كتب الصحافي سامي يوسف زاي تقريرا في مجلة "نيوزويك"، معلقا على الأخبار التي تحدثت عن وفاة زعيم حركة
طالبان الملا محمد عمر.
ويشير التقرير إلى أن المخابرات الأفغانية أعلنت أن
الملا عمر قد مات قبل عامين في ظروف غامضة، حيث لفظ أنفاسه في مستشفى في مدينة كراتشي الباكستانية. وعلى خلاف هذه الرواية يقول زاي إن الملا مات في أفغانستان، التي لم يغادرها أبدا منذ الاحتلال الأمريكي لبلاده.
ويقول الكاتب إنه تلقى قبل نهاية شهر رمضان هذا العام مكالمة غير متوقعة من صديق يقيم علاقة طويلة مع عائلة الملا عمر، وأخبره أنه اكتشف سرا لم يكن يعرفه إلا عدد قليل من الحلقة المحيطة بالملا عمر، مفاده أن القائد الأعلى لحركة طالبان في أفغانستان قد مات.
وتبين المجلة أن الشائعات حول وفاة زعيم حركة طالبان ليست جديدة، فهي منتشرة منذ اختفائه في نهاية عام 2001، وآخر مرة شوهد فيها كان على ظهر دراجة نارية من نوع هوندا، حيث توجه إلى الجبال المحيطة بمدينة قندهار، التي كانت تقترب منها القوات الأمريكية المدعومة من قوات التحالف الشمالي.
ويلفت التقرير إلى أنه على خلاف الشائعات، فإن الشخص الذي تحدث لزاي مختلف، وهو في موقع جيد يمكنه من معرفة مكان اختباء الملا عمر. مبينا أن هذا الشخص طلب عدم ذكر اسمه، وأنه شخصية محترمة ومعروفة؛ بسبب ما يقوم به من أعمال خيرية لخدمة اللاجئين الأفغان في باكستان.
وكشف هذا الشخص للصحافي عن أن الملا عمر مات في أفغانستان، التي ظل فيها ولم يغادرها، رغم اعتقاد الكثيرين أنه غادرها إلى باكستان، مثل أتباعه الذين نجوا من الغارات. فقد رفض الملا عمر مغادرة أرض ميلاده، وقال لمن طرح فكرة المغادرة: "إن كنت تريد الثقة بالباكستانيين، فربما انتقلت إلى الولايات المتحدة بدلا من ذلك".
ويذكر زاي أن الملا عمر غيّر من شكله، وساعده على هذا قلة الصور المتوفرة له، واختلط بين السكان دون أن يعرفه أحد. وبعد أن قامت حركة طالبان بتجميع نفسها من جديد، وشنت تمردا ضد النظام الجديد في كابول، بدأ يتواصل مع القيادة من خلال مرسال شخصي.
وتورد المجلة أن صديق عائلة الملا عمر يكشف عن أن الأخير قد جمع حوله الحلفاء الموالين له، وقادهم أحيانا في معارك ضد القوى المحتلة لأفغانستان. وأصيب ببعض الجروح في هذه المعارك، ولكنها لم تكن إصابة بالغة.
ويستدرك التقرير متسائلا عن الكيفية التي مات فيها الملا، ويجد أن لا أحد لديه الجواب الأكيد، فقد أشار بعضهم إلى أن زعيم حركة طالبان تعرض لسكتة قلبية. لكن الشخص الذي اتصل مع زاي، قال إن الملا كان في منطقة بعيدة عن الأطباء كي يقدموا تشخيصا صحيحا لسبب الوفاة عندما حدثت في كانون الثاني/ يناير 2013.
ويرى الكاتب أن تلك النظرية تبدو معقولة، مشيرا إلى أن الملا عمر كان في سن الـ 60، مع أن تاريخ ميلاده لم يكن معروفا، وربما لم يكن هو يعرفه. فقد أنجبته والدته على قارعة الطريق في منطقة تقع ما بين محافظة أوزوغان وقندهار، حيث كان والداه الفقيران في طريقهما للبحث عن عمل. وكانت والدته تركب على حمار عندما بدأت المخاض، حيث نزلت عنه وولدت، وبعد ذلك ركبت الحمار، وفي هذه المرة كان في حضنها المولود الجديد الذي لم تكن متأكدة من نجاته.
وتكشف المجلة عن أنه بعد عقود، وعندما حانت وفاة الملا عمر، كان في منطقة نائية تقع بين الجبال، تعرف بمنطقة ناوزاد، وهي من محافظة هيلمند، وفيها مجموعة من القرى تعرف مجموعة باسم تيازيني.
ويقول المصدر، الذي تحدث للصحافي، إنه كان مع الملا عمر في ذلك اليوم الممطر صديق عزيز عليه، وهو الملا عبد الجبار من إقليم زبول، الذي أصبح حاكما على إقليم باغلان أثناء حكم حركة طالبان. ولم يعد الملا عبد الجبار أبدا إلى أهله بعد عام 2001، بل ظل مع الملا عمر، حيث أصبح مرساله وخادمه. وكان الملا عبد الجبار الصلة الوحيدة بين الملا عمر ومجلس شورى كويتا الذي يدير شؤون حركة طالبان.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الملا عمر أخبر الملا عبد الجبار بما يفعله في حالة موته أو إلقاء القبض عليه، وهو الاتصال بالملا شيخ عبد الحكيم، العالم الديني والصديق القديم للملا عمر ومستشاره، الذي استقر في مدينة كويتا جنوب غرب باكستان. وبعد ذلك قام الملا عبد الحكيم بإيصال الخبر لثلاثة من قادة حركة طالبان البارزين، أحدهم رئيس مجلس شورى كويتا الملا أختر منصور، والثاني رئيس المجلس العسكري لحركة طالبان الملا قيم ذاكر. وكان الثالث العالم الديني وصديق الملا عمر القديم، وهو الملا عبد السلام، الذي يعمل ويعيش في بلدة كوتشلاك التي تبعد أميالا عن كويتا.
ويشير زاي إلى أن المصدر تحدث عن شخص رابع ربما كان على اتصال مع الملا عمر، وهو الملا غول آغا أخوند، الذي قاتل إلى جانب عمر السوفييت في الثمانينيات من القرن الماضي، وهو عضو مجلس الشورى في كويتا، وقد وصف في السنوات الماضية بأنه الشخص الوحيد الذي كان على صلة مع الملا عمر.
وتبين المجلة أنه لم تكن أي من زوجات عمر أو أولاده ممن وضعوا تحت الحماية الباكستانية في كراتشي وإسلام أباد قادرين على التواصل مع الملا عمر؛ خشية معرفة الأمريكيين بمكانه وملاحقته، خاصة أن الولايات المتحدة رصدت عشرة ملايين دولار لمن يخبر عنه.
وينوه التقرير إلى أنه بعد أسبوع من إبلاغ الملا عبد الجبار مجلس كويتا الأخبار، عقد رئيسه
الملا منصور والملا ذاكر اجتماعا مع عالمين دينيين. ويقول المصدر إن الملا عبدالسلام والملا عبد الحكيم سلما الملا منصور عمامة الملا عمر، وعيناه خليفة له "أميرا للمؤمنين"، وقدم الملا عبد الحكيم تهانيه له، وقال له: "أنت الآن القائد، ويجب أن تسير على طريق الملا عمر ذاته".
وينقل الكاتب عن المصدر قوله إن الملا ذاكر أراد أن يعلن وفاة الملا عمر مباشرة، ولكن البقية في المجلس أقنعوه بخلاف ذلك. موضحا أنه من أجل الحفاظ على السر، ذهب مجلس شورى كويتا بعيدا، وبدأ بإصدار بيانات تحرم السؤال عن مصير الملا عمر، وأنه سيقدم من ينتهك المحرم إلى محكمة تابعة لحركة طالبان.
وتجد المجلة أن وفاة الملا عمر جاءت في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تخطط لتخفيض قواتها في أفغانستان. ومن هنا، فقد شكلت وفاته معضلة للملا منصور. مستدركة بأن الشيء الوحيد الذي أبقى على وحدة مقاتلي حركة طالبان هو ولاؤهم لمؤسس الحركة.
ويذهب التقرير إلى أنه في الوقت الذي ظل فيه القائد العسكري صامتا، إلا أنه ظل حزينا على فقد الملا. وفي نيسان/ أبريل 2014، استقال الملا ذاكر من منصبه رئيسا للمجلس العسكري، متعللا بالمرض.
وبحسب المصدر، فإن السبب الحقيقي لاستقالته هو خلافات بين الملا ذاكر والملا منصور حول محادثات السلام. ولكن عائلة وأصدقاء الملا عمر يقولون إن الملا ذاكر كان حزينا، لدرجة أنه لم يكن فيها قادرا على المحادثات. وقال إنه لم يرغب بأن يكون لديه منصب رسمي، وأضاف: "دون الملا عمر أكره كل شيء".
ويقول زاي إن تأكيد وفاة الملا عمر كان من الصعب التحقق منه، حتى بعد أن قام مجلش شورى كويتا بفرض حظر على مناقشة الموضوع. ونقل عن أحد قادة مجموعة حقاني قوله: "كان السؤال عن حالته الصحية أو ما يفعل يحمل معه اتهامات بعدم الولاء". وقال أحد مقاتلي حركة طالبان السابقين: "لم نكن بحاجة إلى تعريضه للخطر من خلال طلب إثباتات حول بقائه على قيد الحياة".
وكان تقرير نشر على الإنترنت قبل أسبوع من تلقي الصحافي المكالمة حول وفاة الملا عمر، ولكنه جاء من جماعة غير موالية لحركة طالبان، وانشقت هذه الجماعة عن الحركة بسبب محادثات السلام، واسم الجماعة "الجبهة الانتحارية" (فدائي ماهاز). وقد نشرت الجماعة على الإنترنت قصة مثيرة حول قيام أختر منصور وغول أغا باغتيال الملا عمر.
وتختم "نيوزويك" تقريرها بالإشارة إلى أنه بحسب مزاعم التقرير المنشور، فقد توفي زعيم حركة طالبان بعد مناوشة مع الاثنين، منصور وآغا؛ بسبب معارضته المحادثات مع الأمريكيين في الدوحة. وقد زعم التقرير أن موت الملا حدث في شهر رمضان في عام 2013. وادعى أن الملا دفن في زبول، وأنه سينشر الدليل لاحقا. ورغم تضارب الروايات حول الملا عمر، إلا أنها تتفق على موته.