دعا خبير السدود الدولي
المصري، أحمد عبد الخالق
الشناوي، مجلس النواب المصري، إلى وقف التصديق على إعلان مبادئ "
سد النهضة" الإثيوبي، الذي وقعه رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي مع نظيره السوداني، ورئيس الوزراء الإثيوبي في آذار/ مارس عام 2015، في العاصمة السودانية الخرطوم.
جاء ذلك في حوار للشناوي مع صحيفة "الشروق"، الأربعاء، إذ قال الشناوي إن الحل الوحيد أمام القاهرة اليوم (تجاه الأزمة) يكمن في اللجوء إلى البرلمان (المصري) -الذي لم يكن انتخب بعد عندما تم التوقيع على هذه الوثيقة- ليقوم برفض الاتفاقية، وخلق واقع سياسي جديد.
وشدد على أنه يجب ألا تكون هناك ممانعة في هذا الإجراء، مرجعها أن الرئيس (يقصد السيسي) هو من وقع على هذه الوثيقة لأن مصلحة مصر تجب كل شيء.
وقال إن ما تم توقيعه في الصيف الماضي عن اتفاقية التعاون الثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان كانت أسوأ ما تم بحق مصر، لأنه منح إثيوبيا فرصة المضي قدما بدعم دولي متزايد تقول أديس أبابا إن مصر أصبحت جزءا منه.
وأضاف: "أنا لا أعلم ما طبيعة التقارير التي رفعت للرئيس، وسمحت بالتحرك نحو خطوة التوقيع هذه، ولكن الأمر يجب أن يتم نقاشه في إطار الرأي العام".
واقترح الشناوي إجراء مناظرة علنية، مؤكدا أنه مستعد للمشاركة فيها مع الفنيين الذين يقولون إن الضرر ليس كبيرا من السد لو تم الاتفاق على ترتيبات ملء خزان سد النهضة.
ووصف خبير السدود الدولي "كارثة سد النهضة"، بأنها واحدة من أصعب التحديات التي واجهت مصر إطلاقا.
وأشار إلى أن حازم الببلاوي (أول رئيس وزراء عينه العسكر بعد الانقلاب) أطلق تصريحا كارثيا، قال فيه إن سد النهضة يمكن أن يفيد مصر.
وتابع: "ثم سمعنا تصريحات أخيرا من وزير الري الحالي، يتحدث فيها عن ثروة افتراضية من المياه الجوفية يمكن أن تكفي لزراعة أكثر من مليون فدان، وهذه كلها ترهات لا علاقة لها بالواقع"، بحسب وصفه.
الكارثة الأكبر مفاوضات لا طائل منها
وأضاف: "أما الكارثة الأكبر، فكانت في الدخول في مفاوضات لا طائل منها لمصر على الإطلاق، التي كان ينبغي أن تصر على أن تكون هناك مسارات أخرى لحصول إثيوبيا على الطاقة الكهربائية بعيدا عن بناء قنبلة موقوتة، ليس لمصر وحدها"، بحسب قوله.
واعتبر أن إهمال التنسيق مع السودان بالقدر الكافي خلال العقود الماضية كان أيضا "كارثيا"، لأنه سمح لإثيوبيا، و"في الواقع لغيرها من دول المنبع"؛ أن تجتذب السودان للتنسيق معها، بدلا من أن تنسق مع مصر بوصف البلدين أنهما بلدا المصب، على حد تعبيره.
وأردف أنه في الوقت الذي كانت مصر فيه مشغولة بالحديث مع المكاتب الاستشارية دون أي جدوى فإن السوان كان يتلقى وعودا من إثيوبيا بإمدادات كهربائية، وتعاون اقتصادي ثلاثي مع بلدان أخرى ترغب في دعم إثيوبيا وغيرها من دول حوض النيل لأغراضها الاقتصادية والسياسية.
المجلس العسكري لم يتحرك "ولا بد من المحاسبة"
واستطرد الشناوي بالقول إن التفاوض كان كارثيا من وجهين، الأول أنه منح إثيوبيا صكا مجانيا لموافقة مصر على بناء السد عوضا عما كان ينبغي أن يتم من تدويل القضية فورا، ودون تردد، والثاني أنه أدير من قبل وزارة الري عوضا على أن يتم من قبل الجهة المنوطة بالتفاوض، وهي وزارة الخارجية مدعوما بطواقم فنية وقانونية ومعلومات مخابراتية دقيقة.
وطالب الشناوي بأنه "لابد من عملية محاسبة واسعة لتحديد المقصر في هذا المجال، وعلى أن تتم محاسبة من لم يتحرك من المسؤولين فيما بعد ثورة يناير، عندما تم البدء في عملية بناء السد استغلالا لظرف الاضطراب الإداري الذي نال من البلد".
وقال: "لا أتحدث إطلاقا عن ضرورة التحرك المباشر باتجاه وقف قسري لبناء السد، ولكن أتحدث عن اللجوء فورا للتحكيم الدولي، لأن القانون الدولي لا يسمح لأي من الدول المتشاطئة على أي نهر بالقيام بإحداث تغييرات غير طبيعية دون موافقة كل الدول".
وأشار إلى أن الرئيس محمد مرسي أرسل وفدا هندسيا لمعاينة موقع بناء السد، وعندما عاد الفريق أخبروا الرئيس بأن الأرضية التي سيتم عليها تخزين المياه خلف السد هي أرضية بها الكثير من الانشقاقات، ولكن مرسي انشغل فيما بعد بالخلافات السياسية، وفق رأيه.
وفي تقدير الشناوي، فإن المشكلة الأكبر تكمن في سعي بعض المسؤولين خلال سنوات ما بعد ثورة يناير، وما بعد 30 يونيو، للتخفيف من حجم المشكلة.
إسرائيل ضالعة.. وانهياره وارد
وفي حواره، أصر الشناوي على أن إسرائيل ضالعة في تشجيع إثيوبيا على بناء هذا السد لأن الهدف النهائي منه ليس توليد الكهرباء، بحسب قراءته، ولكن الضغط على مصر لتنفيذ مشروع إسرائيلي هو الحصول على إمداد من مياه نهر النيل، فهم يدركون أن ترعة السلام لم تحقق أهدافهم، وهم مصرون على تحقيق هذا الهدف، وهو الأمر الذي يبدو واضحا للغاية من التصريح الأخير للسفير الإسرائيلي في القاهرة حول استعداد بلاده للتدخل مع إثيوبيا لإيجاد حل ما لمشكلة سد النهضة.
وفي حواره، حذّر الشناوي أيضا من أن السيناريو الكارثي هو انهيار السد وإغراق السودان وإثيوبيا وأغلب مصر.
وشدد على أن السد لا يفيد مصر إطلاقا، وأن مشكلته ليست فقط في حصة المياه، ولكن في سلامة مصر والسودان، مؤكدا أنه يجب وقف التفاوض لأنه يعطي تصديقا مجانيا لإثيوبيا بلا أي عائد لمصر، وفق قوله.
وأشار إلى أن السد سيتسبب في كارثة حتمية لمصر -في أهون الأحوال- هي نقص فادح في مياه الري لسنوات عدة متتالية، ما قد ينال من جزء كبير من الرقعة الزراعية المحدودة أصلا، كما يزيد من حالة الشح المائي الذى تعاني منه مصر إجمالا.
السيسي: محدش يتكلم عن سد النهضة دون دراسة
وكان السيسي قال في كلمة بإطلاق "رؤية مصر 2030" 23 شباط/ فبراير 2016، إنه يشارك المواطن قلقه من فقر المياه.
وأضاف: "في سد بيتعمل وهنتفق مع الناس على عدد سنين معينة عشان يحجزوا الميه".
وطالب السيسي المصريين بعدم الحديث أو الكتابة عن سد النهضة بدون دراسة، قائلا: "لو سمحتوا من فضلكوا اللي يتكلم في موضوع يبقى دارسه.. اللي عاوز يتكلم في حاجة يجيلي، وأنا اقولّه، قبل ما تتكلم خلي بالك من الكلمة اللي بتقولها عشان هتتحاسب عليها من ربنا".
وفي خطابه في مجلس النواب يوم السبت 13 شباط/ فبراير 2016، تجاهل السيسي سؤال نائب عن "سد النهضة"، إذ كرر النائب سؤاله ثلاث مرات، "سد النهضة يا ريس"، ولكن السيسي تجاهل سؤاله، ولم يرد عليه.
من هو أحمد عبد الخالق الشناوي؟
وقالت "الشروق" الدكتور مهندس أحمد عبدالخالق الشناوي، مطلع على تفاصيل التركيبة الجيولوجية لمنطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا ومصر والسودان، وتولى تصميم العديد من السدود في أفريقيا وقارات أخرى، وأمضى حياته المهنية الطويلة في العمل في تصميم وبناء السدود بداية من الهيئة الفنية لمياه النيل، التي تعد بمثابة الجهاز الفني لوزارة الموارد المائية والمعنية بالبحوث والتصميمات، كما أنه أمضى مساره الأكاديمي الطويل المستمر حتى الآن، بالإشراف على باحثي الدكتوراه في كليات الهندسة، في دراسة أنماط السدود وسبل بنائها تبعا لطبيعة الأراضي.
يشار إلى أنه مولود لواحد من أهم مهندسي الري في مصر، وهو عبد الخالق الشناوي، الذي عمل لعقود طويلة في مصر والسودان، قبل أن يكون وزيرا للري في مصر، بحسب "الشروق".