بعد قرابة ثلاثة عقود من السكون والصلاحيات الهامشية في مجلس "خبراء القيادة" في إيران، من المتوقع أن يلعب المجلس في دورته المقبلة دورا مهما وفاعلا؛ وذلك من خلال تحديده خليفة المرشد الحالي علي خامنئي.
ونشر معهد واشنطن للدراسات تقريرا تحدث فيه عن صلاحيات المجلس والأسماء المتوقعة لخلافة المرشد الأعلى الحالي.
وقال المعهد في تقريره إن "ثمانية وثمانين من آية الله الذين سيفوزون في الانتخابات البرلمانية القادمة سيشغلون مقاعدهم لمدة ثماني سنوات، ونظرا إلى عمر المرشد الأعلى علي خامنئي المتقدم (77 عاما)، يتوقع معظم المراقبين أن أعضاء "المجلس" سيواجهون التحدي المتمثل في تعيين خلف له.
وأضاف قائلا: "هذا الاحتمال يجعل الانتخابات المقبلة أكثر أهمية من المعتاد، وذلك ليس فقط بالنسبة إلى الفصائل المختلفة داخل النظام، بل أيضا بالنسبة إلى المواطنين الذين هم عادة أقل حماسة بكثير في انتخابات "مجلس خبراء القيادة" من حماستهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية".
أعضاء المجلس
في الوقت الذي لا يأتي الدستور على ذكر مؤهلات أعضاء "المجلس"، فإن الهيئة نفسها قررت قبل سنوات استبعاد شخص ليس بآية الله (المادة 108 من الدستور تسمح للمجلس بوضع التنظيمات الخاصة به، وهو حق لا يمنح لأي هيئة حكومية أخرى). كما يجب على كل عضو أن يكون "مجتهدا"، أي فقيها شيعيا درس بما يكفي للحصول على حق "الاجتهاد"، وهي القدرة الفكرية على تفسير النصوص الدينية، والتمتع برأي خاص حول الشريعة الإسلامية.
ويشير المعهد إلى أنه "يجب على كل مرشح أن يتمتع بسمعة طيبة في التمسك بالدين والأخلاق، وبوجهات نظر سياسية واجتماعية سليمة، وبإيمان قوي في جمهورية
إيران الإسلامية، وبسجل جنائي نظيف، وكان "المجلس" الثاني قد حدد جميع هذه المؤهلات في الفترة (1984-1991)".
ويضيف أن الشرط الجوهري في هذا الإطار هو "الاجتهاد". فنظرا إلى أن النظام يستمد شرعيته من آية الله الحاكم، ويعتبر أن واجبه الأسمى هو تنفيذ الشريعة، فقد حمّل "الاجتهاد" معاني ووظائف سياسية غير مسبوقة.
وعلى الرغم من السيطرة الشخصية الواسعة للمرشد الأعلى في إيران، إلا أن السلطة الدينية الشيعية ليست مركزية رسميا مثل البابوية الكاثوليكية؛ لذلك لا يمكن للحكومة أن تعتمد الحياد تجاه المؤهلات الدينية والقانونية لأولئك الذين قد يرغبون في تولي مناصب حكومية أو التأثير على عملية صناعة القرار والرأي العام.
وبالتالي، يقول المعد "إن "مجلس صيانة الدستور" -وهو هيئة أصغر بكثير تتألف من اثني عشر عضوا معينا بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل
المرشد الأعلى وتتمتع بصلاحيات واسعة النطاق- أُعطي مسؤولية رصد المؤهلات الدينية للمرشحين للانتخابات البرلمانية وانتخابات "مجلس خبراء القيادة"، ويعني ذلك أن على الأفراد الذين يرغبون في لعب دور في الحكومة باستخدام مؤهلاتهم الدينية أن يلبوا معايير سلطات النظام، حتى لو كانوا معروفين جيدا "مجتهدين" من قبل المرجعيات التقليدية الدينية".
"والعكس صحيح أيضا، فإذا كان النظام يريد السماح لرجل دين بأن يشغل منصبا محددا حصرا لآية الله، فإنه لن يتردد في استخدام الاعتبارات السياسية و"مصالح النظام" لتبرير إعلانه عن ذلك المرشح كشخص يحمل لقب آية الله، حتى ولو كان يفتقر إلى المؤهلات الدينية اللازمة والخلفية التعليمية لهذا اللقب. فحتى
خامنئي نفسه لم يكن يحمل لقب آية الله إلى حين تعيينه خلفا لروح الله الخميني".
وأشار معهد واشنطن إلى أنه "أدى هذا التدخل العميق من قبل النظام إلى إضعاف سلطة المرجعيات الدينية التقليدية، وشوّه النظام التعليمي والتسلسل الهرمي. كما أدى إلى اصطناع فئة جديدة من حاملي لقب آية الله الذين لا يتمتعون بنفوذ اجتماعي كبير، لكنهم شقوا طريقهم من خلال الدعاية عبر وسائل الإعلام والموارد الحكومية الأخرى، فضلا عن عملية التسييس".
وتقليديا، كان حاملو لقب آية الله هم رجال الدين المبجلين على نطاق واسع في المناطق التي يقيمون فيها. وحتى إذا قرروا التعاون مع الحكومة، فهم ليسوا مدينين بسلطتهم للدولة، فقد عملوا كسلطات اجتماعية ودينية مستقلة. بيد أن تدخل النظام قد حوّل هذا التسلسل الهرمي، وخفف من أهمية "مجلس خبراء القيادة"، الذي تم محو سلطته الرسمية بالإشراف على المرشد الأعلى من الناحية العملية.
تسلط خامنئي
ويقول المعهد إنه منذ وصوله إلى السلطة في عام 1989، همش خامنئي أي شخص حامل لقب آية الله ذي مكانة جيدة من الذين قد يشككون في مؤهلاته الدينية، وقام بدلا من ذلك بتشجيع رجال الدين ذوي الرتب المتدنية الذين يعتمدون عليه وعلى أجهزة النظام للحصول على السلطة السياسية وتحقيق المكاسب المالية.
وقال إنه "عندما يفوز رجال دين مماثلين لا محالة بمقاعد في "مجلس خبراء القيادة"، فهم لا يتمتعون بقاعدة ذات قوة اجتماعية كبيرة أو مؤهلات دينية جوهرية، لذلك فإنهم يميلون إلى تجنب اتخاذ أي قرارات من شأنها أن تضر بمصالح أصحاب المصلحة في النظام أو تتعدى على سلطة خامنئي. ومن خلال تكليف "مجلس صيانة الدستور" بالتحقق باستمرار من ولاء كل مرشح له، جعل خامنئي "المجلس" عبارة عن مؤسسة تقتصر على الرسميات تدعم جميع مواقفه دون نقاش، وتضفي عليه شرعية غير مشروطة".
ونظرا إلى هذا التخفيف في الأهمية القائم منذ عقود طويلة، بالكاد يكون "المجلس" في وضع يسمح له بتحديد المرشد الأعلى القادم بشكل مستقل. وبالنسبة إلى الانتخابات المقبلة، وافق "مجلس صيانة الدستور" على 166 فقط من أصل 801 مرشحا.
وقال إن المجال العام محدود جدا؛ بحيث لن يواجه تسعة مرشحين أي تنافس على مقاعدهم، وستتمتع الأغلبية بفرصة 50 في المئة للفوز. وقد أمل "المعتدلون" الإيرانيون باستخدام نجاحهم الدبلوماسي الأخير (على سبيل المثال، الاتفاق النووي) لإجبار "مجلس صيانة الدستور" على الموافقة على مرشحيهم، لكنهم الآن في حالة من اليأس. فقد كان ترشيح حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، رمزا لرغبتهم في تغيير المعادلة في "المجلس"، والتأثير على عملية الخلافة، إلا أن عدم تمتعه بالمؤهلات اللازمة برهن عن تصميم المتشددين على المحافظة على احتكار جميع عمليات اتخاذ القرار من هذا القبيل.
المرشحون
ويقول المعهد إنه من المرجح أن تكون عملية التعيين اليوم أكثر تعقيدا من السابق.
وبالنسبة إلى الشخص الذي سيصبح المرشد الأعلى القادم، فإن التخمين محفوف بالمخاطر في هذه المرحلة؛ إذ يتردد أن مجتبى، أحد أبناء خامنئي، سيكون مرشحا محتملا، لكنه يفتقر إلى المؤهلات الدينية والسياسية؛ فقد كان مترددا في الظهور إلى العلن، وقد تشكلت سمعته بين معظم الإيرانيين بارتباطه الشهير بقوات "الباسيج" وأجهزة الاستخبارات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة النظام الثورية والمناهضة للملكية لا تشجع عملية التوريث. ولا بد من الإشارة إلى أن أي أسماء أخرى مطروحة هي أيضا محض التخمين. فما هو أكثر أهمية من هوية المرشد الأعلى القادم أو شخصيته هو أنه سيبدأ ولايته بناء على اختيار السلطات القوية، لذلك سيكون على الأرجح مدينا لـ «الحرس الثوري الإسلامي» وجهاز الاستخبارات والسلطة القضائية، أكثر مما تدين هذه الأطراف به إليه. وبعبارة أخرى، فإن أبناء خامنئي المؤسساتيين سيشكلون الإخوة المؤسساتيين الأكبر للزعيم القادم، فيحمونه وربما يسيطرون عليه أيضا.