بدت كفضيحة "المطاهر يوم خروجه على المعاش"، والأستاذ عبد الفتاح
السيسي يستقبل الأثيوبيين العائدين من ليبيا الذين قيل إن الجيش المصري حررهم من "
داعش"، ليتبين بعد سويعات قليلة أننا أمام عملية نصب منخفضة المستوى، وتؤكد أننا أمام ممثل يفتقد لمهارات التمثيل، وأمام سلطة شاخت مبكرا!.
لا أعتقد أنني بحاجة، لشرح معنى
فضيحة "المطاهر يوم خروجه على المعاش"، لغير
المصريين، ذلك بأنها فضيحة كبرى، وإذا كانت الدراما المصرية في مرحلة ازدهارها نجحت في أن تنتقل بالعامية المصرية، لكي تكون معروفة لدى العرب العاربة والمستعربة، فإن هذا المثل الذي يتحدث عن هذا المستوى من الفضائح، أسرف الفنان فؤاد المهندس في ذكره في أحد مسرحياته، كما أن هناك أغنية وردت في أحد الأفلام تقول: "يا أم المطاهر رشي الملح سبع رشات"!.
"المطاهر" هو "المختون"، وقد جرى عرفا أن الختان يتم للإنسان في مرحلة الطفولة، هذا إن لم يتم لحظة ولادته. ولاشك أن الشخص الذي يتأخر ختانه ليوم خروجه على التقاعد الوظيفي بعد بلوغه الستين من عمره، سيمثل هذا الفعل له فضيحة عند من يعرف به.
الفضيحة وقعت، وكان بطلها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ومع ذلك فإنه لم يستشعر الحرج، وهو يُدخل على الرأي العام الغش والتدليس، فيعتذر، أو تعتذر الرئاسة بالنيابة عنه، وإنما ترك الأحداث ينسي بعضها بعضا، على نحو كاشف بأنه عندما ارتكب فعلته، كان يدري ماذا يفعل، وكان في إدخاله الغش على الناس يفعل هذا مع سبق الإصرار والترصد، وهو أمر يخل بمنصب الرئيس، فإذا تجاوزنا عن كون المذكور مغتصبا للسلطة، فإن ما جرى يهبط بمقام الرئاسة، ليصبح في قامة شاغل القصر الرئاسي الآن!.
أصل الحكاية، أننا استيقظنا ذات صباح في الأسبوع الماضي على زفة كبرى، تتمثل في أن الجيش المصري حرر ثلاثين أثيوبيا من قبضة مسلحين في ليبيا من المؤكد أنهم ينتمون لتنظيم "داعش"، وبشكل يمثل انتصارا كبيرا، استدعى من عبد الفتاح السيسي أن يحتفل بهذا الانتصار بنفسه، فذهب للمطار لاستقبال هؤلاء الذين مثلت عودتهم انتصاراً للجيش المصري، على جيش أبو بكر البغدادي.
وقد أقام أنصار قائد الانقلاب "زفة"، ونصبوا "فرح العمدة" لهذا الانتصار الكبير الذي لا يقل عن انتصار الجيش المصري في السادس من أكتوبر على الجيش الإسرائيلي. وأشادوا بالسيسي وكأنه من رسم خطة الحرب لتحرير الرهائن الأثيوبيين، وأكد العظمة عندما يكون الرئيس عسكريا.
ومن المعروف أنه وكما قال الأديب علاء الأسواني أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور الذي لم يحقق سوى نصراً واحداً في حياته وفي كونه المسؤول عن الانتصارات التي حققتها قوات الحلفاء، في حين أن السيسي له انتصارات عظيمة تبدأ بمشاركته في حرب العصافير ولم تنته بهزيمته لداعش وتحرير الرهائن الأثيوبيين!.
ولأن أنصار قائد الانقلاب، يبحثون عن انتصار ولو في "مقلب قمامة"، فقد اعتبروا عملية التحرير والاستقبال، هي "ضربة معلم"، لأن الأثيوبيين لن ينسوا هذا الجميل أبدا للجيش المصري وقائده، وعليه فلن يكونوا متشددين عندما يتم البدء في توقيع اتفاق حول سد النهضة.
لم يكد "المولد" المنصوب في مطار القاهرة ينفض، حتى وقف المصريون على الفضيحة الكبرى التي أسس لها قائد الانقلاب، والتي لو وقعت من رئيس منتخب لقضت على مستقبله السياسي، ولقدم للمحاكمة أمام البرلمان المنتخب، ولخرج من القصر للشوارع يزفه الصبية، ويجعلونه ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الذي تبين أن الأثيوبيين لم يكونوا لدى "داعش"، وإنما كانوا لدى حكومة حفتر، وفي قبضة جهاز الهجرة غير الشرعية، وأنهم قضوا في السجن عدة شهور، وكان معهم مصريون، لم يسأل عنهم أحد، ولم يعمل عبد الفتاح السيسي على إخراجهم من سجنهم وعودتهم لبلدهم.
كما أن مصر لم يكن لها دور يُذكر في عملية إخلاء سبيل القوم، فباعتبار وزير الخارجية الأثيوبي أنه علم بأمرهم من خلال رسالة وصلته من أحدهم، فبدأ محاولة جلبهم من خلال اتصالات مع السفير الليبي في أثيوبيا، ولم يكن لمصر أي دور في هذا الأمر.
وعليه فإن الجيش المصري لم يقم بتحرير الأثيوبيين، ولم تكن مصر سوى ممرا عاديا لهؤلاء في طريقهم لبلادهم، فقد جاءوا إلى مطار برج العرب في الإسكندرية ومنه إلى مطار القاهرة، قبل أن يلتقيهم السيسي، ويذكرهم أننا نشرب مياهاً مشتركة، لتأكيد أواصر العلاقة بين البلدين، وللتدليل على أن ما فعلته مصر كان واجباً تجاه أخوة، وليس جميلاً يتبعه أذى!.
ومن مطار القاهرة غادر الأثيوبيون إلى بلادهم، وإذا كان أحدهم رفض مصافحة السيسي، فربما كان زملاؤه في ذهول من استقبال رئيس بلد لهم وحرصه على أن يخطب فيهم وتلتقط له الصور معهم، ولم يكونوا يعلمون أن الرجل يؤدي دورا في عمل سينمائي، ينتمي لسينما المقاولات!.
والدهشة سيكون مثارها، أن مصر لم يكن لها ناقة ولا جمل في الموضوع، فقد خرجوا بمفاوضات أثيوبية، وبتذاكر سفر دفعت قيمتها حكومة بلادهم، وكل دور مصر في الموضوع أن المسمى رئيساً لها وجد عنده وقت فراغ فخطب فيهم!.
اللافت، أن مصر كانت كالسودان، ليست أكثر من "ممر"، وإذا كان قد مر منها ثلاثون أثيوبيا بعد ترحيلهم، فقد مر عشرة أشخاص من السودان، ولم يستقبلهم الرئيس عمر البشير، ولم يخطب فيهم، ولم يذكرهم بأنه يجمعهم مع السودانيين نهر النيل!.
في أثيوبيا، لم يتم توجيه الشكر لمصر، على دور لم تقم به، وإنما ما ذكر كان الحقيقة الكاشفة عن أن سلطة الانقلاب مارست الكذب المفضوح، ليتحول ما فعلته إلى فضيحة من العيار الثقيل يتغنى بها الركبان!.
من الواضح، أن عبد الفتاح السيسي الفاشل في البر والبحر، كان يبحث عن انتصار ولو وهمي، يمكنه به أن يسوق لنفسه، وهو لم يعد لديه ما يقدمه، وبشكل دفع حلفاءه للدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة للتخلص منه، قبل أن تنتصر الثورة فلا تبقي منهم ولا تذر!.
بيد أن الغريب هنا أنه وفي كل مرة يسعى فيها لكسب انتصار وهمي، يتحول النصر إلى فضيحة مدوية، بعد ساعات قليلة، وكأن المولى عز وجل استجاب لدعوة عبد صالح بألا يستره الله أبدا.
لقد هبط السيسي بمصر من بلد إلى سيرك، فكيف ننتظر من الأثيوبيين أن ينزلونا منزلتنا والمسمى رئيسا أوشك أن يغير اسمه إلى عبد الفتاح "الحلو" نسبة لمحاسن "الحلو" مدير السيرك القومي.
يا له من إنسان بائس!
[email protected]