خلص تقرير في معهد واشنطن للدراسات إلى عدة تحديات تمر فيها مصر بعد سنتين على الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، أهمها انتشار "الإرهاب في سيناء"، والاضطراب في ليبيا، فضلا عن الاستفادة من أموال دول الخليج العربي، و"تشجيع المزيد من التعاون بين إسرائيل ومصر".
وقال ديفيد شينكر، وهو مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، إنه "ليس هناك شك أن مصر تقع وسط جوار متوتر. فإلى الغرب تقع دولة ليبيا التي تعاني من الفشل، وإلى الجنوب دولة السودان التي تعاني الأمر نفسه. أما إلى الشرق، فتواجه مصر التمرد المتنامي في سيناء".
وأضاف أنه من نواح عديدة، "يبدو أن مصر لا تتخذ حتى الخطوات الأكثر وضوحا والضرورية لتأمين الدولة بصورة أفضل. ونرى أنه على الرغم من أن مصر تشكو باستمرار من الأسلحة المتدفقة من ليبيا، إلا أنها لم تعط الأولوية لتمويل تدابير الأمن الحدودية على تلك الحدود".
وبين أن قدرات مصر على مكافحة الإرهاب على الصعيد المحلي تفتقر إلى القوة؛ إذ انبثقت "مديرية المخابرات العامة" عن ثورة عام 2011 في ظل دولة ضعيفة، ولم تتعافَ حتى الآن على ما يبدو.
وقال إن التحديات الأمنية التي تواجهها مصر هائلة، وفي الوقت الحاضر ليست القاهرة على مستوى هذه المهمة. ونظرا إلى تدهور الوضع الإقليمي، ينبغي أن يشكل استمرار الاستقرار والأمن في مصر أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. ففي هذا السياق باستطاعة واشنطن، بالتعاون مع القاهرة، اتخاذ العديد من الخطوات للمساعدة على تخفيف حدة هذه التهديدات. ويمكن أن تشمل هذه الخطوات ما يلي:
التدريب على مكافحة الإرهاب
يقول المعهد إن مصر بعد الحصول على موافقة إسرائيل، نشرت آلاف الجنود وعشرات العربات المدرعة والدبابات والمروحيات والطائرات ذات الأجنحة الثابتة في سيناء، لمحاربة التمرد. ولكن النهج العسكري البحت، الذي تعتمده مصر، والذي يفتقر إلى البراعة لم ينجح، ومن غير المرجح أن ينجح. فالموضوع ليس مشكلة القوى العاملة، بل مشكلة في التكتيكات.
تطوير سيناء
ويرى تقرير المعهد أن نهج مكافحة التمرد الذي تعتمده سيناء يتمتع ببعد واحد، "ولكن حملات مكافحة التمرد الناجحة تتمتع بجانب مدني وآخر عسكري على حد سواء".
وبين أنه لم تبدأ المشكلات في سيناء مع بروز تنظيم الدولة. فالمنطقة مهمشة، وتعاني من نقص في الخدمات منذ فترة طويلة، وهي غير راضية عن أداء القاهرة تجاهها.
وأضاف قائلا: "لم يؤدِ وصول تنظيمي القاعدة وداعش وانهيار الروابط القبلية التقليدية، سوى إلى تفاقم الوضع، كما ويبدو أن الأضرار المدنية الجانبية التي تسبب بها الجيش تزيد الأمور سوءا. وفي ظل غياب الفرص الاقتصادية والتعليمية، ستستمر سيناء في كونها أرضا خصبة لتجنيد الجهاديين. وإلى جانب محاربة التمرد، يجب على واشنطن أن تتعاون مع القاهرة وغيرها من الشركاء الإقليميين للاستثمار في سيناء، في إطار يتخطى فنادق شرم الشيخ".
الاستفادة من الخليج
وأوضح المعهد أنه "لم تحقق واشنطن نجاحا يُذكر في تحفيز التحسينات في الحوكمة المصرية أو التعديلات على التكتيكات العسكرية من خلال تكييف مساعداتها المالية مع ذلك".
ولفت إلى أنه "من الممكن أن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج -أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والتي تلتزم حاليا بتغطية ميزانية مصر- سيكونون أكثر حظا في الضغط على القاهرة؛ لمنح الأولوية للتنمية الاقتصادية في سيناء، واعتماد التقنيات الحديثة في مكافحة التمرد؛ لذا على الإدارة الأمريكية التعامل مع حلفائها في الخليج العربي للمساعدة في إقناع مصر بالحكمة الكامنة وراء هاتين المبادرتين".
تأمين الحدود مع ليبيا
وبين المعهد أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضغطت على مصر لإعادة برمجة نسبة من حصتها من التمويل العسكري الخارجي السنوي التي تبلغ 1.3 مليار دولار؛ لنشر تجهيزات وأنظمة للمساعدة على تعزيز تأمين الحدود الطويلة والخطرة، التي يسهل اختراقها بين مصر وليبيا.
"لا أن موقف مصر حتى الآن تجلى بالرفض. إن تعلق مصر الرجعي بالأنظمة باهظة الثمن، مثل طائرات "إف- 16" ودبابات "إم1 إي 1" وصواريخ "هاربون"، مع منفعة هامشية فقط في بيئة التهديد الحالية يقوّض أمن الدولة. وفي هذا السياق، لا تبرز رغبة تُذكر في الكونغرس لزيادة التمويل العسكري الخارجي السنوي لمصر، الذي يبلغ 1.3 مليار دولار.
لذا، على واشنطن أن تفعل ما بوسعها من أجل التودد إلى مصر المتسمة بالتعنت لتخصيص موارد مالية لبالونات المنطاد، وأنظمة "C4ISR"، وحتى طائرات مروحية من طراز "بلاك هوك" للاستجابة السريعة للقوات على التهديدات.
زيادة الدعم المالي
وقال المعهد إنه سيكون من الصعب إقناع مصر بالحد من شراء أنظمة الأسلحة المكلفة للغاية. وإذا سمحت نسبة الوضوح المتاحة، ربما يمكن لواشنطن أن تشجع القاهرة على القيام بذلك من خلال بيعها أنظمة أسلحة أخرى ذات قيمة عالية/هيبة عالية، بما في ذلك الطائرات المسلحة من دون طيار، التي ستفيد العمليات على طول الحدود الليبية وفي سيناء.
تعزيز الحوار حول ليبيا
يبرز اختلاف كامل بين القاهرة وواشنطن حول ليبيا. فواشنطن تدعم المحادثات بين الفصائل الليبية، التي ترى القاهرة أن لا فرصة لها في النجاح. وترى مصر أن مليشيا "عملية الكرامة" التابعة للجنرال الليبي خليفة حفتر هي القوة العسكرية المحلية الأكثر اعتدالا، التي تستحق الدعم من العتاد.
وفي السنوات الأخيرة، اتخذت مصر مرتين تدابير عسكرية في ليبيا ضد تنظيم الدولة من دون إعلام واشنطن أولا. وبالتالي، فإن زيادة في الفهم، وربما التنسيق، حول ليبيا، قد تؤدي بالطبع إلى زيادة فعالية التدابير، وخاصة من حيث تبادل المعلومات الاستخباراتية في المستقبل.
تشجيع المزيد من التعاون بين إسرائيل ومصر
يقول المعهد إنه في آب/ أغسطس 2013، أفادت بعض التقارير بأن طائرة إسرائيلية من دون طيار كانت تعمل في المجال الجوي المصري بإذن من السلطات المصرية، قتلت خمسة من المقاتلين الإسلاميين في شبه الجزيرة. إن التعاون الهادئ بين إسرائيل ومصر في سيناء هو من النقاط المضيئة القليلة في المنطقة، لكنها رغم ذلك لا تزال حساسة.
وبين أن إسرائيل تمتلك قدرات استخباراتية وحركية متقدمة لمساعدة مصر في عمليات مكافحة التمرد في سيناء. وبالتالي، يجب أن تستمر الولايات المتحدة في تشجيع هذا التعاون، وحث
السيسي على تعميقه من أعلى المستويات إلى مستويات العمل الفعلي.
تحسين أمن المطارات المصرية
على الرغم من إحجام القاهرة عن الاعتراف بأن قنبلة قد تكون أسقطت الطائرة الروسية فوق سيناء في تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن من مصلحة الولايات المتحدة ومصر والمجتمع الدولي كافة معالجة المخاوف بشأن أمن المطارات في مصر. وكما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن المسؤولين الأوروبيين "شكوا مرارا وتكرارا من أن الأشعة السينية وأجهزة الكشف عن المتفجرات المستخدمة لفحص الأمتعة قديمة، وتفتقر إلى الصيانة، أو أن الموظفين الذين يشغلونها غير مدربين بشكل كاف". وهذه مشكلة يمكن للدعم المالي والتقني الغربي أن يساعد على حلها، لا بل يتوجب عليه القيام بذلك.
تجنب الاستفادة من المساعدة العسكرية الأمريكية
ويقول المعهد إنه في حين لا يبدو أن مصر تأخذ مشكلة الإرهاب على محمل الجد، تشير الأدلة إلى أن إدارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعتبرها تشكل تهديدا خطيرا".
وأشار إلى أن سياسات القاهرة في مجال حقوق الإنسان تطرح إشكالية، وربما تأتي بنتائج عكسية على استقرار الدولة على المدى الطويل. بيد، إن قطع المساعدات الأمريكية لن يحسّن من تصرف القاهرة ولن يعزز العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر المشحونة أصلا.