نشرت صحيفة ميديابار الفرنسية تقريرا حول ظاهرة الاختفاء القسري في
مصر بعد الانقلاب، قالت فيه إن الأجهزة الأمنية أصبحت تعتمد كثيرا على الإيقافات العشوائية والمفاجئة، دون توجيه اتهام رسمي أو محاكمة؛ لتخويف الناس ومحو آثار كل صوت معارض لحكم العسكر.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد مرور خمس سنوات على ثورة 25 يناير، لا تخفي أطراف كثيرة من النظام الحاكم رغبتها في مسح كل آثار الثورة التي لم يرحب بها أي نظام دكتاتوري في المنطقة.
وقد كثف الجنرال عبد الفتاح السيسي في الأيام الأخيرة من تهديداته الموجهة لكل أطياف الثورة المصرية والشباب الحالم باستعادة ثورته، فيما امتنع النائب مرتضى منصور عن أداء القسم في أول جلسة للبرلمان، يوم 10 كانون الثاني/ يناير الجاري؛ لأنه "يرفض هذا الدستور الذي يشير إلى ثورة في سنة 2011".
وأضافت الصحيفة أن النظام كثف في الفترة الأخيرة حملاته ضد كافة أشكال التعبير، حيث شن حملة
اعتقالات واسعة في صفوف النشطاء اليساريين، وأغلق عدة ورشات فنية، ودور نشر، وتم سجن عدة نشطاء حقوقيين، وتعرض عدد من الباحثين للمضايقات، وواصل النظام في الوقت ذاته نفي وجود هذه الانتهاكات، والتأكيد على عدم وجود
إخفاء قسري للمعارضين.
ونقلت الصحيفة شكوى سيدة جاءت لمقر اللجنة المصرية للحقوق والحريات، وهي متشحة بالسواد، وتعلق على صدرها صورة شاب يبدو في العشرين من عمره اعتقلته أجهزة الأمن بشكل مفاجئ ثم اختفى تماما، حيث تقول: "لقد طرقوا الباب في الليل، ثم دخلوه عنوة، وكان عددهم كبيرا، وقدموا أنفسهم على أنهم من أمن الدولة، ثم سألوني عن مكان ابني محمود، فكذبت عليهم وقلت إنه ليس موجودا، ولكنهم هددوني، ثم اقتحموا الغرفة التي كان نائما فيها، وأخذوا هاتفه، وغطوا عينيه بعصابة سوداء، واقتادوه للخارج، ومنذ تلك اللحظة لم نجده، ولم تردنا عنه أي أخبار".
وذكرت الصحيفة أن محمود الذي تم اعتقاله دون أي إذن قضائي أو سبب قانوني، يمكن اعتباره فعلا في عداد المختفين، بعد أن انقطعت كل أخباره منذ 70 يوما، ما خلف حرقة كبيرة في قلب هذه الأم التي لا تفهم سبب إقدام النظام على هذه الممارسة، خاصة أن ابنها لم يكن له أي نشاط سياسي، ما يعني أن اعتقاله تم بشكل عشوائي.
كما نقلت الصحيفة عن هذه الأم قولها: "نحن فقراء وليست لدينا أي واسطة؛ ولذلك لم نجد من يدافع عنا، ولكني آمل أن يتم الإفراج عنه بعد أن يكتشفوا أن الأمر كله مبني على خطأ منذ البداية".
ونقلت الصحيفة عن مينا ثابت، مدير هذه المنظمة غير الحكومية، قوله إنه "لا أحد يعرف أين يوجد الشاب محمود، أو كيف يمكن مساعدة هذه الأم، فقد أصيب البعض بالجنون بسبب عمليات الاختفاء القسري، والأمر أصبح أسوأ مما كان عليه في عهد مبارك، كما لو أننا عدنا لحقبة جمال عبد الناصر، حين كانت الإيقافات تتم بشكل مكثف وعشوائي، حتى بات كل مواطن يخاف من ظله".
وأضاف مينا ثابت أن "أعداد الإيقافات لم يعد يتم احتسابها باليوم، بل بالساعة، وحتى هنا في مقر هذه المنظمة نتوقع أن تدخل علينا الشرطة السرية ونتعرض للإخفاء القسري في أي لحظة، وقد تعرض عدد من النشطاء في عدة جمعيات لتهديدات مختلفة بعد أن نشروا في نهاية العام المنقضي تقريرا حول سلاح الإخفاء القسري الذي يستعمله النظام العسكري لترويع معارضيه".
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن آخر تقرير للجنة المصرية للحقوق والحريات وجه اتهاما صريحا لكل الأجهزة الأمنية من جيش وشرطة باختطاف المواطنين وإخفائهم دون تقديمهم للمحاكمة أو الإفراج عنهم". وكانت بعض المنظمات الحقوقية المصرية قد أحصت 340 حالة إخفاء قسري بين شهري آب/ أغسطس وتشرين الثاني/ نوفمبر 2015، لم تشمل فقط المعارضين السياسيين، بل كل شرائح المجتمع.
كما نقلت الصحيفة عن الناشط الحقوقي محمد لطفي، قوله "إن عمليات اختطاف المواطنين وإخفائهم في سجون سرية يقوم بها أمن الدولة والمخابرات العسكرية، وهي تهدف لانتزاع اعترافات تحت التعذيب؛ بهدف اختلاق تهم وانتماءات للأشخاص المستهدفين، والهدف النهائي من كل هذا هو تلقين المواطن درسا قاسيا حتى يرتدع عن التفكير أو الخوض في المجال السياسي".
كما أوردت الصحيفة قصة الشاب "أبو بكر عاطف"، الذي توصل لمعرفة مكان والده وأخيه في أقبية النظام، في الثالث من الشهر الجاري، بفضل بعض الاتصالات والعلاقات التي يتمتع بها والده التاجر، بعد أن ظلوا مختفين لستة أشهر منذ أن جاءت الشرطة في منتصف الليل وقامت باختطافهم".
وقد اعتبر أبو بكر "أن مجرد عثوره على مكان احتجاز والده وأخيه يعد مبعثا للارتياح بالنسبة له، رغم أنه أصابهما الهزال الشديد ويعانيان من انهيار نفسي تام، ولكن هذه المأساة تعد أخف من المأساة التي يعيشها غيره".
كما نقلت الصحيفة عن محمد لطفي، اعتباره "أن تزايد الاعتقالات والاختفاء القسري في الفترة الأخيرة مؤشر على توتر الأجهزة الأمنية وخوف النظام من انتفاضة قريبة؛ لأنه يشعر بأنه فاقد للشرعية، والمشكلة الأكبر هي أن البلاد أصبحت تدور في حلقة مفرغة بين نظام لا يثق في الشعب وشعب لا يقبل بهذا النظام، وبالتالي من المستحيل في هذه الظروف أن تشهد البلاد أي تقدم اقتصادي أو أمني".