اليأس ضد الأمل والموت ضد الحياة، ولهذا فالأمل والحياة صنوان متلازمان وكذلك اليأس والموت صنوان في تلازمهما. فكلما نحيا نعيش بدون يأس ولا انقطاع من رحمة الله بخلقه، كيف لا؟ ورب البرية يذكرنا في كتاب هداية البشر أجمعين بقوله سبحانه وتعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) الحجر.
فهل يمكن لليأس أن يكون إلا ملازما للضالين؟ هؤلاء اللذين ظلموا أنفسهم بضلالهم عن شرع خالقهم، فكانت نتيجتهم أنهم عبدة لآلهتهم التي هي شهواتهم الدنيوية الحقيرة، والتي دفعتهم في موجات ظلم متراكمة متراكبة لقتل النفس التي حرم الله، وسلب الأوطان، واغتصاب الأعراض والحقوق بكافة أنواعها.
كم نكل بالشعب
الفلسطيني وهو يزأر ويثور منذ عام 1920 على المعتدي الباغي، وذلك وفي عصرنا الحديث منذ محاولاتهم سرقة فلسطين من يد أمتها ومرورا بثورة البراق في عام 1929 والتي نحن في أمس حاجة لتذكرها دوما، عندما قام الصهاينة المارقون بمسيرة تنادي "الحائط لنا" وهم تحت حماية المستعمر البريطاني.
هنالك إخوة لنا قاموا بثورة البراق، وخطيب المسجد الأقصى آنذاك الشيخ حسن أبو السعود يشحذ الهمم، فامتدت ثورتهم من الخليل وبئر السبع جنوبا إلى صفد شمالا.
استشهد من الفلسطينيين (نحتسبهم عند الله) 116 وهم يدافعون عن حرمة أقصاهم وإنسانيتهم، وقتل من المارقين المعتدين 133، ولكن المستعمر البريطاني وسلطة انتدابه نفذت حكم الإعدام في سجن القلعة في مدينة عكا في ثلاثة من خيرة رجال فلسطين، نذكرهم وتذكرهم الأجيال: فمن مدينة صفد فؤاد حسن حجازي الذي تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت، ومن مدينة خليل الرحمن: محمد خليل جمجوم وعطا أحمد الزير. هؤلاء قيل فيهم شعر وأناشيد لا ننساها، لله درهم شباب في عزهم وفتوتهم وقمة علمهم مثل فؤاد حسن حجازي وإخوانه.
هؤلاء ثلاثة قدموا أرواحهم ومن قبلهم وبعدهم فداء للأقصى الذي هو جزء من عقيدتهم وحبهم لتراب فلسطين…
هؤلاء هم فتية فلسطين الأمس، يصلون الجسور مع فتية فلسطين اليوم وفتية فلسطين المستقبل…
واليوم نسأل وبعد كل جرائم الصهيونية والإبادات الجماعية والعزل العنصري وجدرانهم البائسة وإنشاء دولتهم المزعومة والنكبات التي حلت وتحل بالشعب الفلسطيني: هل تغير المشهد في فلسطين؟ لم ولن يتنازل المرابطون عن الأقصى وكل فلسطين لا 1948 ولا 1967 ولا تبعات طبخات أسلو البغيضة ولا نقصد بالطبع مدينة أسلو.
وسوريا الشهباء في بلاد الشام وفلسطين جزء منها .. هناك من فلسطين غربا لها تمتد إليها دوائر الأرض المباركة، تلك الدوائر التي تتسع في أقطارها من حول المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
هناك من دمشق أقدم مدينة في العالم (كما يؤرخ لها) وإلى الشام كان إيلاف قريش في رحلتيهم صيفا وشتاء، كم تعاقبت عليها امبراطوريات قبل الفتح الإسلامي فالدولة الأموية ومن ثم الدولة العباسية ومرورا إلى
سوريا العثمانية ومن ثم الحرب العالمية الأولى والاستعمار الفرنسي حتى استقلال سوريا عام 1946، تعاقب سلب حريات الشعب السوري ليبتلى كما ابتليت شعوب كثيرة بنظام جمهوري في شكله وليس جمهوريا في واقعه، يورث الحكم لطائفة معينة.
ولكن الشعب السوري ثار على الظلم والبطش والتنكيل، وكان من البديهي أن من يتشدقون بالثورات الروحانيه أن تمتد سيوفهم وأيدي حزبهم إلى أعناق الظالم وتستأصل الظلم وتنتصر للمظلوم، فإذا بفيالقهم تتحرك وسيوفهم تمتد لأعناق المظلومين والمكلومين، في نفس الوقت الذي يغذي الخارجون عن شرع الله لتفتيت وحدة سوريا، في شريعة الدين الإسلامي منها براء.
وبعدما استأمن من يهمهم مصلحة الصهاينة بما يحدث ليزدادوا في توفير أمنهم، فقد تركوا الشعب السوري ينزف جراحه ويفقد أبناءه قتلا وغرقا واغتصابا وانتزاعا لحقوقه. ولكنها حرب مصالح تأمر من الغرب مع بعض أعداء الشرق فتكالبوا على قصعة سوريا، ونحن نرى روسيا تعيث بطائراتها الحربية في سماء سوريا وفي أجل مهماتها حماية النظام الذي فتك بأكثر من ربع مليون من شعبه.
وهنا لا نشخص من عندنا، ولكننا نذكر ما حدث قبل أيام في استجواب للكونغرس الأمريكي من قبل السيناتور ليندزي غراهام، عندما أجبر وزير الدفاع الأمريكي ورئيس أركانه الاعتراف بأخطر أمرين يخصان قتل الإنسانية في سوريا الحبيبة، ذلك وهم يتركون الروس في المشهد يلوثون عبثا في أرواح الأبرياء في نصرتهم لمن ظلمهم عقودا.
ذلك المشهد في الكونغرس الأمريكي بحضاريته مع إنكارنا ازدواجيتهم مع الدولة المارقة الصهيونيه، كنا وتمنينا أن نرى مشهدا مماثلا في برلمانات عربية تمثل شعوبها حقا، وتعرف للحوار أصوله مع احترامنا للشخوص والأمثلة الجيدة من البرلمانات الأمينة، ولا نزكي على الله منها أحدا أبدا.
وفي مشهد يتداعى فيه ما كنا نعهده ولو كان في قليله أضعف الإيمان، نرى الشقيقة الكبرى مصر تصوت لصالح عضوية الدولة الصهيونية المزعومة في لجنة الاستخدامات السلميه للفضاء الخارجي التابعة للأمم المتحده في تأييد 117 دولة وامتناع 21 دولة عن التصويت، بينما الدولة الوحيدة التي عارضت منح صوتها هي ناميبيا.
بالطبع لا نصاب بالذهول فيمن يعطي صوته لدولة مارقة وقد تعطلت في بلاده مقاصد الشريعة الخمسة بسبب طغيانه وظلمه، أي استخدامات سلمية للفضاء الخارجي تعطى فيه عضوية لدولة مارقة أزهقت أرواح البشر وأتت على الشجر والحجر والدواب.
إنه النفاق العالمي المبني على أساس المصالح والأولويات في السياسات الغربية، ولا نتهم الشعوب الغربية فمنها أناس عندهم أخلاق ومبادئ نجلها ونحترمهم ونشهد لهم رفضهم الظلم لأمتنا.
المشهد الفلسطيني يتسع في توافقه بين ظلم ذوي القربى وبين بطش الصهاينة المعتدين ومن والاهم ومن يستمد قوته وبغيه منهم …
والمشهد السوري يتفق في تباينه بين ظلم ذوي القربى وأعوانهم وبين تكالب مصالح المعتدين من الغرب وأطماع الطائفيين من الشرق …
ولكننا قوم اليأس ليس هو منحانا، فاليأس صنوان الموت ونحن قوم نحيا بموتنا في سبيل الله ذودا عن مقدساتنا وكرامتنا وأعراضنا …
المشهد في فلسطين يمتد منذ 1920 ليتصل بالمشهد في سوريا الشهباء ثورة بلا حدود ضد الظلم والبغي. فتية فلسطين .. نساء فلسطين المرابطات حول المسجد الأقصى يمدون جسور الأمل لفتيان سوريا ونساءها العفيفات الطاهرات، فتكون جسور الملحمة التي هي مبضع العودة للوراء، لا للظلم، ولا للبغي، ولا للحقد الطائفي البغيض.
حفظ الله لنا فتية ونسوة فلسطين المباركة وسورية الشهباء، وأفرغ عليهم صبرا ورباطا فيكونوا هم المفلحون جميعا .. اللهم أمين.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي عربي21