لم يفلح قرار رئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي بإقالة حكومة إبراهيم
محلب، صباح السبت، في إجهاض مظاهرات رافضي قانون "الخدمة المدنية"، من العاملين بالجهاز الإداري للدولة، التي انتظمت بحديقة
الفسطاط، ظهر اليوم، بمشاركة المئات في ما سُمي بـ"مليونية الفساط"، احتجاجا على قانون "الخدمة المدنية".
وقال مراقبون إن السيسي اختار توقيتا "خبيثا" لإعلان قبوله "استقالة الحكومة"، قبل قرابة ثلاث ساعات من موعد التئام المظاهرة في الساعة الواحدة ظهرا، مستهدفا احتواء هذه التظاهرات.
ومما يعزز من تأثير هذه
الاحتجاجات على قرار السيسي السريع، وغير المتوقع، بإقالة حكومة محلب، هو أن المطروح سياسا كان تعديلا وزاريا محدودا، وليس إقالة الحكومة بالكامل، كما أن السيسي كلف في قراره حكومة محلب بتسيير الأعمال لمدة أسبوع واحد فقط، وهي مدة قليلة للغاية، لحين تشكيل حكومة جديدة، ما يعني أنه يحاول إيصال رسالة طمأنة وتهدئة للغاضبين.
وكان السيسي استقبل محلب صباح السبت، وقدم الأخير له تقريرا شاملا عن أداء الحكومة خلال الفترة الأخيرة، واضعا استقالة الحكومة تحت تصرفه.
وقد جاء قرار السيسي بإقالة الحكومة في مواجهة "مليونية الفسطاط"، بعد استخدامه، دون جدوى، للسياسة المعروفة باسم "العصا والجزرة"، التي برع المخلوع "حسني مبارك" في استخدامها، لكن السيسي فشل في تطبيقها، ما ألجأه إلى إقالة الحكومة كإجراء أخير لإنقاذ شعبيته المتدهورة.
هذا ما فعله السيسي لإجهاض المظاهرات
في البداية تبين أن محافظة القاهرة اختارت موقع السماح بالتظاهرة في محيط حديقة الفسطاط، بهدف عزل المتظاهرين عن وسائل الحياة الآدمية، إذ لا توجد في المكان أي وسائل لشراء الطعام أو الشراب أو حتى أماكن لجلوس كبار السن أو الأطفال.
الموقع غير مجهز أيضا لإقامة أي تظاهرة بشكل مريح، لأن الشمس تكون عمودية على الموقع في ساعات النهار، ما قد يؤدى إلى سقوط المتظاهرين مصابين بالإجهاد الحراري، وضربات الشمس.
وقبل 24 ساعة من بدء التظاهرة، اتهمت تنسيقية "تضامن" (المشرفة على التظاهرات) الحكومة بـ"الاستعانة بمَن يُطلق عليهم (المواطنون الشرفاء) للاعتداء بالضرب على المشاركين في الاحتجاج.
وأدانت التنسيقية في بيان أصدرته الجمعة: "أسلوب الحكومة في الاستعانة بهؤلاء المواطنين لإفشال (مليونية الفسطاط)، وتهديد القيادات العمالية، ومحاولة منعهم من التظاهر".
وكشف رئيس النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية، عضو "تنسيقية تضامن"، طارق كعيب، أن بعض أعضاء الحركة توجهوا إلى الحديقة فوجدوا عددا من البلطجية مع أسرهم عند أبواب الحديقة، مضيفا: "الأعضاء تأكدوا خلال حديثهم معهم أن هؤلاء بلطجية تم تلقينهم أفكارا معينة ضد المشاركين في المليونية".
كما أماط طارق الكاشف، وهو أحد قيادات مصلحة الضرائب، اللثام عن أن بعض القيادات في الضرائب تلقت تهديدات -بشكل مباشر- بالإيذاء البدني حال مشاركتهم في المليونية.
ومن جانبها، شددت تنسيقية "تضامن" -التي تضم قرابة 35 اتحادا ونقابة وحركة عمالية- على الالتزام بعدم رفع أي شعارات دينية أو حزبية أو تبني أيديولوجيات خلال التظاهرة، مؤكدة أن هدفها الوحيد هو وقف العمل بقانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015.
نشر الشائعات
كان أكبر سلاح لجأت إليه سلطات السيسي في مواجهة "المليونية" نشر شائعات إلغائها، وهو ما سارعت "تضامن" إلى نفيه في بيان، أصدرته الجمعة، وأكدت فيه أن "إلغاء المظاهرات من عدمه محض تصريحات فردية للأشخاص، ولا تمثل التنسيقية".
نظام السيسي لجأ أيضا إلى نشر شائعات حول وجود خطر على حياة المشاركين في التظاهرة، فضلا عن ترديد شائعات حول انسحاب عدد كبير منها.
فقد صرحت رئيسة النقابة المستقلة للضرائب على المبيعات، فاطمة فؤاد، بأنها أبلغت جميع العاملين بمصالح الضرائب، عدم المشاركة في التظاهرات، بسبب ما سمته "مخطط التنكيل بالعاملين بالجهاز الإدارى للدولة".
ترويع المتظاهرين وإخافتهم
لجأت سلطات السيسي كذلك إلى إشاعة الخوف والذعر بين الموظفين، وهذه المرة بتهديدهم بأنهم مخالفون للقانون، وتهديدهم بـ"البلطجية".
ففي تصريحات لمصدر أمني، إلى "وكالة أنباء الشرق الأوسط"، الجمعة، أي قبل قرابة 24 ساعة من التظاهرة، قالت وزارة الداخلية إنها لم تمنح أي تصاريح لأي جهة لتنظيم وقفات أو فاعليات لموظفي بعض المصالح الحكومية، اعتراضا على قانون "الخدمة المدنية".
وكانت الرسالة الواضحة هي أن من سيشارك في المظاهرة ستعتبره وزارة الداخلية مخالفا للقانون.
ومع البيانات، فقد عززت أجهزة الأمن من إجراءاتها بمنطقة
مصر القديمة، زاعمة أن هذه التعزيزات تأتي تزامنا مع اعتزام أهالي المنطقة التجمع بالمكان للتصدي للمتظاهرين، الأمر الذى يحتم وجود قوات الأمن؛ لتفادي وقوع أي اشتباكات بين الطرفين.
وقد حرر عدد من هؤلاء "الأهالي" محضرا بقسم شرطة مصر القديمة، حمل رقم 6159، وأعلنوا فيه تضررهم من منظمي التظاهرات، مطالبين عدم السماح لأحد بالتظاهر في المنطقة التي يقيمون فيها، لتضررهم من هذه التظاهرات، التي تهدف إلى تعطيل مصالح المواطنين والإضرار المتعمد بالبلاد، وفق المحضر.
الإعلام أداة في التهديد
في سياق متصل، لجأت وسائل الإعلام الموالية للانقلاب إلى ترديد مزاعم حدوث موقعة "جمل" ثانية يوم المليونية، مؤكدة أنه تم الاتفاق بين رجال أعمال وبلطجية من أجل ضرب المتظاهرين، وأن وزارة الداخلية أعلنت وقوفها على الحياد.
وزعم الإعلام أيضا اندساس عناصر من جماعة الإخوان المسلمين بين موظفي الضرائب، وأنهم بدأوا في ترتيب أنفسهم للمشاركة في المظاهرات، بهدف الاندساس بين المتظاهرين، والدخول في اشتباكات مع الأمن، وإحداث حالة من الفتنة بينهم وبين الجهاز الأمني.
وهدد الإعلامي أحمد موسى، المقرب من الجهات الأمنية، بأن المليونية ستحدث فيها حالات قتل.
وأضاف - خلال برنامجه "على مسؤوليتي" بفضائية "صدى البلد" - أن جماعة الإخوان ستندس في التظاهرات، وتقتل بعض أفرادها، كما فعلت في مظاهرات سابقة، مطالبا وزارة الداخلية بإظهار "العين الحمراء" للمتظاهرين، ومنع أي تجمعات في أي مكان.
وأشار إلى أن الوقت لا يسمح بمطالب فئوية، وأن الحكومة لن تتراجع عن قراراتها بشأن
قانون الخدمة المدنية مهما حدث، ومهما نظم المعترضون من تظاهرات.
ضغوط على الموظفين للتراجع
ومع الأساليب السابقة، مارست السلطات كل ما تستطيع من جهود للضغط على الموظفين الذين أعلنوا مشاركتهم في التظاهر، حتى أعلن بعضهم الانسحاب منها بالفعل.
فأصدر عدد من موظفي مصلحة الضرائب المصرية، بيانا الأربعاء، أعلنوا فيه عدم مشاركتهم في المظاهرات، "إعلاء لمصلحة الوطن، وحتى لا يُستغل الأمر ممن لا يريدون بمصرنا الخير"، بحسب البيان.
واستعانت الحكومة بالاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وهو اتحاد حكومي، من أجل إجهاض تحركات رافضي القانون..
وأصدر الاتحاد بيانا دان فيه ما زعمه من "الدعوات المشبوهة التي تدعو إليها النقابات المستقلة تحت ستار الاحتجاج على قانون الخدمة المدنية خاصة أنها تأتي قبل أيام من بدء تنفيذ المرحلة الثالثة والأخيرة لخريطة المستقبل، المتمثلة في تشكيل مجلس نواب جديد يتولى سلطة التشريع، وهو ما يفضح نيات من دعوا لهذه المظاهرات لتعطيل الانتخابات، والإساءة إلي هيبة الدولة، وقدرتها على فرض نفوذها"، وفق البيان.
.. وجزرة الحكومة
منذ بداية الأزمة، حرصت الحكومة على إمداد معارضي القانون بـ"جزرة"، بجانب "العصا" المرفوعة، إذ أكدت دوما أن القانون لا يؤثر على مرتبات العاملين في الدولة.
وزعم مسؤولون حكوميون أن نظام التعيين في قانون الخدمة المدنية الجديد يقضي على الوساطة، ويؤسس للشفافية، ويعدل منظومة الأجور، وأنه جاء من أجل تحقيق إصلاح إداري ومالي شامل بالجهاز الإداري للحكومة لخدمة المواطنين، وأنه لا يوجد نص بالقانون يتضمن التخلص من العمالة الزائدة. وهي تصريحات ووعود واضحة صدرت من السيسي شخصيا، وحتى رئيس حكومته المقال، فضلا عن عدد من وزرائها.
فقد أدلى وزير التخطيط السابق، أشرف العربي، بتصريحات عدة، أكد فيها أن قانون الخدمة المدنية من أهم وسائل الإصلاح الإداري للجهاز الإداري بالدولة، وأنه لا يؤثر على مرتبات العاملين بالدولة، ولا يخفضها.
وفي السياق نفسه، فقد طالب الإعلامي معتز عبدالفتاح، الداعين للتظاهرة بعدم النزول إلى الشوارع، قائلا: "أرجوكم.. لا تحلبوا بقرة ليس فيها لبن".
وقال عبدالفتاح -خلال تقديمه حلقة من برنامج "90 دقيقة" على شاشة "المحور"، الجمعة، إن مصر في مرحلة ضد الإرهاب والتطرف، وهناك من يفكر في "حلب البقرة"، وجمع الغنائم.
وأضاف أن مصر بدأت الدخول في حالة من الاستقرار ما يساعد في دفع عجلة التنمية، مستطردا: "أرجو ألا ينزل أحد في مطالب فئوية.. المطالب الفئوية فيروس لو انتشر سيجتاح البلاد لأن كل جهة لديها مشكلات"، على حد زعمه.
التئام المظاهرة.. وإصرار على التصعيد
في المقابل، لم يتسرب اليأس إلى القائمين على تنظيم المظاهرة، وأصروا على تنظيمها، حتى بعد وصول نبأ إقالة الحكومة إليهم.
وهدد أعضاء "تضامن" باتخاذ إجراءات تصعيدية في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم بوقف العمل بقانون "الخدمة المدنية"، خاصة في ظل تعنت الحكومة، وعدم استجابتها لمقترحات هذه النقابات، والاتحادات.
وجاء الرد العملي من الموظفين على سياسة "العصا والجزرة"، ثم إقالة حكومة محلب، من قبل السيسي، بالتئام المظاهرات في موعدها، وصمودها في مواجهة كل مخططات الإفشال والترويع، لينكشف الأمر: "غاب محلب، وقرر السيسي، واستمرت المظاهرات، مستهدفة سياسات الأخير، وليس إجراءات الأول".