كتب عادل الأسطل: ربما الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لا تعلم إلى هذا الوقت، مقدار القيمة الحقيقية للنشاطات الاستيطانّية اليهوديّة بالنسبة لدولة (
إسرائيل)، أو تستشعر ببعضها على الأقل، تبعاً لتطورات الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية، نسبةً إلى مصالحهما كأساسٍ أول، وحفاظاً على مصداقيتها أمام العرب ثانيا، فالاستيطان في الفكر الإسرائيلي، هو اختزال للمشروع الصهيوني– مشروع الدولة- والقائم على مقولات أرض إسرائيل ليهود إسرائيل، والمرتبط بمصيرها مباشرةً، حيث تتوقف الدولة عندما يتوقف
الاستيطان، وبناءً على ما سبق، فإن إسرائيل وبإدارة أيّة حكومة إسرائيلية، يمينية أو يسارية، لا يمكنها وقفه برهة واحدة، فمنذ الانتصار الإسرائيلي على العرب في عدوان عام 1967، بدأت إسرائيل بتنفيذ مخططاتها الاستيطانية وبكثافة مُلفتة، شملت كامل المساحة الفلسطينية، وعلى نطاقين:
الأول، يتمثل في الاستيطان التخويفي، وهو الذي يُوصف بالأهمية الدنيا، كونه للخدمة السياسية فقط، ويُسمح لإسرائيل بتركه أو التخلّي عنه، لاعتباره أُنشئ من أجل تحقيق الضغط السياسي على العرب والفلسطينيين، لإرغامهم من غير جهد، إلى القبول بتسوية ما، كما حصل وتنازلت عن (مُجمّع ياميت) في سيناء، في إطار
معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، والتي تم التوقيع عليها ضمن إطار اتفاقيتي كامب ديفيد عام 1979، أو مُستوطنات غوش قطيف في قطاع غزة، والتي تم إخلاؤها في العام 2005، بناءً على خطّة رئيس الوزراء "أريئيل شارون" باعتبارها استنفدت ما هو مطلوب منها، ولا يترتب عليها أيّة استحقاقات دينية أو تراثية أخرى.
وأمّا الثاني، وهو بعكس القاعدة (السهل البناء والصعب الهدم)، والذي يُوصف بالأهمية العليا، لحساسيته الدينيّة والتراثية بالنسبة لإسرائيل التوراتية، ومحظورٌ عليها التفريط فيه أو التهاون عنه، على الرغم من وجود فتاوٍ حاخامية تُجيز ذلك لأجل حقن الدم اليهودي.
منذ أوائل السبعينيات الفائتة، كانت عرضت زعيمة الأبرتهايد الصهيوني "غيئولا كوهين" التي كانت في حينه عضوا في الكنيست عن حزب (هتحيا- النهضة) اليميني، إلى ضرورة غرس الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات، باعتبارها أوراقا رابحة دينياً وسياسياً، لإحياء التوراة على أرض الآباء والأجداد، ولتسريع الخطوات العربيّة نحو القبول بالتفاوض مع إسرائيل والحصول على تفاهمات سلام مناسبة لها.
لقد شكل الاستيطان المعضلة الكبرى لدى العرب عموماً، كما خططت الصهيونية تماماً، اضطرتهم في النهاية إلى التخلّي عن لاءاتهم الثلاث المشهورة، والنزول إلى الاعتراف بإسرائيل والتصالح معها بشكلٍ أو بآخر، ولكنهم انتبهوا إلى أنهم أساؤوا التفكير، لظنّهم أن ذلك ينطبق على كل الاستيطان، حيث شكل النوع الثاني لديهم، وبخاصةً الفلسطينيين، العقبة الكأداء في طريقهم للسلام معها، وبمرور الوقت وتطور الوقائع على الأرض، باتوا يراهنون على مواقف الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية وغيرهما في سبيل إيجاد حل، برغم علمهم المسبق بأنهما أيضاً مصدومتان، بسبب عدم تعاطي الإسرائيليين قدر أنملة واحدة، وليس بإمكانهما فعل ما من شأنه أن يُوقف الاستيطان وإن في القدس الشرقية على الأقل.
حتى خلال الأيام الفائتة اجتاحت ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، موجة استيطان مكثّفة، وكأنه لا يكفي الانغلاق السياسي وضيق الأمل التفاوضي، فكل يوم يصحو فيه المجتمع الدولي والعرب بشكل خاص، يكتشفون عمليات استيطانيّة جديدة، وبالتالي تُقربهم أكثر فأكثر نحو انهيار سياسي وأمني ما، سيما وأن الكل يؤمن – ماعدا إسرائيل-، بأن عدم وقف الاستيطان، وفي ظل انعدام التقدم في المسار السياسي، فإن الأمور بجملتها ستهوي إلى مكانٍ سحيق.
صحيح، وذات يومٍ كانت مواقف أمريكية ضاغطة باتجاه الاستيطان، ونُذكّر بتهديد الرئيس الأمريكي "جورج بوش الأب" بأن
واشنطن لن توافق على منح إسرائيل ضمانات للقروض بمبلغ 10 مليار دولار، بسبب استثمارها في بناء المستوطنات، كما أنها إلى الآن مازالت تعارض أي نشاط استيطاني، باعتباره يشكل عقبة في طريق السلام، ولكنها بالمقابل لا تقوى على الإقدام نحو فرض شروط في هذا الشأن.
وصحيح أيضاً، أن الدول الأوروبية، كانت لها خطوات إيجابية ضد الاستيطان، ولكنها ليست فاعلة، برغم شعورها بالسخط من تواصله على مدار الوقت، وحتى الفترة الأخيرة، أدانت المسؤولة الجديدة عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني" المخططات الاستيطانية، واصفة إياها بأنها تقوّض اتفاق السلام وحل الدولتين، وبأنها تطرح أسئلة حول التزام إسرائيل بالتسوية، ولكنها بالمقابل استبعدت أيّة عقوبات باتجاهها، على الرغم من أن تقارير أشارت إلى أن قسم الشؤون الخارجية التابع للاتحاد يدرس تنفيذ خطوة كهذه.
لكن إسرائيل وبرغم تخوفاتها، وسواء الآتية من واشنطن أو من عواصم أوروبية أخرى، إلاّ أنها أدارت ظهرها لمطالباتها بوقف الاستيطان، وكان رفض رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" صراحةً، العروض الأمريكية – اقتصادية وأمنية- والعروض الأوروبية أيضاً- شراكة متميزة خاصة–، مقابل وقفه، معتبراً أن إسرائيل قامت بتفكيك مستوطنات بما فيه الكفاية، كما أن الاستيطان لا يقوم في باريس أو لندن، وإنما يقوم على أرض إسرائيل.
خانيونس- فلسطين
17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014