أفراح القبة.. فتنة الشخصيات المهزومة

أفراح القبة هو أنتَ المتخفي عن العالم، الوجه الذي يتردد حتى وهو يخلع قناعه الخارجي أمام المرآة.. كتب نجيب محفوظ رواية أفراح القبة عن الشخصيات المهزومة بعد نكسة 1967. الهاربة من عار هزيمة يلاحقها؛ لم تشارك في أسبابه، ولا أدت اليه، لكنه غياب الرؤية السياسية الواضحة، وانشغال نظام الرئيس جمال عبد الناصر بالمعارك الداخلية سواء التي بينه وبين قادة ثورة يوليو، أو بينه وبين الإستبداد على الشعب المصري.

استطاع المؤلف محمد أمين راضي الدخول إلى ما وراء الكتابة، وتحويل فلسفة نجيب محفوظ العميقة إلى شخصيات من لحم ودم، حيث كتب أول 15 حلقة ثم تخلى عن الكتابة، فجاء كاتب آخر ففسدت روح العمل ولم تعد كما كانت.

أبدع المخرج محمد ياسين في إخراجها كلوحة جميلة، تقف لتتأملها فتأخذك إلى عالمها، عالم المطحونين الذين أضناهم البحث عن مكان وسط مجتمع يطلب منك ضريبة تدفعها لتكون فردا فيه، وهي أن تفقد انسانيتك. ثم تنساها طويلا حتى تستردها ذات صدمة.

عباس كرم يونس -الذي تألق محمد الشرنوبي في أدائه- هو الروائي الذي اقترب من الجميع وسرق حياتهم دون أن يدروا وخطها على الورق، وقدمها كمسرحية إلى المسرح الذي يملكه ويديره سرحان الهلالي، لعب دوره جمال سليمان وهو دور عميق  لشخصية شرها يكمن في نعومتها للوصول لأي هدف تريده، أجاده سليمان بجداره، وهو يذكرنا بشخصياته العميقة والآسرة في أعماله السورية مثل الفصول الأربعة وعصي الدمع وذكريات الزمن القادم.

شخصيات المسرحية هي نفسها الشخصيات الحقيقية التي جسدت المسرحية على خشبة المسرح، لقد سرق عباس يونس حيواتهم وعرضها عليهم ليقدموها كما هي على خشبة المسرح.

في رواية العم نجيب محفوظ يحكي الأبطال الأحداث كلٌ من وجهة نظره ورؤيته لنفسه وحياته، مثل كرم يونس-الذي لعب دوره الفنان صبري فواز بأدائه البسيط الممتع  والمتماهي مع الشخصية، أو من خلال طارق- الذي يستحق عنه اياد نصار جائزة أوسكار خصوصا في مشاهد مثل مشهد الدندنة مع منى زكي أو مشهد صرخته على المسرح بأنه الملك أو البطل وليس المؤلف في صراعه بينه وبين حبه لتحية- الدور الذي أعاد منى زكي إلى بريقها الأول، بل هي الشخصية التي تتماهي مع نفسها ولا تزيف واقعها - أو حكي الحدوتة من زاوية حليمة الكبش-ولعبت دورها صابرين- لكن للأسف فشل العمل تماما في تقديم الحبكة الروائية بهذه الطريقة، فلم يستطع تجاهل طريقة سرد الصورة، ولا استطاع تقديمها بإبهار حكي نجيب محفوظ!

الرواية قائمة على حكي نفس المشاهد من زواية مختلفة ورؤية الحكاء، لكن في المسلسل تتم اعادة نفس المشهد لكن دون زاوية جديدة ومختلفة في الإخراج، ولا اضافة كأن صناع المسلسل نسوا أنهم صوروا هذا المشهد من زي قبل!

المسرح هو المكان الذي تنطلق منه الأحداث كلها، بل لا حياة للأبطال خارجه، إلا ويدمرها سرحان الهلالي لكي يستعيد قبضته عليهم. فهو يسعى لإمتلاكهم جميعا. لا أريد القول بأن جمال سليمان هنا يشبه الجبلاوي في أولاد حارتنا، أو سيد سيد الرحيمي في الطريق، الذي يخرب حياة ابنه الباحث عنه دائما، ابنه الباحث عن الله، أو الباحث عن الحق حيث أجابني نجيب محفوظ رحمه الله حين قلت له أنه بحث عن الله. 

سرحان الهلالي يحيي أبطاله، ويميتهم في نهاية العمل أو قل يقتلهم بطريقته واحدا تلو الآخر، فمن  فتنة- جسدتها الموهوبة حتى الثمالة كندة علوش- في مستشفى المجانين أو تدمير كرم يونس وزوجته حليمة الكبش من خلال ابنهما عباس. حيث يفقدها عذريتها ويحول بيتهم لصالة قمار، أو تحويل شقيقه طارق الهلالي إلى رجل يعيش شبه حياة في كل شيء: الحب التمثيل الجنس الولع الحلم.
سنية -رانيا يوسف- وزوجها أشرف شبندي-أحمد السعدني، وقد قدما حياة القوادة والبغاء بإقتدار، فشبندي يبيع كل شيء مقابل المال، حتى لو كان جسد زوجته! بل ويقيم علاقة مع علية-دينا الشربيني-الناقدة الفنية التي تبيع جسدها لرئيسها مقابل الشهرة، شقيقة زوجته.

البنات الثلاث، تحية وسنية وعلية، نشأن في مجتمع فاسد لأم تبيع بناتها لمن يدفع أكثر، لعبت الدور سوسن بدر المتجددة في كل دور والمختلفة في طريقة الأداء في كل عمل تقدمه. هؤلاء البنات اللواتي عشن بين أب شاذ جنسيا وأم قوادة كان عليهن الإختيار، واخترن السقوط المدوي!

عامل البوفيه - سامي مغاوري- الذي كان يحلم بأدوار على خشبة المسرح تحول إلى فرد يقدم المشروبات ويقرأ شخصية سرحان الهلالي جيدا ويحقق له رغباته، وهو دور فيه جهد واضح.

أفراح القبة يدور حول فلسفة الإنسان بين الحياة والموت، بين الحلم والحقيقة، بين الواقع والخيال، بين المتحكم المستبد في حياة البشر، والبشر الذين يعملون عنده، يدمر حياتهم، ويستجيبون ولا يبحثون عن خلاص، فتنة التي تخلصوا منها، كانت فتنة تسكنهم جميعا، فلم يتخلصوا من فتنة الحياة ولا من أفراح القبة التي تتحول دائما إلى أحزان.