بدأت
الجماعة الإسلامية في لبنان (وهي أحد تنظيمات
الإخوان المسلمين في العالم العربي) الانتخابات التنظيمية الداخلية، تمهيدا لانتخاب قيادة جديدة تتولى إدارة الجماعة في السنوات الثلاث المقبلة، وسيتم اختيار أمين عام جديد للجماعة بديلا عن الأمين العام الحالي الأستاذ إبراهيم
المصري الذي تولى قيادة الجماعة في السنوات الأخيرة بعد رحيل أمينها العام السابق الشيخ فيصل المولوي..
وينص النظام الداخلي للجماعة بأنه لا يحق للأمين العام ولبقية القياديين الأساسيين الاستمرار في مهامهم لأكثر من ولايتين، وفي هذا الإطار يصر الأمين العام الحالي على ضرورة انتخاب قيادة جديدة للجماعة وعدم الاستجابة للعديد من المناشدات والمطالبات بالاستمرار في موقعه من خلال تعديل النظام الداخلي، ونظرا لأهمية دوره في قيادة الجماعة في هذه المرحلة.
إن إصرار الجماعة الإسلامية في لبنان على إجراء الانتخابات التنظيمية الداخلية، يؤكد التزام الجماعة باعتماد الخيار الديمقراطي الداخلي وتطبيق القوانين واللوائح النظامية المعتمدة في إطار الشفافية التي تلتزم بها الجماعة في عملها السياسي والفكري والتنظيمي في لبنان.
وتأتي أهمية هذه الانتخابات كونها ستؤدي لاختيار قيادة جديدة بديلة عن الشخصيات التاريخية التي ساهمت في تأسيس الجماعة قبل حوالي الخمسين عاما، وتولى قيادة الجماعة خلال هذه المرحلة ثلاث شخصيات تاريخية ساهمت في تأسيس الجماعة، وهذه الشخصيات هي: المرحوم الدكتور فتحي يكن، والمرحوم العلامة القاضي الشيخ فيصل المولوي، والأستاذ إبراهيم المصري وهو الأمين العام الحالي للجماعة. وهذه الشخصيات تعدّ من أبرز قيادات الإخوان المسلمين في لبنان والعالم العربي والإسلامي وهي معروفة عالميا، وكان لها بصمات مهمة على الأصعدة الفكرية والإعلامية والسياسية والفقهية والتنظيمية في الحركة الإسلامية.
وهناك شخصيات عدة مرشحة لتولي قيادة الجماعة في المرحلة المقبلة، ومنها رئيس المكتب السياسي الحالي الأستاذ عزام الأيوبي ورئيس مجلس الشورى الحالي الشيخ محمد عمار، ورئيس هيئة علماء المسلمين ومسؤول الدعوة والتبليغ الشيخ أحمد العمري، والنائب الدكتور عماد الحوت، ورئيس المكتب السياسي الأسبق النائب السابق أسعد هرموش، ونائب الأمين العام الحالي الأستاذ مصطفى خير، إضافة لطرح أسماء أخرى من غير الأسماء القيادية المعروفة.
لكن مصادر قيادية في الجماعة، تؤكد أن التحديات التي تواجهها الحماعة اليوم لا تتعلق فقط باختيار قيادة جديدة لإدارة المرحلة المقبلة، بل بإعادة تقييم كل سياسات الجماعة للمراحل السابقة ووضع رؤية جديدة وسياسات واستراتيجيات جديدة للجماعة من خلال إعادة قراءة التطورات والمتغيرات السياسية في لبنان والمنطقة.
وتوضح المصادر، أن قيادة الجماعة الحالية بنت سياساتها واستراتيجيتها على ضوء التطورات التي حصلت بعد الربيع العربي، لا سيما ما جرى في تونس ومصر وسوريا، وكانت تتوقع أن يشهد العمل الإسلامي متغيرات هامة بعد وصول القوى والتيارات الإسلامية إلى الحكم، لا سيما في مصر وتونس واحتمال سقوط النظام السوري الحالي، وانعكاس كل ذلك على وضع الجماعة في لبنان..
لكن التغيرات السريعة في المنطقة، خصوصا إسقاط حكم الإخوان في مصر، وتراجع دور حركة النهضة في تونس، واضطرارها إلى التكيف مع الوضع الجديد في البلاد، واستمرار الأزمة السورية، وعدم سقوط نظام الرئيس بشار الأسد والحملة التي تتعرض لها حركات الإخوان في المنطقة، وتزايد دور التيارات السلفية والمجموعات الإسلامية المتطرفة وصعود دور تنظيم داعش، وانتشار الصراعات المذهبية والطائفية في المنطقة.
كل هذه التطورات كانت ولا زالت تتطلب من الجماعة الإسلامية في لبنان وبقية القوى والحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، لا سيما تلك المرتبطة بحركات الإخوان المسلمين، أن تضع رؤى واستراتيجيات جديدة لمواجهة تلك التحديات والجماعة اليوم، مطالبة بإعادة دراسة كل هذه التطورات والمتغيرات، ووضع استراتيجية جديدة تتلاءم مع المتغيرات الحاصلة، وتواكب انتخابات قيادة جديدة من غير القيادات التاريخية.
فهل ستنجح الجماعة في الامتحان الجديد أم إنه سيؤدي غياب القيادات التاريخية عن مسرح العمل الإسلامي إلى تراجع جديد في دور الجماعة في لبنان والمنطقة؟