أعني بالمؤيدين مؤيدي
السيسي، وربما يبدو من العنوان أني لست من هؤلاء المؤيدين.
ولهذا السبب تحديدا أدعوك عزيزي المؤيد أن تقرأ لي، ولو من باب الفضول أو التغيير عما اعتدت سماعه. وأشجعك ألا تصدق كلمة واحدة مما سأقول. وقبل أن تتهمني بالخيانة والعمالة وتلقي علي ما لذ وطاب من الشتائم، فقط فكر فيه، ولو قليلا، ربما!
ومن ناحيتي ولأشجعك على القراءة، سأوافقك مؤقتا في رؤيتك للأمور، وسينتهي هذا التوافق بنهاية آخر كلمة في هذا المقال.
(1)
تجار دين، يتلاعبون بمشاعر الشعب الدينية، هؤلاء هم
الإخوان من منظورك للأمور، لا مانع فقد وعدتك أن أوافقك.
ولكن مإذا تقول فيمن يتلاعب بمشاعر الشعب الوطنية؟؟
ألا تلاحظ أنك تتنازل عن كل حقوقك وحرياتك بعد أن تم إقناعك أن هذا التنازل واجب وطني؟ لأن
مصر "تحارب" الإرهاب! (ورغم أن مقاومة الإرهاب أساسا من مسؤوليات الداخلية إلا أنه كان متعمدا استخدام كلمة "الحرب"، وليس "
القضاء على الإرهاب" أو "مكافحة الإرهاب، هذا يؤهلك نفسيا للتنازل، .فالحرب تجيز ما لا يجيزه غيرها)
فلأنه لا يصح أن نعاون أعداء الوطن ونشكك في قلعة القضاء الشامخة، قبلت أن يخرج كل قتلة الثوار ومبارك وأولاده وحاشيته من السجن أبرياء من دم شهداء 2011 ومن فساد وإفساد 30 سنة ويدخله أربعون ألفا غيرهم.
ولذلك أيضا لم تجرؤ أن تعترض عندما علمت أن النائب العام الذي ثرت سابقا اعتراضا على إقالته قد أعطى
مبارك صك براءة من أول يوم. بل لم تسأل حتى: إذا كان مع القاضي ورقة لا تجيز محاكمة مبارك، فلم استمر يحاكمه في مسرحية هزلية ثلاث سنوات؟؟ السؤال ضد مصلحة الوطن العليا!
وتحت بند الوطنية سكتّ عندما سلب حقك وحق أبنائك، فأصبح دخول سلك النيابة العامة والقضاء ومؤخرا الشرطة لأبنائهم وأقاربهم فقط، .ولو تبقى احتياج بعد ذلك يعيّن من نريد لا من يستحق، (هذا ليس كلام مرسل أو سري، هذا كلام معلن، ويمكنك التأكد منه منذ وعد الزند باستمرار الزحف المقدس لأبناء القضاة حتى تم إلغاء تعينات أوائل الدفعات في النيابة، واستحداث -أو بالأصح إعادة- شرط المقابلة، وأن يكون والداه من وجهة نظرهم من مستوى لائق اجتماعيا)
ولأنك وطني محب لبلدك صمتّ على رفع أسعار الوقود، وتغاضيت عن الوعود الكاذبة، "أنا هخلى الفقرا أغنيا الأول قبل ما أشيل الدعم"، فالبلد محتاجة. ولم تتوقف طويلا أن ما زاد هو وقود الغلابة وليس الأغنياء! ولذات السبب يجب ألا تثير أسئلة عن ساويرس والـ 14 مليار ضرائب التي توقف تحصيلها وأحمد عز والغرامة التي خفضت للعشر!
(2)
ولأنك تحب مصر عودت عينك ألا ترى أي اعتداء أو تجاوز للشرطة، وأصبح عندك قدرة مميزة أن تتجاوز أي صورة أو فيديو يثبت أن الشرطة تعتدي وتقتل، وإذا حدث واضطررت للمشاهدة فالوطنية تستدعي ألا نحاسب الشرطة، على الأقل الآن! هؤلاء الذين يحمونا من الإرهاب وننام في بيوتنا وهمّا صاحين...الخ! وهذا مبرر يصلح –مع اتهام الإخوان أنهم من يورط الشرطة-في جميع الأحوال، سواء كانت القصة قتل شاب أو اعتداء على بنت أو رصاصة في رقبة طفل أو خرطوش قاتل لأم تحمل وردا، أو حتى ضابط قتل شخص "خبط عربيته"، أو بنت رفضت الزواج منه أو واحد "عكر مزاج" البيه.
وفي هذه النقطة تحديدا أنا أحسدك وأعذرك: أحسدك على قدرتك أن تصدق أن ذات جهاز الشرطة بذات الأشخاص وذات الهيكل ودون أن يحاسب منها عضو واحد على أي جريمة، بل وبعد ما تم إعادة كل من كان تم إيقافه من مباحث أمن الدولة سيتغير!! وستصبح شرطة 2015 غير شرطة 2011، .طب ازاي؟؟
وأعذرك؛ لأني أعلم أنه من الصعب عليك أن تعترف بهذا ونتقد الشرطة مهما فعلوا، خاصة بعد أن حملتهم على الأكتاف، وهتفت لهم في 2013 في "ثورة 30يونيو"، وهم كانوا كما هم!
وعندما نحارب الإرهاب يصبح من عدم الوطنية أن تتساءل عن توزيع العقود بالمليارات بالأمر المباشر، وعن قوانين تحمى الفساد باسم "حسن النية"، وبالطبع لا يمكن في هذه الظروف أن تشكك في كفاءة قواتنا المسلحة، ولمإذا لم تستطع في أي مرة أن تحمي نفسها من هجوم أشخاص أقل عددا وعدة، أو دور سلاح حرس الحدود، وكيف دخل كل هذا السلاح أرض الوطن، علما أنهم لم ينهاروا في أي وقت مثل الشرطة في 2011، وأن لا دخل للأنفاق في هذا الأمر، فغزة لا تصنع أسلحة ثقيلة أو أر بي جي، أي أن السلاح يمكن أن يهرب إلى غزة وليس منها، أو دور المخابرات الحربية أو تشتيت قوة الجيش في شوارع المحروسة أو عسكرة الدولة التي أصبح أكثر محافظيها والمتحكمين فيها عسكريين.
والآن يندفع على لسانك الرد الشهير "وانت مالك؟؟ احنا راضيين، وعلى قلبنا زي العسل"، وهي جملة في حد ذاتها تعني أنك لا تملك ذرة اقتناع من داخلك بكل هذه الأمور، ولكن تم ترويضك بنجاح، باسم الوطنية!
وبالمناسبة، لا تحاول أن تخدع نفسك فتقول: "نخلص من الإرهاب وبعدين نتفرغ للأمور الداخلية": هل تعتقد فعلا أن مثل هذه الدولة بهذا القدر من الفساد الراسخ والمقنن في مؤسساتها تستطيع (أو تريد) أن تبني وطنا أو تواجه إرهابا؟
(3)
نحن لسنا حالة فريدة
في الخمسينات من القرن الماضي فترة سوداء من عمر أمريكا تعرف بالفترة المكارثية، كانت لوثة قادها السيناتور جوزيف مكارثى، وفيها تم اتهام آلاف الأمريكيين أنهم "شيوعيون" أو "متعاطفون مع الشيوعية". كل معارض أو مثقف له مبدأ تم التحقيق معه، ومنعت كتب، وفصل أكثر من عشرة آلاف شخص لاحقتهم هذه التهمة، غير من سجن، ودعمتها ال(FBI) بوثائق مزورة منسوبة لمصدر مجهول، وغير ذلك. كانت للمكارثية –رغم أنها طالت رموزا مثل اينشتاين ومارتن لوثركنج- شعبية كبيرة، حيث لعبت أيضا على المشاعر الوطنية والخوف من العدو، استمرت ما يقرب من عشر سنين، ثم انهارت واستفاق المجتمع!
إذا استبدلت كلمة "أمريكا" بـ"مصر"، و"شيوعي" بـ"إخواني"، وضاعفت أعداد المعتقلين والملاحقين، وأضفت مئات القتلى، ألا تعتقد أن المقطع السابق يعبر عن وضعنا الحالي تماما؟
تهمة "إخواني" تلاحق الجميع، بداية بمن يعارض النظام، حتى وإن كان شيوعيا، وليس انتهاءً بالمعيد الذي ضبط حالة غش، فاتهمه الطالب أنه إخواني يحرض على التظاهر أو الجار الذي أبلغ عن جاره بتهمة أنه "يشاهد قناة الجزيرة" ولا بمدير المدرسة الذي أبلغ عن طالباته أنهن رفعن علامة رابعة، إلى آخر هذه الدراما التي قد تبدو أحيانا مضحكة.ويتم الاحتفاء بها إعلاميا كمظهر وطني، .ولكنها في الحقيقة تمزق المجتمع!
تتميز فترة المكارثية بشيوع الاتهام بغير دليل، .الاتهام ادانة، وأي تفكير أو محاولة للتعقل خيانة.
الإخوان يريدون هدم الوطن، لمإذا؟ أنا لا أناقش الاتهام ولكن أسألك هل حدث مرة واحدة وأنت تلقي هذا الاتهام أو تسمعه أن فكرت مإذا سيستفيد الإخوان من هدم الوطن؟؟ هل لهم مصلحة حقيقية في هدم الوطن "ولا هي غلاسة وبس"؟
الإخوان متهمون في سيناء، ولذلك يجب أن تنسى أن مرسي الرئيس الإخواني قتل في عهده 14 جنديا أخذ يعير بهم طوال مدة رئاسته، لأنك إذا تذكرت ذلك ربما تبدأ في اكتشاف أن هناك أطرافا أخرى غير الإخوان في الصورة، وربما يتطور الأمر وتتساءل: لماذا اتهم الإخوان قبل أي تحقيق أصلا؟ وقد تستدعي ذاكرتك أخبارا من نوعية "ملثمين إخوان يهاجمون، " وتبدأ في التفكير عن نوعية اللثام الذي يكشف أن من خلفه إخوان!
(4)
الآن تجري عمليات شحن بطاريات الكراهية بداخلك بالقوة القصوى.
أنت الآن تتعامل مع أي معارض كإخواني، وتتعامل مع أي إخواني ليس كمواطن له حق الاعتراض وإبداء الرأي، وليس حتى كبشر له حق الحياة، بل ككائن آخر غير بشري، فلم يعد قتله جريمة تستفز مشاعرك، حتى زميلك في العمل أو جارك الذي تراه كل يوم، وتعرفه لسنين طويلة، إذا قتل في مظاهرة معارضة فلا بأس، لابد أن له علاقة بإرهاب أو تآمر، أو ربما يكون هو المخطط الخفي لما يحدث في سيناء.
المطلوب الآن أن يثأر مواطن لأخيه المواطن بقتل مواطن! وبما أن الإخوان لا يسيرون رافعين كارنيهات عضويتهم للإخوان، أو شهادات تخابرهم مع حماس، لذلك سيكون من المقبول أن يقتل أي شخص شخصا آخر لأنه اشتبه في كونه "إخوان"! سيطول القتل الجميع، فلن يكون انتقائيا!
(5)
لسنا البلد الوحيد الذي حدث فيه انقلاب "كما أسميه" أو ثورة "كما تسميه"، ولكن يبدو أننا البلد الوحيد الذي يبدو فيه من على رأس السلطة حريصا على غشعال حرب أهلية.
لن أعيد عبارات بث الفرقة والتحريض الصريح على القتل من "غعلاميين"، فهؤلاء مجرد كلاب مطيعة، ولكن لا أعرف، هل يمكن حقا اعتبار تصريحات كبار القادة العسكريين المتكررة لنزول الشعب ليواجه الشعب من قبيل الصدفة؟ بعد مجزرة بورسعيد، صرح القائد العسكري لمصر وقتها المشير طنطاوي: "من فعل ذلك أفراد من الشعب المصري، والشعب المصري ساكت عليهم ليه؟ إحنا عايزين الشعب كله يشترك"!! والآن يصرح الفريق السيسي أنه لن يكبل أيدي المصريين عن الثأر لشهداء مصر الذين راحوا في الأعمال الإرهابية الجبانة، و"أنتم من ستأخذون بثأر مصر". إحنا؟؟!
ألم يأخذ قبل ذلك تفويضا ليحمي المصريين، وهذا واجبه من الأصل بدون تفويض؟ وألم يكن من أكبر مبررات "ثورة" 30 يونيو على لسان قائدها "منع مصر من الحرب الأهلية" التي كانت تندفع إليها؟ لماذا تبذل الآن كل الجهود لإشعالها؟؟
(6)
"إذا أردت السيطرة على الناس، أخبرهم أنهم معرضون للخطر، وحذرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكك في وطنية معارضيك"، هذه الحكمة الخالدة من هتلر لكل الطغاة، هل أنت تحت السيطرة؟.