارع متهالكة، المزارع تنتشر بها الحفر الكبيرة من آثار الصواريخ، وهي بحاجة لمعدت تعمل على تسوية تلك المناطق ونحن نفتقد لها".
وأفاد أن الاحتلال "حطم معدات البلدية بالكمال ولم يبق منها سوى عربة واحدة"، مؤكدا "لا أستطيع فعل شيء".
البلدة محطمة
وأطلق أبو روك صرخة استغاثة لمساعدة خزاعة قبل "الكارثة المرتقبة"، موضحا أنه "لم تصل لنا أي معدات جديدة نتيجة الحصار والإغلاق الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة"، منذ قرابة الثمانية سنوات.
وقال: "هناك 500 عائلة بلا مأوى، ما زالوا في مدارس الإيواء"، مناشدا
الحكومة الفلسطينية والمؤسسات الدولية أن "يعملوا على مساعدة خزاعة قبل اقتحام فصل الشتاء"، مبينا أن "البلدة محطمة بالكامل، وكثير من الموطنين فقدوا مصدر رزقهم".
وكشف أبو روك أن كثيرا من الأطفال يعانون من بعض الأمراض جراء العدوان الإسرائيلي، مضيفا أن كثيرا من المسنين أصبحوا بحاجة لعربات كي يتمكنوا من التنقل من مكان لآخر".
وأكد رئيس البلدية "ليس أمامنا إلا الصبر والثبات على أرضنا التي ولدنا وعشنا فيها".