كنت في صولة مع نفسي منذ وقت ليس بالطويل أهم بكتابة مقال عن الفارق الرقمي، وواجبنا تجاه الأشخاض ذوي الإعاقات وتمكين أسرهم وذويهم ومراكز تعليمهم، لكن نفسي المقصرة دوما تباطأت لضروة رسم حروف تدافع عن مسجدنا
الأقصى وإنسانية قضايانا، مع تعلق هذه النفس بما يخص الأشخاص ذوي الإعاقات اللذين كرّمهم الله فيما كان قدرهم، وذلك تأصيلا نابعا من تكريم الله عزوجل للإنسان، من قبل أن يصبح جنينا في رحم أمه. ذلك التكريم المنبثق من نفخ الله فيه من روحه سبحانه وتعالى.
اليوم أجد نفسي أمام الأقصى والفارق الرقمي وأشخاص ذوي إعاقات ولكن من نوع مختلف!!
المسجد الأقصى نعرفه تماما، وهو جزء من عقيدتنا، ويعلم الطفل قبل الشيخ واجبه تجاهه، خلافا لمن أصابتهم إعاقات مستحدثة شيطانية، وبالطبع هم مختلفون عن الأشخاص ذوي الإعاقات التي كرَّمهم الله بها.
ولكن ما علاقة ذلك كله بالفارق الرقمي؟
الفارق الرقمي (Digital Divide) في تبسيط لمفهومه يرمز إلى الهوة أو الفجوة الناتجة عن الفرق في الوصول إلى ومن ثم استخدام وسائل تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) إلى مجتمع الإنسانية، المختلف التركيبات السكانية، على اختلاف بلدان العالم ومناطقها ومدنها وبلداتها وقراها - Demographics.
بالطبع مازال الفارق الرقمي بين الدول المتقدمة والدول النامية -كما يسمونها- شاسع المدى بسبب فارق البنية التحتية. وقطعا، لا أقصد فقط البنية التحتية الخاصة بتقنية المعلومات والاتصالات، ولكن أيضا بشمولية البنية التحتية الخاصة بالإنسان، حتى يُضمن له أمنه وأمانه ومسكنه ورعايته الصحية -حتى عند إعاقته- واحترافه في مهنته .. ذاك بعض مما لا يتسع المجال لسرده.
أما اليوم، فقد قلص المسجد الأقصى الفارق الرقمي بين مواطني المعمورة على اختلاف مناطقهم وتوزيعهم السكاني، فلم يعد هناك حاجزا مفرقا بين من عنده أعتى البنى التحتية، وبين من عنده أبسط وسائل الاتصالات وإمكانية الوصول إلى الشبكات الاجتماعيه في أبسط صورها، وليس بالضرورة تلك التي تحتاج إلى تقنيات حاسوبية متقدمه. فترى اليوم الأطفال والشباب والكبار؛ رجالا ونساء، ممن عمر الأقصى قلوبهم، لا يدخرون تواصلا في التراسل والإخبار عما يحدث في الأرض المباركة.
هناك من يصنع الحدث في
القدس وما حولها وفي رحاب مسجدها الأقصى..
هناك من يصنع الحدث، إيمانا واحتسابا، بروحه ودمه وماله ووقته ولا تهزه قيد أُنملة مواجهة أعتى مغتصب مدجج بترسانة صهيونية دولية. وهناك من يُوثِق الحدث بشتى وسائل تقنية المعلومات والاتصالات الحديثة.
وهناك من ينقل هذا التوثيق من أرض الحدث، من الأرض المباركة، إلى القرية العالمية عبر الشبكة العنكبوتية بمختلف وسائل الاتصالات الحديثة.
وهناك من يستلم هذا التوثيق عبر الأثير، فيبثه إلى الأهل والأحباب والصديق القريب والبعيد وجميع من هم إلى الإنسانية -لا إلى الصهيونية– ينتمون.
وهناك من يصنع ويُوثِق وينقل ويبث، ولكنهم في خاصة عن غيرهم، فهم متميزون في حبهم للأقصى، لأن الأقصى في صلب عقيدتهم .
اليوم نقول: لقد فشلتم يا من تباهيتم بكل بُناكُم التحتية، وبكل ما أُوتيتم من علم وتقنية وقوة وظفتموها في عداء للإنسانية.. لقد فشلتم في أن تقلصوا الفارق الرقمي، ولكن المسجد الأقصى قد قلص الفارق أو تلك الفجوة الرقمية بين من تربطهم به عقيدة توأمت بينه وبين المسجد الحرام في مكة المكرمة.
نتساءل هنا: أليس هؤلاء في صنعهم الحدث وتوثيقه ونقله وبثه عبر الأثير يُهدون إلى المسجد الأقصى زيتا ليسرج فيه؟ وذلك امتثالا لأمر سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام؛ عندما أمرنا أن نأتيه فنصلي فيه، فإذا لم نستطع أمرنا: "فليهد إليه زيتا يسرج فيه، فإن من أهدى له كمن صلى فيه".
ونتساءل أيضا: أليس تقليص الفارق الرقمي بالمسجد الأقصى فيه من إهداء الزيت ليسرج فيه؟
رغم أنف من لم يكن في حسبانه ذلك أن يحدث، فقد حدث ذلك وازدادت الفجوة الرقمية تقلصا بسبب المسجد الأقصى، ولكن هناك من رأى وسمع وازداد في إهداء الزيت يُسرج في أقصانا، وفي حمأة الأحداث تجد ذلك الفارق الرقمي لا يلقى إلا ازديادا في الهوة ولكن من نوع خاص، عند من لبسوا أقنعتهم في جوقة الأمم المتحدة، وتراهم يخطبون ود المحتل، ويغازلون سدنته في نفس الوقت الذي تزدحم سجونهم بالبشر على نحو يتفوق على الصهاينة، ومن في فلكهم يسبحون، ممن يعطلون عمارة الأرض وروح الإنسانية.
رغم أنف هؤلاء وثقافة ضرارهم ، فقد أفشلهم أصحاب عقيدة الأقصى مع كل أقنعتهم التي لبسوها تارة في أروقة الأمم المتحدة، وبدلوها تارة أخرى في أحاديثهم وبلدانهم، فكان الفارق ليس الرقمي بل الإنساني .
نتساءل: أليس هؤلاء هم المعاقون الحقيقيون اللذين رسموا الفارق الرقمي بين الإنسانية والحيوانية، التي استحلت الدم والعرض والموطن والمال، فعطلت أحسن تقويم لترتد هي في أسفل سافلين؟
لقد ربح بيعكم يا أصحاب عقيدة الأقصى، فقلصتم الفارق الرقمي بين الإنسانية، وقد بارت تجارتهم فتقلص الفارق عندهم بين الإنسانية والحيوانية.
حفظ الله لنا أقصانا والأرض المباركة، وحفظ الله أصحاب عقيدة الأقصى ومن في فلكهم يسبحون.. اللهم آمين.