تعودنا كأقباط أن نواجه المشاكل والصعوبات بالصوم والدخول في حالة من الصلاة والمناجاة لرب الكون لرفع الأزمات وشاعت فترات الصوم الاستثنائية والتي أعلنت مثلا من الكنيسة في مواجهة الأزمات
الطائفية ومنها مثلا أحداث الخانكه والكوشح وغيرها من الحوادث المؤلمة والتي قاست فيها أسر وفقدت أحباء ولم يقدم لهم أحد يد العون لا الدولة ولا غيرها من المؤسسات وراحت الكنيسة تعلن الصوم حتى تنزل الحلول من السماء.
ودائما كان يتغلغل داخل الصدور ويتنامى الشعور بالخوف وعدم الحماية ويقابله المزيد من التقوقع والانكفاء الذاتي لأنك ببساطه تدرك كضحية أن وقت الأزمات لن تجد أي نوع من أنواع الحماية أو المساندة وبيئة الاضطهاد والتنكيل التي لم تستثنى أحدا تخلق أنماط سلوكيه تتسم بعدم الثقه والتوجس من الغير وعدم الإقدام الذي يصل إلى حد الجبن المكبل والميل إلى البعد عن المجتمع بل والشعور العميق بعدم العدالة والمظلومية المرضية كل تلك المشاعر والإحباطات تخلق نمط سلوكى لقاطن إقليم أو مقيم بعيدا عن فكرة المواطن كامل الأهلية إنسان إستثنائي بسلوك مضطرب.
ويكون المقيم الإستثنائي كائن غريب على أرضه يمشى جنب الحيط كما باللهجه
المصرية ويصير النمط السلوكي الخائف والاستثنائي خبرا أو مبتدأ فاعلا أو مفعول به أداة طيعة ومسالمة وضعيفة تلتقطها أيادي سلطوية طائفيه ترسم بها وتخطط الملعب للعبة فردية لا تعرف ملاعبها ولا تعترف إلا بلاعب وحيد عادة يكون صاحب السيف أو الدبابة الذي يحترف منطق القوة ولديه أدواته في إدارة المشهد الطائفي التعيس.
وفي كل زمان تستطيع أن تسمع على وقع أغنية صورة للراحل عبد الحليم حافظ أصوات طائفة المطبلطية وفي زمنا أضحت لأنصاف المواهب تتغنى للسيوف وممسكيها وغوغائية الصوت العالي تشتت انتباهك عن جرائم سرقة يومك وتدمير غدك ومدعي القومية ومدعى الليبرالية ومدعي الإسلامية كل يطلق شعاراته الممجوجه والخاوية عن حماية الدولة وإن كان الثمن أن ينزح أهلها أو يتم تهجيرهم قسريا فهم الدولة والدولة هم وفي فلك صاحب السلطة تدور دوائرهم وتعلو أصواتهم لينعم النظام وتستقر أقدامه على جثث هؤلاء الغرباء في أراضيهم وأوطانهم ليكرس الجميع نظاما فرديا ولا عزاء لمفهوم الدولة التي غربت شمسها من عقود مع أيام الضباب وسحب التضليل ووأمطار الفساد وعواصفه.
وراح المقيم التعيس يفقد الأمل أنه سينال درجة مواطن في فضاء أصم غير قابل لنقل صدى صوته لأناس يملكون الأقفاص الزجاجيه لحجب كل صوت وغلق كل فضاء حر.
ويعيش المقيم في حالة غربة ونزوح دائم فبداية من النزوح من المجال العام ليترك المقيمين بالملايين هذا الفضاء العام ليتصدره في عرضه المكرر منذ 1952 الزعيم الملهم والقائد الأوحد والممثل الوحيد على خشبة المسرح ذلك السوبرمان المدعى الانتصار في معركة الفتك بالثورة ومعركة تأصيل الطائفية البغيضه وتقسيم المقسم.
ويوميا يلوح الطبيب الشافي الذى يفهم في كل شيء بداية من الشفاء بجهاز الكوفتة وحتى استخدام الطالع بصولجانه لتصدر أحكام الإعدام بالجملة على جملة من المقيمين التعساء في محاكمة الديمقراطية أو مقبرة الديمقراطية ليدهشك بقدراته التي تجعل الكل في واحد قدرات الساحر التي تزيل كل الفواصل بين المؤسسات وتقنعك شخصيا ومن معك من المواطنين ناقصي الأهلية أنه لا ضرورة لبرلمانات أو استقلال لسلطات.
فالزعيم الطائفي بصفته ممثلا حزبيا لمؤسسته وعشيرته والراعي الرسمي لمصالحها يدرك بعد التقسيم الطائفي للمشهد المصري أنه قادر أن يدير المشهد ولديه مفاتيح الطوائف الأخرى كل على حده ولن يجرؤ منبر إعلامي أو أداة إعلامية أن تبادر لتتحدث بصوت الضحيه أو تترجم مآسيها.
فعلى سبيل المثال من استطاع أن يتحدث عن إهمال الأجهزة لهذا النظام و بترجمة أصوات الأقباط وذويهم ممن تم خطفهم في ليبيا وقتلهم في مشهد رهيب ظلامي ألم يكن من حق هؤلاء وذويهم أن تتصدر أصواتهم تلك الشاشات التي تستضيف الرموز والشخصيات الأمنيه ليلا ونهارا وخاصة ممن يعرف عنهم تاريخهم الأسود في جرائم القتل والتعذيب التي يفلت منها هؤلاء بلا عقاب بل ويصبحون نجوما للفضائيات.
ومن المضحك المبكي أن تجد الجناة في قضايا التعذيب والقتل مكرمين في الفضائيات المصرية بل و نجوما في سماء سوداء ظلامية لانعدام العدالة والإفلات من العقاب وبالتالي ليس من المستعجب أن تجد صورة (جولدا مائير) في معرض نساء رائدات لتكرم السيدة التي قالت: "كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلًا فلسطينيًا واحدًا على قيد الحياة- كل هؤلاء بدلا من وضع أسماؤهم في لوحة المطلوبين للجرائم ضد الإنسانية وجرائم التعذيب التي لا تسقط بالتقادم يتم تكريمهم اليوم في بيئة الاستبداد لكسر روح الثورة وروح المقاومة لنعود جميعا إلى أماكن النزوح والغربة داخل الوطن وتظل سيمفونية هؤلاء القتله أنتم مدعوون كمواطنين شرفاء للتحمل للمحافظة على الدولة".
ولا عجب أن تجد أحد ضحايا التهجير القسرى في محافظة بنى سويف بصعيد مصر في مجلس عرفي بعيدا عن أي معنى لوجود دولة أو قانون تجده راضيا بالنزوح من قريته حتى وإن كان شخصيا لا يعرف لماذا تم إبعاده قسريا هو وأسرته في عقاب جماعي ليس له منطق.
تتجرع مئات الأسر المهجرة في بني سويف ومدينة رفح الألم والمعاناة ويصمت الجميع ولا يتحدث أحد عن تلك المآسى للعائلات أطفاء ونساء وكبار سن ممن فقدوا كل شيئ في لحظة عقاب جماعي وغياب للدولة والحماية.
ماذا فعلت لهم الدولة والتي عادة ما يخشى الضحايا أن يتحدثون عن تقصيرها وتغول أجهزتها الأمنية على الإنسان وغيابها عن حمايته حفاظا على الدولة وتلك الدولة لا توجد على أرض واقعهم الكارثي فقط موقعها في عقول هؤلاء ممن بليت أرواحهم وقلوبهم وعقولهم منذ الصغر بعقدة ستكوهولهم ليحفظوا عن ظهر قلب أن التحدث عن تلك الأمور والجرائم المخزية هي جريمة خيانة للوطن وتظل الضحية ملتصقة بالجلاد.
فالحديث عن التعامل المخزى لأجهزة الأمن وتقصيرها في حماية المواطن من وجهة نظر هؤلاء المرضى الضحايا هي خيانه وتهديد للأمن القومي الذى يتشكل مفهومه وفقا لهوى من يتربع على كرسى السلطة ويتخيل هذا النوع من الحكام أن ذاكرة الشعب ذاكرة سمكه لا تقوى على تخزين السنوات العجاف وقد تنسى وتتناسى تلك الذاكرة خوفا أو ذلا أو قهرا كل جرائم تلك الأجهزة و التي لا تسقط بالتقادم.
وإن خرج صوت ينادى بسن قانون لمناهضة التعذيب يتم ترهيبه واستدعائه للتحقيق كما حدث مع المحامي الأستاذ نجاد البرعي وقاضيين ممن تجرؤا على التفكير في معاقبة هؤلاء التنفيذيين وخاصة فيما يتعلق بمسؤولية مأمور السجن أو نائبه عن جرائم التعذيب وغاب عن ذهن المحامي الشهير أن الجناة في كل جرائم التعذيب الشهيرة هم نجوم الفضائيات الآن تحت مسمى خبراء التحليل الأمني ولكن أبدا لن يغفر هذا الشعب ولن ينسى ولن تتقادم تلك الجرائم.
ولكن وإن كنا لا نملك ذاكرة قوية أو ذاكرة إعلامية محايدة ومهنية بالقدر الكافي والمستقل ولكننا لن ننسى مثلا ما كشفه المقدم محمود محمد عبد النبي الضابط بمديرية أمن المنيا وعضو مجلس ائتلاف "ضباط لكن شرفاء" أسرار خطيرة عن جهاز مباحث أمن الدولة، وعن علاقته بالكثير من المذابح وعمليات القتل والاغتيال التي حدثت في مصر، وقال إن جهاز مباحث أمن الدولة هو الذي نفذ مذبحة كنيسة القديسين بالأسكندرية يوم 1/1/2011، وهو الذي خطف و قتل الصحفى رضا هلال نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، وقال المقدم محمود إنه تعرض لتهديدات ومحاولات لقتله من جهاز أمن الدولة بسبب المعلومات التي يعرفها لإرهابه ومنعه من الكلام .. وقالت جريدة الوفد إن المقدم محمود محمد عبد النبى قد يتم قتله عقب نشر هذه التصريحات في الجريدة ( جريدة الوفد في 21/7/2011 ).
واليوم وبعد سنة من الحكم الطائفي الذى فشل في تحسن بيئة المواطن أمنيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا بل زاد الطين بلة بتقسيم طائفي ليضعف الدولة ويهترئ به مجتمعها ويتغول لتقسيم فسيفسائها ونسيجها المتعدد وباستخدام المؤسسات الدينية لتعميق الطائفية وتسخير أجهزة الدولة لتكميم الأفواه المظلومة بدعوى المحافظة على الدولة وكما جاء كشف الحساب كاشفا كالتقرير الصادر من منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات ليفضح كل تلك الإنتهاكات الصادمة وتكون تلك التقارير الكاشفة نواقيس إنذار للمجتمع الداخلي والمجتمع الدولي القانوني حتى يدرك الجميع طبيعة وإرادة السلطة في تغريب الإنسان المصري داخل وطنه ليظل نازحا مريضا منكفئا على ذاته.
وبدلا من تنظيف الجروح للتشافي تنعقد المجالس العرفيه من جديد في غيبة دولة أو وطن ليعود هذا المواطن بدرجة مقيم للتقوقع من جديد في الوضع الجنينى ولينزح قسريا عرفيا أو إراديا داخل وطنه إلى منطقة حدود غربة الوطن ومن لم يروقه النزوح داخليا فعليه بالهجرة خارج حدود هذا الوطن وترك الوطن سريعا كتوصية أحد الإعلاميين المتصدرين للمشهد.
وبالتالي يستطيع المواطن بدرجة نازح أن ينزح داخليا بعيدا عن المجال العام أو يهرب خارجيا بالسفر أو اللجوء ولكن بالطبع سيظل ممنوعا عليه فضح كل تلك المظاهر الفجه للظلم والظالمين حتى يحافظ على الدولة.
ومع قدوم شهر
رمضان المبارك وما يحمله لنا جميعا من ذكريات محفورة في قلوبنا وعقولنا وتشكل جزاءا من وجداننا وتراثنا الإنساني.
هل نستطيع أن نعمق من شعور المسؤولية الوطنية ونسعد جميعا بوعي إنساني قادر أن يتجاوز كل خطايا الطائفية البغيضة التي أرادت تلك الأنظمة الاستبدادية وعلى مدار أكثر من 70 عام أن تستخدمها لإضعاف مقاومة المجتمع وفقدانه إيمانه بمبادئ الديمقراطية واستحقاقاتها.
هل لنا وبعد كل تلك المعاناة المزيد من الوعي الإنساني القادر أن يؤمن ويتمسك بالحقوق الأساسية ويدافع عنها ويصوم عن جرم قبول أي انتهاك لأي إنسان أيا كان.
ليتماسك المجتمع من جديد وبنفض عنه فزاعات تلك الأنظمة الطائفية ليصبح المجتمع المدني القوة القادرة على تشكيل الدولة والوطن الذى يسع الجميع وتبدع فيه الأقليه وتستطيع أن تمثل نفسها وتعبر بحرية عن قضاياها واختلافها في ظل قانون نافذ على الجميع ويحمى الجميع أقلية وأغلبية.
وطن بطعم الكرامة ولا ينزح منه المواطن أو يهجره بل يشتاق الجميع لبنائه وطنا عادلا قويا لدولة مواطنة نعيش فيها جميعا بدرجة مواطن لا بدرجة نازح.
كل عام ونحن جميعا بخير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وأدعوا الجميع أقباط ومسلمين للصوم بقلب وروح واحدة للدفاع عن قضية وطن يكون بكم جميعا أو لا يكون.