"قبل أن يعرف السوريون كلهم الخيمة، نحن أهالي
الحسكة سكنا بالخيام، وليتها بجودة الخيام الآن"، هكذا يتحدث إبراهيم الحبش، وهو من أهالي منطقة جبل عبد العزيز في ريف الحسكة، لـ"
عربي21"، واصفا الفقر الشديد الذي يعانيه سكان المنطقة.
ويتذكر الحبش تلك الخيام التي كانوا يستخدمونها، فقد "كانت مصنوعة من أكياس الأسمدة الفارغة، وامتدت من ريف دمشق، وإلى حمص، ودرعا، وطرطوس، ولبنان، حتى نستطيع أن نؤمن لقمة عيشنا".
كان الحبش قد وصل إلى الأراضي التركية للتو، هاربا من التهجير الذي فرضته المليشيات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، تحت ذريعة أن الأهالي من أبناء القرى، التي سيطرت عليها القوات الكردية مؤخرا في الريف الغربي لجبل عبد العزيز، يدعمون
تنظيم الدولة، عنما كانت تلك القرى تحت سيطرة التنظيم.
ووفق الحبش، فإن ما يزيد عن 150 ألف شخص من عرب الريف الغربي لجبل عبد العزيز، تم تهجيرهم من قراهم مؤخرا، بعد أن منعت عنهم مياه الشرب التي يؤمنها نبع ماء مفلوجة، وهو النبع الوحيد في المنطقة، مبينا أن
وحدات الحماية الشعبية الكردية، التابعة للحزب، تحاول تغيير ديموغرافية المنطقة من خلال التهجير القسري.
وبحسب الحبش، فإن الوحدات الكردية لم تكتف بالتهجير، بل امتدت يدها لتدمر المنازل، بعد نهب محتوياتها، وأورد مثالا على ذلك قرية الرزازة، المؤلفة من حوالي 100 منزل، مؤكدا أن تلك القرية سويت بالأرض، فضلا عن نهب المعدات الزراعية في حقول القرية المجاورة.
وشدد الحبش على أن أهالي القرية هم مزارعون، ولا ينتمون للتنظيم، مشيرا إلى أن أغلب رجال الريف الغربي لجبل عبد العزيز مقيمون في لبنان للعمل.
بدوره، يرى أحد أعضاء شباب الحسكة، أن أهالي المنطقة هم ضحايا للصراعات الإيديولوجية التي يفرضها كل طرف يسيطر على الأرض، وبالتالي فإن الأهالي هم ضحية طموح الأطراف المتصارعة، الممثلة الوحدات الكردية والنظام من جهة، وتنظيم الدولة من جهة ثانية.
وقال عضو شباب الحسكة الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"
عربي21": "يتصف الأهالي بالطيبة، ولذلك هم يتأقلمون مباشرة مع أي طرف مسيطر، لكن المشكلة في الأطراف المسيطرة والسياسات التي تفرضها على الأهالي، حيث يقوم الطرف الجديد الذي يسيطر على المنطقة بمحاسبة الأهالي على أخطاء لم يرتكبوها بالمطلق، بل كانت قوانين مفروضة عليهم".
ويتابع: "على سبيل المثال تنظر مليشيات الاتحاد الديمقراطي إلى العرب الذي يقطنون مناطق سيطرة التنظيم على أنهم عناصر للتنظيم، ويجب التخلص منهم، ولذلك وبمجرد التقدم للمليشيات الكردية بمساعدة طيران التحالف، يكون مصير الأهالي العرب التهجير".
وعن اختلاف نمط الحياة باختلاف الطرف المسيطر، يقول لـ"
عربي21": "في حال سيطرة التنظيم على قرية، فإنه يجبر الجميع على الالتزام الديني الكامل، وغير المعتاد عليه من أهل المنطقة. وفي حال سيطرة المليشيات الكردية فحينها يصبح العكس، أي حينها يجب على الجميع الابتعاد عن أي ممارسة دينية من صلاة وغيرها".
ويضيف: "هناك طرف أعتبره الطرف الرابح والمستفيد الأكبر، هو النظام الذي يتقاسم السيطرة على مدينة الحسكة مع
الأكراد، والذي يسمح للجميع بممارسة ما يحلو له لكن ضمن ضوابط دينية موضوعة سابقا، تؤمنها الطريقة الصوفية التي تلقى استحسان النظام والأهالي على حد سواء، ولكن لا بأس ببعض الممارسات القمعية بين الفينة والأخرى، من اعتقال وما شابه".
التحالف الدولي
ولم تتوقف طائرات التحالف طوال الشهر الماضي عن استهداف القرى ومواقع تنظيم الدولة في جبل عبد العزيز، بيد أن هذه الغارات كانت مسؤولة عن ارتكاب مجازر بحق المدنيين، حيث راح ثلاثة شبان إلى جانب طفلة لم تتجاوز الثلاث سنوات في قرية "أبو الشاخات" في ريف رأس العين، ضحايا جراء إحدى الغارات، وذلك بتاريخ 24 أيار/ مايو.
ووفق مصادر محلية؛ فإن القرية خالية من أي تواجد عسكري لتنظيم الدولة، كما أنها تبعد حوالي 15 كم عن خطوط المواجهات.
ونتيجة لذلك، اعتبر الناشط الإعلامي سراج الدين الحسكاوي، أن التحالف يزيد من مأساة الأهالي، لأنه ونتيجة لتلك الضربات يتضاعف حجم انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة على أساس عرقي، من قبل الوحدات الكردية بحق العرب من أبناء تلك المنطقة.
ويبدو سراج متذمرا حين يؤكد أن لقمة العيش هي الشغل الشاغل للأهالي، في محافظة تجمع بين متناقضين: سلة الغذاء والنفط السورية، والمحافظة الأكثر فقرا على المستوى السوري أيضا.