(1) احتدم الجدل في بريطانيا خلال الأيام الماضية عن المسؤولية حول اضطراد تسرب
الشباب المسلم إلى سوريا للانضمام إلى الجماعات الإرهابية التي أكثرت في الأرض الفساد. فالآباء اتهموا الشرطة والسلطات الأمنية والمدارس بالتقصير في إيصال معلومات حيوية للأسر، وعدم متابعة الأطفال الفارين، أو إيقافهم في المطارات. بالمقابل، فإن الشرطة كررت بأن المسؤولية الأولى عن الأطفال تقف عند الأسر. وفي هذه الأثناء سارع آخرون لتأكيد أن المسؤولية تضامنية وجماعية.
(2) اكتسب هذا السجال أهمية متزايدة بعد أن تواترت حوادث تسرب الشباب، وتكثفت محاولاتهم في هذا السبيل. ففي هذا الأسبوع، اعترضت السلطات التركية تسعة بريطانيين، من بينهم امرأتان وأربعة أطفال، بعضهم في الثانية، وهم في طريقهم إلى العبور إلى سوريا. وفي نفس الوقت، منعت محكمة بريطانية مجموعة من الشباب من السفر للاشتباه بنيتهم السفر إلى مناطق
القتال. وتقدر الأمم المتحدة عدد المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بالقتال في سوريا بخمسة وعشرين ألفاً، منهم خمسمئة على الأقل من بريطانيا.
(3) معظم الشباب الذين يسافرون للقتال في سوريا من أبناء المسلمين، ولكن هناك روايات متزايدة عن شباب من ديانات أخرى ينتقلون للمشاركة في «جهاد» داعش والجماعات الأخرى. فقد روت البي بي سي حكاية الشاب الهندوسي (سيدهارتا دار) الذي تحول إلى الإسلام وفر مع أسرته إلى سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعد الإفراج عنه بكفالة. وفي هذا الشهر حكمت محكمة بريطانية على الفتى بروستوم زمياني، وهو فتى في السادسة عشرة أسلم حديثاً، بالسجن 22 عاماً بتهمة التخطيط لاغتيال جندي بريطاني.
(4) في المقابلات التي أجريت مع بعض هؤلاء الشباب، تباينت أهدافهم من الانضمام إلى هذه التنظيمات. بعضهم يقول إنه يريد أن يساعد في تحكيم القرآن على الأرض، بينما قال آخر إنه يريد الدفاع عن المسلمين، وأضاف ثالث إنه يريد تحرير بيت المقدس. معظمهم يردد دعاية القاعدة عن محاربة أمريكا وبريطانيا والدول الغربية بتهمة محاربة المسلمين، هذا بالرغم من أن أمريكا وبريطانيا تدعمان الثورة. ووعد أحد هؤلاء الشباب برفع راية داعش فوق البيت الأبيض.
(5) معظم هؤلاء الشباب لا يحسنون اللغة العربية، وبعضهم كما أسلفنا لم يسلم إلا حديثاً. ويبدو أن خطاب هذه الحركات المليء بالمبالغات والوعود الخيالية يستهويهم كما تستهوي الشباب أفلام الخيال العلمي. فليس هناك كبير اختلاف بين من يؤمن بأنه سيرفع راية داعش فوق البيت الأبيض، ومن يعتقد أنه إذا لبس بزة «سوبرمان» أو زي رواد الفضاء سيبدأ رحلة طويلة إلى كواكب أخرى.
(6) لعل من غرائب الأمور أن كثيراً من الشباب والأطفال من سوريا وما حولها يبذلون الغالي والنفيس، ويخاطرون بكل شيء على قوارب الموت للوصول إلى شواطئ الأمان في أوروبا بعد أن ضاقت بهم الحال في بلادهم، بينما يتجه شباب سيقت لهم الدنيا، ووجدوا الأمان والتعليم وطيب العيش، في الاتجاه الآخر. والأغرب أن أسر هؤلاء الفتية عانت الكثير حتى تصل إلى الغرب وتستقر وتبدأ بناء حياتها، ولكن الشباب لا يقدرون شيئاً من هذا، ويعتقدون أن الطريق الأقصر إلى الجنة هو الانضمام إلى جماعات القتل والفساد في الأرض.
(7) لو أن القضية كانت تستحق، والسراط مستقيماً، لكانت مثل هذه التضحيات مثاراً للإعجاب. فليس أفضل من بذل الغالي والنفيس، والتضحية في سبيل القضية العادلة ورضى الرحمن. ولكن الإشكال هو أن هذه المجموعات المغرر بها تقاد بالأوهام إلى مهالك الدين والدنيا، في إطار جماعات تقضي وقتها كله في العدوان على الأبرياء من المسلمين وغيرهم، ولا تنكأ العدو إلا قليلاً. وهي لن تفتح دمشق، فضلاً عن واشنطن، خاصة أنها تقاتل الثوار وتسرق منجزاتهم.
(8) البعض عزا مسارعة الشباب في بريطانيا وغيرها إلى الجماعات المتطرفة إلى التعليم الديني. بل إن أحدهم انتقد تعليم الأطفال عن الجنة والنار، لأن هذا قد يسيء إلى علاقاتهم مع غير المسلمين! ولا يوجد أي دليل على أن نشر تعاليم الإسلام بين النشء تقود إلى التطرف، أو تسيء إلى العلاقات بين الطوائف. فأصل التعددية الدينية هي أن كل فئة تزعم أنها على الحق وأن غيرها على الباطل، والكل يتفق على الاختلاف. ومن الواضح أن تعاليم الدين ليست هي ما يدفع الناس للالتحاق بداعش، وإلا لما بقي مسلم لم ينضم إليها.
(9) هذا لا يعفي من التقصي والتعمق فيما يدفع هذه الأعداد المتزايدة من الشباب للالتحاق بهذه الجماعات المفسدة للدين والدنيا. وهناك مسؤولية أساسية على الأسر لرعاية أبنائها ومتابعتهم، ومسؤولية أكبر على قيادات المسلمين ومنظماتهم لتطوير خطاب يبين الحق، وينزع الشرعية عن الإرهاب والإرهابيين.
(نقلا عن صحيفة القدس العربي)