بعد يوم واحد من إعلان وزارة الداخلية حالة الاستنفار القصوى في
مصر استعدادا لتأمين ذكرى 30 يونيو وحماية الشخصيات المهمة، نجحت جماعات مسلحة في
اغتيال النائب العام هشام بركات، بشكل أصاب الكثيرين بالدهشة بسبب سهولة الوصول لأحد أهم رجال النظام.
وأثارت هذه العملية موجة كبيرة من الانتقادات لأجهزة الأمن المكلفة بحماية بركات، واتهامها بالفشل في أداء مهامها، ما تسبب في تنفيذ الاغتيال السياسي الأخطر في مصر منذ عقود، بل إن كثيرين رجحوا أن يكون هناك تقصير متعمد لتسهيل اغتياله.
تأمين بدائي
وأكدت تقارير صحفية أن تحقيقات موسعه تجريها الداخلية، مع الضباط المكلفين بتأمين طريق النائب العام، مشيرة إلى أن خطة تأمين النائب العام لم تتغير رغم التهديدات التي تلقتها أجهزة الأمن باستهدافه منذ شهور طويلة.
وقال خبراء أمنيون إن الخطة التي تم اتباعها في عملية اغتيال النائب العام هي نفسها التي استخدمت من قبل في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم قبل أكثر من عام، ومع ذلك، فإن أجهزة الأمن لم تنجح في إجهاض العملية قبل تنفيذها.
وأكد أحد المستشارين المقربين من النائب العام، أنه حذر الراحل من أن قوات التأمين المصاحبة له تطلق النفير المميز لسيارات الشرطة أثناء تحرك الموكب، وهو ما يلفت الانتباه بأن هذا الموكب هو لأحد الشخصيات الهامة وبالتالي فإنه يسهل رصده.
وصرحت إحدى جارات النائب العام أنها كانت تتوقع اغتياله في أي وقت بسبب "سذاجة" إجراءات التأمين المتبعة حول منزله، بحسب صحيفة الأهرام.
وأكدت أن السيارات والمارة يمرون أمام منزل النائب العام بشكل عادي دون تفتيشهم من قبل الأمن، وأبدت استغرابها من هذا التقصير في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة التي تعيشها البلاد.
فضيحة كبرى
وقال أسامة الغزالي حرب، القيادي بحزب المصريين الأحرار، إن اغتيال النائب العام هشام بركات، يمثل فضيحة كبرى لوزارة الداخلية، مشيرا إلى وجود أخطاء جسيمة في تأمين الشخصيات العامة في مصر.
وأكد حرب في مداخلة مع قناة "تن" أن هناك غيابا كاملا لتأمين النائب العام، وتساءل: "كيف تم رصد موكب النائب العام؟ وكيف سمح للسيارة
المفخخة بالتواجد في هذه المنطقة الحيوية بالقرب من الكلية الحربية وقصر الرئاسة؟".
وقالت صحيفة "الوطن" إن السيارة التي يستقلها النائب العام الراحل لم تكن مصفحة ضد التفجيرات، وإنما كانت فقط مضادة للرصاص.
وأوضحت أن بركات طلب تغيير سيارته بأخرى كاملة التصفيح قبل اغتياله بثلاثة أسابيع فقط، على غرار تلك التي يستخدمها رئيس الوزراء ووزيرا الداخلية والدفاع، دون استجابة لطلبه.
وانفعل المستشار أحمد الزند، وزير العدل، على وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية، بعد سماعه بنبأ اغتيال بركات، وقال له في اتصال هاتفي: "النائب العام مات، هناخد حقه ولا هتقولي التحريات مكملتش؟"، في إشارة إلى عجز الأجهزة الأمنية عن التوصل إلى الجناة الحقيقيين.
الداخلية: التأمين الكامل صعب
وبعد سيل من الاتهامات من العديد من الأطراف لوزارة الداخلية، قال اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية والمتحدث باسم الوزارة، إن السيارة التي كان النائب العام يستقلها مصفحة بالكامل، إلا أن تصفيحها يتحمل فقط التفجيرات حتى 200 كيلو غرام من المتفجرات، في حين أن العبوة الناسفة التي انفجرت في الحادث يبلغ وزنها 400 كيلو غرام، وهو ما أدى إلى تدمير السيارة وإصابة بركات بإصابات بالغة.
ونفى عبد الكريم، في مداخلة هاتفية مع قناة "سي بي سي" مساء الاثنين أن يكون النائب العام قد طلب تغيير سيارته قبل اغتياله.
وفي تصريحات تكشف سذاجة خطة التأمين، أضاف أن موكب النائب العام يسير في أربعة خطوط سير مختلفة بديلة يتم التغيير بينها باستمرار، لكن كل هذه الخطوط جميعا تصل إلى مخرج وحيد وهو المؤدي إلى مقر عمله، وهو المكان الذي اختاره المخططون للاغتيال لوضع السيارة المفخخة فيه بعد مراقبة تحركات النائب العام بعناية.
وفي اعتراف بعجز الداخلية عن تأمين النائب العام أو أي شخصية مهمة، أوضح مساعد وزير الداخلية أن شوارع القاهرة فيها ملايين السيارات ويصعب فحصها جميعا، مشيرا إلى أن "قوات التأمين تكتفي فقط بفحص العقارات والسيارات القريبة من منزل الشخصية المراد تأمينها".
تعديل الخطة بعد فوات الأوان
من جانبه، أمر مجدي عبد الغفار وزير الداخلية، بتعديل خطط تأمين الشخصيات المهمة، لتجنب الأخطاء التي أدت لاغتيال النائب العام.
وقالت الداخلية في بيان لها - وصلت "
عربي21" نسخة منه - إن عبد الغفار استعرض خلال اجتماعه بقيادات الوزارة حادث اغتيال النائب العام، لدراسة القصور الأمني في تأمين موكبه، وشدد على ضرورة دعم القوات بأجهزة تفكيك العبوات الناسفة عن بعد وكاميرات مراقبة للحيلولة دون تنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
وبعد يأسه من قدرة الداخلية على حماية الشخصيات المهمة في الدولة، طالب اللواء محمد عبد السلام، قائد الحرس الجمهوري السابق، الحكومة بتحديد إقامة الشخصيات المهمة في أماكن آمنة، لحين انتهاء هذه الأوقات العصيبة التي نعيشها.
وبالفعل، أعلن اللواء أبو بكر عبدالكريم، المتحدث باسم الداخلية، أن الوزارة تقوم الآن بنقل شخصيات هامة إلى أماكن بديلة عن منازلهم دون الكشف عن هوياتهم.