خالية الوفاض هي أسواق
القدس المحتلة، تشكو شحا وعزوفا من المتسوقين، فيما يشكو تجارها خنقا إسرائيليا بإرغامهم على دفع جملة من
الضرائب المرهقة لخزينة الاحتلال، أو الاختيار بين إغلاق حوانيتهم والاعتقال.
فقد انتهج
الاحتلال الإسرائيلي سياسة "إعدام" الاقتصاد المقدسي وجعله تابعا، وأثقلت القوانين الإسرائيلية كاهل المقدسيين دون أن تمنحهم أي من الحقوق، وذلك بحسب مسؤولين ونشطاء مقدسيين.
يضيقون علينا
يشكو التاجر خالد الصاحب (53 عاما)، المقيم في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، من ضعف الحركة التجارية وعزوف المتسوقين عن الشراء بسبب أوضاعهم المالية المزرية.
ويقول لـ"عربي21": "الاحتلال يضيق علينا بكل الوسائل، ويسعى لمحو الهوية المقدسية بالاستيلاء على الأسواق والحوانيت التي تشكل جزءا من صورتها التاريخية والحضارية".
ويملك الصاحب حانوتا لبيع الملابس ورثه عن أجداده، ويعمل فيه منذ 18 عاما خلت، ويؤكد أنه رغم قسوة ممارسات الاحتلال وركود الحركة التجارية وانهيار بعض الأسواق وإغلاقها، كـ"سوق اللحامين"، إلا أنه سيحافظ على وجوده بالقدس أملا في النهوض بها من جديد والعودة لسابق عهدها.
ويؤكد الصاحب، في حديثه لـ"عربي21"، أن "صمود التاجر المقدسي هو بمثابة مسمار لتثبيت الوجود العربي وحفظ الإرث التاريخي للمدينة".
ولا يختلف عن "الصاحب" التاجر خالد تفاحة (45 عاما)، الذي يملك محلا لبيع التحف والهدايا، حيث يبين لـ"عربي21" أن القدس "تعاني من ركود غير مسبوق، ولا أحد يدعم صمودنا" حسب تعبيره.
إغراق التجار
بدوره، أكد الناشط والباحث المقدسي فخري أبو دياب أن "إعدام الحياة الاقتصادية في القدس، وإغراق التجار بالضرائب، أحد المسارات التي تنتهجها إسرائيل لتهويد المدينة وإفراغها من سكانها الأصليين".
وأضاف لـ"عربي21": "الاحتلال سيطر على الحياة الاقتصادية في مدينة القدس المحتلة، ومنع التعامل التجاري بين القدس والضفة الغربية بسبب جدار الفصل العنصري"، حيث منع الاحتلال تواصل أهل الضفة مع القدس، وعزل كثيرا من التجمعات السكانية عن قلب المدينة المقدسة بسبب الجدار.
وحسب دياب، فإن الاحتلال يفرض جملة من الضرائب على المقدسيين تجعلهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية، وتفضي بهم لبيع ممتلكاتهم أو إغلاق حوانيتهم والهجرة من أجل العمل، موضحا أن قيمة الضرائب التي يدفعها التجار تقدر بـ35 في المئة من قيمة مدخولاتهم.
وأفاد دياب بأن قيمة الضرائب المتراكمة على المقدسيين بحسب دائرة الأجرة الإسرائيلية حتى نهاية عام 2014، تبلغ حوالي 856 مليون شيكل (الدولار= 3.9 شيكل).
فريسة الاعتقال
وأوضح دياب أن عدم قدرة التجار على دفع الضرائب للاحتلال يجعلهم فريسة للاعتقال، حيث بلغ عدد المعتقلين من التجار منذ بداية عام 2015 وحتى الآن قرابة 74 تاجرا مقدسيا، فيما يتهدد الإغلاق 57 محلا تجاريا في القدس.
من جانبه، قال مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، زياد الحموري، إن "إثقال كاهل التجار المقدسيين بالضرائب وحرمانهم من تطوير حوانيتهم، ومنع غالبية التجار الجدد من الحصول على تراخيص لبناء مشاريعهم الاقتصادية، يأتي في إطار السياسة الإسرائيلية القاضية بخنق المقدسيين والتضييق عليهم من أجل إفراغ المدينة وإعدام اقتصادها".
وأشار الحموري، في حديث لـ"عربي21"، إلى إحصائية أعدها المركز، حيث تم إغلاق أكثر من 250 حانوتا في البلدة القديمة في القدس المحتلة، نتيجة عدم تمكن أصحابها من دفع الضرائب المفروضة عليهم من قبل الاحتلال. وحذر الحموي من أنه هناك "حوانيت أخرى على وشك الانهيار"، وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 1987 و2015.
وفي ذات السياق، يرى مدير جمعية التجار المقدسيين حسن الحروب، في حديث لـ"عربي21"، أن "الاقتصاد عماد الصمود في القدس، وهو المحرك الأساسي لإنعاش حياة المقدسيين وإخراجهم من بوتقة الفقر التي تجاوزت الـ80 في المئة".
فرص كبيرة
ودعا الحروب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48 للتسوق من القدس، من أجل دعم صمودها، موضحا أن الاحتلال يعمد إلى تحريض المرشدين السياحيين على تجنب أسواق البلدة القديمة، ودفعهم لأسواق اليهود في الشطر الغربي من القدس المحتلة.
من جهته، أكد مدير الغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس، فادي الهدمي، أهمية "جلب استثمارات عربية وإسلامية إلى القدس، بما يحقق القيمة التنافسية مع الخدمات التي تقدمها مرافق اليهود في الشطر الغربي منها".
وقال لـ"عربي21": "برغم سوداوية الصورة الاقتصادية في مدينة القدس نتيجة ممارسات الاحتلال، إلا أن هناك فرصا كبيرة جدا للاستثمار في المدينة في ظل تاريخيها الحضاري العريق"، لافتا إلى ضرورة إيجاد مشاريع تحقق للقدس "حالة من الإنعاش".
وأوضح الهدمي أن هناك فرضا "كبيرة في مجالات الإسكان والتعليم والقطاع الفندقي، وهذا يتطلب إرادة صلبة وقرار سياسي حازم بدعم صمود المدينة"، وفق قوله.