نشرت صحيفة لوريون لوجور، الناطقة باللغة الفرنسية، حوارا صحفيا، مع الباحث في مركز كارنجي للدراسات بموسكو، "نيكولا كوزانوف"، تناولت فيه مسألة قلق العاصمة الروسية إزاء العدد المتزايد من الروس الملتحقين بالتنظيمات المسلحة في
سوريا من ناحية، وتنامي عدد المقاتلين الأجانب وخاصة منهم أصيلي جنوب منطقة
القوقاز وآسيا الوسطى من ناحية أخرى؛ خاصة وأن دوافع انضمامهم مختلفة عن القادمين من بقية أنحاء العالم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن معظم هؤلاء المقاتلين يذهبون إلى ساحات القتال في سوريا، على أمل العودة لأوطانهم وإحداث "التغيير" فيها، علاوة على أن الوحدة التي تجمع المقاتلين الروس هناك تمثل خطرا على موسكو، خاصة وأن دوافع انضمامهم للتنظيمات المسلحة لا تتعلق بالقضية السورية بقدر ما هي محض "تدريب" استعدادا للعودة إلى الوطن.
كما ذكرت أن عدد المقاتلين من شمال القوقاز من الناطقين باللغة الروسية، والروس والشيشان القادمين من جورجيا، والأتراك، والأوروبيين، قد شهد ارتفاعا ضخما، حيث بلغ قرابة الألفين سنة 2015، مقابل ما بين 200 و250 منذ سنتين، موزعين على عدة تنظيمات مسلحة أبرزها؛
تنظيم الدولة وجبهة النصرة في كل من سوريا والعراق.
أما المسلحون المتطوعون من شمال منطقة القوقاز ودول آسيا الوسطى التابعة لما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي، فقد أفادت الصحيفة أن عددهم قد فاق بالفعل الألف شخص سنة 2015، منهم 500 أوزباكستانيا و360 من التركمان و190 طاجيكيا، مقابل 100 قيرغيزستاني، في سوريا وحدها.
وفي حديثه عن الدوافع التي شجعت كل هؤلاء على الانضمام للتنظيمات المسلحة، يقول الخبير الروسي نيكولا كوزانوف؛ إنها متنوعة بين الهروب من واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي مليء بالمشكلات، وبين دوافع شخصية معقدة، فضلا عن أن هذه التنظيمات منحت لأشخاص عاديين فرصة البروز، عبر تسلق سلم المراتب العسكرية والإدارية صلبها، ولبت الرغبة الرومانسية الكامنة لدى العديد منهم في تغيير العالم وخلق مجتمع جديد يحمي المضطهدين".
وأضاف كوزانوف للصحيفة؛ أن قلق موسكو يتعلق بالمقاتلين الروس خاصة، حيث أنهم حاضرون بقوة في صفوف كل من جبهة النصرة ومنافسها تنظيم الدولة، حيث ثبتت نجاعتهم وقوتهم إلى درجة تشكيلهم مجموعات خاصة بهم.
كما نقلت الصحيفة عن الخبراء الأمنيين الروس "أن دوافع هذه الفئة من المسلحين لا تتعلق بتاتا بإيمانهم بقضية أي من التنظيمين المذكورين أعلاه؛ فهذه المواجهة ليست سوى إعدادا لمعركتهم الخاصة، والتي ينوون شنها بمجرد عودتهم إلى
روسيا".
وذكر الخبير الروسي للصحيفة أنه قد تم العثور في سنة 2013 على كتابات على جدران مبان مدمرة في سوريا، خُطَّت فيها عبارات من قبيل "الموت لروسيا"، "اليوم سوريا وغدا روسيا"، علاوة على توعد القيادي الجورجي بتنظيم الدولة أبو عمر الشيشاني، بتحرير القوقاز. وكان هذا التهديد قد صدر سنة 2014؛، في الفترة ذاتها التي عثرت فيها السلطات الروسية على أدلة متعلقة بالمقاتلين المتواجدين في سوريا، أثناء التحقيق في الهجمات المسلحة التي طالت غروزني.
وتبعا لذلك، يرى نيكولا كوزانوف أن سوريا والعراق قد أصبحتا فضاء يتجمع فيه المسلحون من أصول روسية، ليتمكنوا من إعادة تنظيم صفوفهم التي تم تشتيتها سابقا، وتشكيل جماعات ذات اتصالات وثيقة بالتنظيمات المسلحة العالمية والجهات الممولة، بعد أن أصبحوا جزء من الشبكة العالمية للتنظيمات المسلحة.
كما قالت الصحيفة، نقلا عن الباحث الروسي، أن من شأن تجربة المقاتلين في سوريا أن تمكنهم من تشكيل جبهة موحدة مكونة من مقاتلين ذوي جنسيات مختلفة من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وأضافت أن عددا من المراقبين للوضع الميداني في سوريا كانوا قد لفتوا إلى أن تسمية "المقاتلين الشيشان" أصبحت تطلق على كل المسلحين الناطقين باللغة الروسية، بصرف النظر عن تعدد جنسياتهم، نظرا لهيمنتهم على المشهد الحالي.
وبالحديث عن تصريحات الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، المتوعدة بتصفية الأفراد المتورطين مع التنظيمات المسلحة، ودور الشيشان في مواجهة تنظيم الدولة، أفاد كوزانوف أن تلك هي مسؤولية السلطات الروسية وأجهزتها الأمنية. وأشار إلى أن روسيا لا تعول على التنسيق الأمني مع الأطراف الأخرى في هذا الملف الحساس، ولا ترى قاديروف "الحصن الأول ضد الإرهاب".
وفي الختام، أكد كوزانوف للصحيفة أن روسيا لن تدخر أي جهد في التصدي لعناصر التنظيمات المسلحة في حال عودتهم لأي دولة من دول الاتحاد السوفياتي السابق، بما تملكه من قدرات استخباراتية قوية وتمرس في مواجهة الجماعات المسلحة، إضافة إلى الخبرة التي اكتسبتها قوات الأمن في الشيشان أواخر القرن الماضي.