في مثل هذا اليوم 30/6/2013 كنت أجري كالمجنون في شوارع مراكش، فقد قررت السفر من طنجة إلى الدار البيضاء بالسيارة ثم من الدار البيضاء إلى مراكش بالقطار، فقدت الاتصال بالإنترنت، بدأت أتلهف أخبار وطني، ويحي ماذا فعلنا بالديمقراطية، نحن الذين ذبحنا الديمقراطية ومنحناها للعسكر.
ليس لأن من يحكم رئيس بلا أدوات، وليس لأنه عاجز عن الاقتصاص لثورة يناير، ولا لأنه وضع يده في يد ثعالب العسكر التي قتلتنا، ليس لأجل هذا فقط ولكن لأننا استكبرنا أن يحكمنا رئيس ينتمي لجماعة
الإخوان، ضللونا عام كامل، بل وقدم النخبة و العسكر الإخوان ليذبحوا كالخراف باسم الديمقراطية، ويلوذ بالصمت أولئك الذين تعلمنا منهم الديمقراطية.
وصلت مراكش الحمراء وبدأت أتابع ما فاتني من أحداث، وأنا آكل الكسكسي ،أشاهد ملايين من الشعب
المصري تم خداعهم عبر آلة إعلام جبارة بافتعال أزمات البنزين والكهرباء وخلافه.
شاهدت ضباط شرطة فوق أعناق الشعب وطائرات جيشي تحلق فوقهم، هي نفس الطائرات التي منحتني الأمان في تحرير 25 كانون الثاني/يناير 2011.
كنت أبكي بهجة، لذا لم أستهجنني كلما سمعت مداخلاتي على الجزيرة من ميدان التحرير يوم جمعة الغضب بعد علقة ساخنة من بلطجية الحزب الوطني، وأنا أرجو وأتمنى وأحلم بأن يتدخل جيش مصر العظيم لإنقاذنا من الطاغية مبارك وأولاده..!
لكن الطائرات اليوم ترسم قلوبا وأعلاما ملونة وتلقي بالبهجة.
منذ البداية وأنا أرفض التوقيع على تمرد رغم علاقتي بمحمود بدر وبقية أعضاء تمرد، ووقوفي بجواره حين طرده إبراهيم عيسى من جورنال التحرير.
كان هدفي إعادة مسار يناير والديمقراطية وعدم العودة إلى دولة مبارك، وعبر عشرات المظاهرات والمقالات في التحرير طالبت بذلك.
كانت لدي ندوات في مراكش من 30/6 وحتى 5/7، اعتذرت عن ندوات 30 و1 تموز/يوليو وجلست أمام شاشة الجزيرة مترقبا، وقلبي منقبض.
في البداية كان الحلم بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، أو أن يقوم الرئيس مرسي بإعادة المسار الديمقراطي وإقالة الحكومة.
رأيت أحلامي تتبدد وأنا أشاهد أطهر بقعة في مصر وقد امتلأت بفلول مبارك، ومن كانوا ضد نظام مبارك مع خليط من ثوار يناير وضباط شرطة وجيش. أضحى الميدان بالنسبة لي كالذهب المغشوش، لا تستطيع أن تعتبره أصيل ولا مزيف.
مدهش ومثير للغثيان أن يكون أحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح والبرادعي، وعلاء الأسواني وعبد الجليل مصطفى وأبو الغار وممدوح حمزة وكمال أبو عيطة مع مصطفى بكري والهام شاهين، وحمدي الفخراني وأحمد بدير، ومحمد فؤاد وسيد علي وأحمد موسى ولميس الحديدي وخيري رمضان ووالدة خالد سعيد.
بكاء كالدم وألم تسرب إلى نفسي، اعتذرت عن ندواتي واستأذنت في العودة إلى مصر وتعللت بأن أمي مريضة جدا.
على أول طائرة داخلية من مراكش إلى مطار الدار البيضاء صعدت. وظللت عدة ساعات في مطار الدار البيضاء منتظرا لأن الطائرة المتجهة إلى القاهرة تأخرت عن موعد إقلاعها وتردد أنها قد تلغى حسب سخونة الأحداث في مصر.
وفرت إنترنت من المطار استمعت إلى خطاب د مرسي، ماذا يقول الرئيس.. هل يدرك اللحظة الفارقة؟
لماذا لم يكن هذا الخطاب هو أول خطاب لمرسي بعد قسم ميدان التحرير. لماذا أخر الرئيس هذا الخطاب لمدة عام كامل؟!
في صباح الثالث من تموز/ يوليو تنفست هواء القاهرة بعد غياب أسبوعين. في مطار القاهرة أحسست لأول مرة بالغربة، لم تكن هذه مصري التي حلمت بها، ولا هذه ثورتي التي كدت أموت لأجلها.
تفرست الوجوه، حالة سعادة غير عادية كأن هناك من جاء ووزع على المصريين حبوب السعادة، لكن تعامل ضباط شرطة المطار كان مختلفا، عاد الكبر والتعالي القديم والنظرة إياها للشعب المصري والتعامل بدونية!
في مدينة نصر كانت هناك صور عديدة للرئيس مرسي ولافتات وأعلام، وبعد أن طلبت من سائق التاكسي أن يذهب إلى البيت غيرت وجهتي إلى وسط
البلد، أنزلت حقائبي في مكتبي بشارع طلعت حرب، نزلت في الشوارع أنظر في وجوه الناس بحدة وغضب، وصلت ميدان التحرير، ميداني، كان هناك ابتهاج في الميدان، لكنه أبدا ليس ميدان 25 يناير. لافتات عديدة تطالب مرسي والإخوان بالرحيل، وبعضها كتابات مسيئة، تحدثت مع طلاب في كلية الإعلام تعرفت عليهم في الميدان، أعطاني أحدهم لافتة كتب عليها ارحل بالبنط الأحمر، قلت له سأرفعها في وجه السيسي والمجلس العسكري.
-بل ضد مرسي الإرهابي الفاشل قال
-الأيام بيننا وسنرى قلت
لم يدرك هذا الشاب مقولتي إلا بعد عامين.. لم يتحرك ضميره إلا بعد قتل ألاف من المصريين، إذا به يذكرني على الفيس بأني كنت على حق.
وماذا يفيد.. ماذا يفيد؟ سألت الدماء أنهارا وانتهى الأمر.
مشيت بين الناس والدموع تترقرق في عيني، وجدتني قد عبرت كوبري قصر النيل وجلست أمام الأوبرا نائحا كأرملة مات زوجها تحت عجلات ميكروباص أمامها منذ ساعات، وما زالت غير مصدقة أنه مات.
كنت من الذين يؤمنون بالتظاهر ويدعون إلى نزول التحرير ضد الرئيس أي رئيس، وأراه مظهرا من مظاهر الديمقراطية كما كتبها محمد مرسي نفسه في تويتر يوم 30/6، لكن كان التظاهر ضد مرسي والعسكر والداخلية والأمن الوطني، وليس مع هؤلاء ضد مرسي.. أي ثورة تلك التي تقودها وتحميها الدبابير؟!
عدت إلى مكتبي في وسط البلد ومرت الدقائق والساعات دهر، وكانت كبرى الفواجع وأنا أرى أيقونة الثورة "البوب" الذي طالبنا معه مرارا بالديمقراطية يدهس الديمقراطية بدبابة ويجلس على "كنيف" السيسي وهو يتلو بيان الثالث من يوليو.
لم يكن الأمر بحاجة إلى تفكير فكتبت على صفحتي أنني من الذين يتحملون الثلاثين من يونيو ولكن ما حدث ويحدث هو انقلاب عسكري مكتمل الأركان لقد خدعونا.. أعتذر.
وبدأت مأساة جديدة في عمر مصر، توقفت عن الكتابة وأدركت أن الحرية قتلت وأن مكاني في الجانب الآخر، الجانب الذي لم أصوت له في الانتخابات ولا رغبت به، منعت عنهم الكاميرات والإعلام فقررت أن أكون الإعلام البديل ومن رابعة إلى النهضة إلى الفتح ورمسيس كنت هناك دائما ولهذا قصة أخرى وأحاديث.
إذن نحن الذين ادعينا الديمقراطية والفهم واننا شباب ثورة يناير و... نحن من جئنا بالعسكر وشاركنا في استباحة الأعراض والدماء ووضع كل منا في فمه "مركوب" قديم وصمت ثم علقها في رقبة الإخوان.
مع أن تصحيح المسار الثوري واستعادة ثورة يناير يدعونا إلى أن نعود أدراجنا بعد أن عرفنا جميعا كيف قتلنا قيادات المجلس العسكري من عماد عفت حتى مينا دانيال وجيكا وأسماء البلتاجي، وكيف وضعوا الجميع في المعتقلات من محمد مرسي والبلتاجي وعصام سلطان حتى ماهينور وسناء وعلاء عبد الفتاح وأحمد ماهر؟.
عرفنا لم يكن الهدف الإخوان وإنما القضاء على الدولة المدنية التي لم تكمل عاما واحدا واستعادة الدولة العسكرية للبقاء حتى يوم القيامة لأنهم جعلونا نبغض بعضنا البعض لأنهم يدركون أن قوتنا في وحدتنا واستعادة الدولة المدنية في وحدتنا أيضا.
أثق أننا فهمنا جميعا اللعبة وهناك من يستعبط أو يبرر جبنه بشماعة الإخوان، لكني أثق أن لا أحد كان موافقا على المذابح التي تمت الا من باع ضميره وعقله ووطنيته ، كما أثق أيضا أن لا أحد يقبل أن يلعب دور القواد على زوجته. فمن يصمت بعد أن سرق السيسي وطنه أو زوجته كمن وافق راضيا بأن يكون ديوثا، حفظنا الله وإياكم من هذا الدور.