أثار تهديد الاحتلال بقطع التيار الكهربائي عن مدن
الضفة، بحجة عدم دفع المدن الفلسطينية الفواتير المستحقة لشركة
كهرباء الاحتلال الإسرائيلي، أسئلة عدة عن أهداف الاحتلال الحقيقية من ذلك، وتزامن ذلك مع تصعيد باعتداءات المستوطنين على دور العبادة، واستمرار احتجاز حكومة الاحتلال لأموال
الضرائب، وربط عدد من المحللين ذلك بإعلان
السلطة الفلسطينية عن رغبتها التوجه إلى محكمة الجنائيات الدولية.
وأوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قيس عبد الكريم، أن توجه الفلسطينيين لمحكمة الجنائيات الدولية مهم، ويحمل قضايا عدة ذات علاقة بالاستيطان وجرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال في الحرب على غزة، استنادا إلى اتفاقية جنيف والقانون الإنساني الدولي.
وتوقع عبد الكريم أن يكون قرار المحكمة عادلا، لأن كل الشواهد تؤكد مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن كل الجرائم التي حدثت.
وحول الإجراءات التي يتخذها الاحتلال لعرقلة هذه الخطوة، أكد عبد الكريم في حديثه لـ"
عربي21"، أنه فعليا بدأ باتخاذ الإجراءات المتعلقة بالجانب الاقتصادي من وقف لتحويل أموال الضرائب، وفيما عدا ذلك توقع اتخاذ خطوات جديدة على الصعيد الأمني تحديدا، ولكن باعتقاده أن الاحتلال لا يمكنه اتخاذ خطوات مؤثرة جديدة عدا الخطوات التي استخدمها، وهذه الإجراءات ناجمة عن المواجهة السياسية بسبب اللجوء للتحرك الدولي.
كما توقع عبد الكريم أن يتم اللجوء إلى المقاومة الشعبية بشكل كبير، وأن تمتد لفترة طويلة، موضحا أهمية إعداد الشعب الفلسطيني لتحمل هذه المواجهة، مع ضرورة السير في إجراءات إنهاء الانقسام خطوةً أساسيةً لتعزيز الجبهة الداخلية، بالإضافة إلى إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية، وتمكين المجتمع.
وتوقف الاحتلال، الخميس، عن تهديده بقطع التيار الكهربائي في الضفة الغربية، حيث سيعمد بالمقابل إلى اقتطاعات من أموال الضرائب الفلسطينية المحتجزة لديه لسداد جزء من هذه الفواتير.
وذكرت وسائل إعلام عبرية أنه سيتم اقتطاع نحو 13.5 مليون يورو كل شهر من أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية.
وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي احتجزت في كانون الثاني/ يناير تحويل مبلغ 106 مليون يورو من أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية بعد انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وخلال الأسبوع الماضي قطعت شركة الكهرباء الإسرائيلية التيار عن مدينتي جنين ونابلس في شمال الضفة الغربية مدة ساعة.
خشية من تصعيد الأوضاع في الضفة
من جهته قال المحلل السياسي، الدكتور عمر جعارة، لـ"
عربي21"، إن "الاحتلال يخشى وبشدة توجه السلطة الفلسطينية لمحكمة الجنايات الدولية، لأن ذلك قد ينجم عنه محاكمة لجنرالات الاحتلال الذين ارتكبوا جرائم الحرب، ولمنع ذلك يلجأ الاحتلال إلى العقوبات الاقتصادية وحجز أموال الضرائب، ومؤخرا بدأ يلجأ لموضوع فصل التيار الكهربائي كونه عامل ضغط جديدا".
وأمر رئيس الأركان الإسرائيلي، غادي ايزنكوت، الأحد، بإجراء تدريب مفاجئ على مستوى الأركان فيما يسمى "بفرقة يهودا والسامرة" العسكرية المسؤولة عن احتلال الضفة الغربية، تم في سياقه استدعاء ثلاثة آلاف جندي احتياط، فيما تلقى عشرات آلاف الجنود من قوات الاحتياط رسائل واتصالات استدعاء هاتفية عبر مكاتب الاتصال العسكري.
ويهدف التدريب، وفقا للمصادر الإسرائيلية، إلى تفقد جاهزية واستعداد الفرقة المذكورة، وسيجري في سياق التدريب محاكاة العديد من السيناريوهات، منها اندلاع أعمال "مخلة بالنظام"، و"هجمات إرهابية" وخطف جنود، وعمليات كثيرة تقع فيها إصابات، وعمليات احتلال أهداف معينة في الضفة الغربية.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، يأتي هذا التدريب الذي ينتهي مساء الاثنين، في إطار عدة تدريبات أجريت في الأسابيع الأخيرة، تخوفاً من اندلاع مواجهات في الضفة الغربية بعد توقف عملية السلام، وفشل الفلسطينيين في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة لتوجه الفلسطينيين لمحكمة الجنايات الدولية.
تخوف إسرائيلي من انهيار السلطة
فيما يرى المحلل السياسي الدكتور رائد نعيرات، أن التحضيرات الفلسطينية للتوجه للمحاكم الجنائية الدولية وضعت الفلسطينيين والإسرائيليين معا في مأزق كبير، لأنه باعتقاده ليس من مصلحة الاحتلال أن تنهار السلطة، وأن تتحول لمشروع سياسي.
وأوضح في حديثه لـ"
عربي21": "إسرائيل في معضلة، وهي الاختيار بين السيئ والأسوأ، فهي لا تريد أن تنفك السلطة مع قواعد العمل ضمن اتفاق أوسلو وتنهار، وبين تحولها لمشروع سياسي، بالرغم من التقديرات الأمريكية والتقييمات الأمنية لحكومة الاحتلال حول خطورة القادم".
وأضاف أن "الأطراف التي تضغط على السلطة وإسرائيل بخصوص التوجه للمحاكم الجنائية الدولية لا تملك إجابات سياسية للمستقبل، والسيناريوهات المرتقبة في حالة انهيار السلطة أو تغير شكل العلاقة بين السلطة وإسرائيل، وهي لا تملك برنامجا سياسيا لليوم الثاني من غياب السلطة، وهي تسعى لاستمرار تدفق المساعدات للسلطة لبقاء ديمومتها وضعا سياسيا".
وتابع بأن "إسرائيل تخشى رغبة السلطة التوجه للمحاكم الدولية من إنهاء الثنائية في العلاقة التي فرضتها قواعد اتفاق أوسلو، ومحاولة فرض العقلية الدولية في الصراع من خلال ما يمكن تسميته التدويل".
ونوه إلى أن هذا سيصعد الوضع، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على السلطة من أجل تأخير توجهها للمحاكم الدولية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وسد الذرائع أمام أي إجراءات عقابية عليها.
واعتبر نعيرات "المفارقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل موجودة حالية مع إدراك الاحتلال الإسرائيلي أن البديل عن السلطة غير متوفر حاليا، رغم أن الشارع الفلسطيني يتجه نحو الانفكاك من الاتفاقات السابقة".
استراتيجية اقتصادية جديدة
قال نائب رئيس الوزراء، وزير الاقتصاد الوطني، محمد مصطفى، الأحد، إن الحكومة تعمل على صياغة استراتيجية اقتصادية جديدة تجمع الفلسطينيين في كل مكان: الضفة وغزة وأراضي 48 والشتات، لبناء اقتصاد مستقل، وإعادة صياغة العلاقة في هذا المجال مع إسرائيل. وذلك في لقاء جمع في رام الله عشرات رجال الأعمال الفلسطينيين من الضفة وأراضي 48، في حلقة جديدة من مساعي تعزيز العلاقة الاقتصادية بين الجانبين.
وقال مصطفى: "نحن مقبلون على رؤية جديدة نحو اقتصاد قائم على السيادة والاستقلال، من أهم عناصرها ربط اقتصاد الدولة مع فلسطينيي 48 والشتات".
وأضاف: "لا بد من إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، بروتوكول باريس الناظم للعلاقة الاقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي ألغته هي بممارساتها، كإخراج غزة من هذه المنظومة، وبناء الجدار الفاصل، وغيرها من الممارسات، ولا بد من اتفاقية جديدة مع إسرائيل. كما تمردنا سياسيا بالذهاب إلى الأمم المتحدة، فإننا سنتمرد اقتصاديا بإعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل".
وعدّ مصطفى بروتوكول باريس الاقتصادي، الموقع بين منظمة التحرير وحكومة الاحتلال الإسرائيلي في العام 1994، "عبارة عن عقدين ضائعين من التنمية، ليس فقط لأن الاتفاقية غير متوازنة، وإنما أيضا لتعطيلها بسبب منظومة العراقيل الأمنية والسياسية التي فرضتها إسرائيل، بما أفضى في النهاية إلى أنهم أخذوا من الاتفاقية ما يريدون دون أن نأخذ في المقابل شيئا".
وأوضح أن هذه الاستراتيجية ترتكز إلى ثلاثة عناصر أسياسية، الأول إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي باتفاقية مختلفة تقوم على حرية التجارة، وتضمن التوازن معها والانفتاح على العالم، والثاني تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يدعم الإنتاج، والثالث برنامج استثماري فاعل.
وقال إن الاقتصاد الفلسطيني تراجع في جميع مؤشراته على مدى العشرين عاما الماضية منذ توقيع الاتفاقية، حيث لم ينمُ معدل دخل الفرد سوى 15% فقط.