قال الباحث الأمريكي في معهد واشنطن، إريك تريغر، في تقرير له إنه ينبغي على إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الاستمرار في تشجيع الجيش
المصري على تحديث استراتيجيته ضدّ "الجهاديين" في
سيناء.
وأشار في تقريره تحت عنوان "تأمين
قوة المراقبين المتعددة الجنسيات في سيناء دون تراجع أمريكي"، إلى أن القاهرة رفضت سابقا العروض الأمريكية بتوفير التدريب في مكافحة الإرهاب، إلا أن المسؤولين العسكريين المصريين أبدوا اهتمامهم بهذه التدريبات في أعقاب "الحوار الاستراتيجي" الذي عُقدَ هذا الشهر بين واشنطن والقاهرة.
وطالب من خلال تقريره واشنطن بالنظر في الفرص المتاحة لتحسين التنسيق في مكافحة الإرهاب، وذلك "لأنّ وجود استراتيجية مصرية أكثر فعالية، يعني توفير أمن أفضل لأفراد قوة المراقبين المتعددة الجنسيات، وللملايين من المصريين على حد سواء"، وفق قوله.
وكانت صحيفة "المصري اليوم"، نقلت في وقت سابق عن مسؤولين أمريكيين -لم تسمهم- قولهم إن الإدارة الأمريكية تراجع بصمت مستقبل قواتها المنتشرة في سيناء، ضمن
قوات حفظ السلام، "خشية تعرّضها للعنف المتصاعد من تنظيم داعش"، مؤكدين أن الخيارات تتنوع بين "تشديد حماية القوات" و"سحبها تماما".
وأكدت وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي قررت إجراء مراجعة للموقف الأمريكي في سيناء.
وبحسب تريغر، دفعت المداولات الجارية حول حماية "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين" بالبعض خارج الحكومة -من بينهم صحيفة "نيويورك تايمز" - إلى الدعوة إلى انسحاب القوات الأمريكية من سيناء، وذلك في أعقاب الهجوم الصاروخي الذي شنه "جهاديون" على "قوة المراقبين المتعددة الجنسيات" في 9 حزيران/ يونيو الماضي، وغيره من الحوادث الخطرة.
ويرى الباحث الأمريكي أنه سواء تمّت الاستجابة لهذه الدعوات أم لا، فإن الوضع الحالي يعزّز السرد المنتشر بأنّ الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط.
ووفقا لتريغر، تتألّف "قوة المراقبين المتعددة الجنسيات" من أفراد عسكريين ومدنيين من 12 دولة، وقد تأسّست عام 1981، للإشراف على الترتيبات الأمنية التي أرستها معاهدة السلام بين
إسرائيل ومصر عام 1979.
وتعد "قوة المراقبين" بالنسبة لأمريكا ضرورية لضمان استمرارية السلام المصري الإسرائيلي، حيث استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، وقد سهّلت في السنوات الأخيرة التعاون الأمني غير المسبوق بين البلدين على الرغم من "السلام البارد" المعروف بينهما، بحسب تريغر.
ويرى بعض المسؤولين الأمريكيين أنّ "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين" بعددها الحالي 1667 فردا، بمن فيهم 692 أمريكيا "لم يعد ضروريا بالنظر إلى عمق التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل".
الجدير بالذكر أن تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم الدولة عمل على زيادة تهديداته التي تستهدف قوات حفظ السلام في الآونة الأخيرة، ما دفع بالأمريكيين إلى انتقاد نهج القاهرة المتعلق بمحاربة الجهاديين شمال شرق سيناء، "الذي عفا عليه الزمن" ما فاقم المخاوف الأمريكية.
ووفقا لمسؤولين أمريكيين، تسبّب الجيش بنفور السكان المحليين من خلال دخوله القرى في تشكيلات كبيرة، واستهدافه العدو على نحو غير دقيق، باعتماده على المواجهة النارية (المدفعية والضربات الجوية)، وإخفاقه في تزويد عمليات قواته الخاصة بالاستخبارات المستهدِفة.
وقال تريغر: "لا يزال ثمة قلق شديد بشأن أمن "قوة المراقبين" على المدى البعيد، ففي كلّ مرة واجهت وحدات القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين هجمات محتملة، لم يخرج
الجيش المصري من مواقعه المُحصّنة للاشتباك مع مقاتلي ولاية سيناء، الأمر الذي دفع بمسؤولين أمريكيين إلى إثارة التساؤلات حول ما إذا كانت القاهرة تحاول فقط احتواء الوضع، بدلا من إلحاق الهزيمة بالجهاديين".
وأشار الباحث إلى أنه على الرغم من التداولات الأمريكية حول سحب "قوة المراقبين" من سيناء، جاء ردّ الحكومتين المصرية والإسرائيلية على هذه المداولات سلبيا، إذ يعتبر كلا الجانبين أنّ "قوة المراقبين" هي آلية مهمة لتسهيل التعاون الثنائي، ويقولان إنّ "الوقت ليس مناسبا الآن" للتفكير في إجراء تغييرات، نظرا إلى حالة الغموض السياسي الذي يكتنف المنطقة.
وبناء على ما سبق، قال تريغر إنه على الرغم من هذه المخاوف، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تأخذ بعين الاعتبار مخاطر تغيير انتشار "قوة المراقبين المتعددة الجنسيات" في أيّ وقت قريب.
وأوضح أنه "أولا، يهدّد أيّ تقليص في قدرة قوة المراقبين بإضعاف بعثة متعددة الجنسيات التي لم تكتف بالتحقق من تطبيق معاهدة عام 1979، بل تشجّع أيضا على التنسيق الاستراتيجي غير المسبوق القائم حاليا بين مصر وإسرائيل".
وأضاف: "ثانيا، نظرا لأنّ قوة المراقبين تُعدّ من النجاحات القليلة التي حقّقتها سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنّ أيّ خطة لتقليصها ستزعج بصورة أكثر أولئك الحلفاء الذين يشعرون بالقلق من المغادرة الأمريكية المحسوسة من المنطقة".
وقال إن ذلك سيقوّض الجهود التي بذلتها إدارة أوباما لطمأنة هؤلاء الحلفاء بعد الاتفاق مع إيران.
ولفت تريغر إلى أنه ينبغي على إدارة أوباما أن تنسّق هذه التغييرات مع مصر وإسرائيل، لكي تُظهر أنّها تعمل بشكل كامل مع حلفائها في السعي إلى تحقيق المصالح المتبادلة. أمّا المداولات الأحادية، فتبعث برسالة معاكسة وتشير إلى أنّ واشنطن لا تريد إلّا الانسحاب.
يذكر أنه منذ أيلول/ سبتمبر 2013، تشن قوات مشتركة من الجيش والشرطة المصرية حملة عسكرية موسعة، لتعقب المسلحين في عدد من المحافظات، وخاصة سيناء، وتتهمهم السلطات بالوقوف وراء استهداف عناصر الجيش والشرطة والمقار الأمنية.
يشار إلى أن تريغر كان في مصر خلال ثورة يناير عام 2011، وعاش في مصر ودرس في الجامعة الأمريكية في القاهرة، حيث حصل على الماجستير في الدراسات العربية، مع التركيز على الدراسات الإسلامية.