مقاربة إسرائيلية متناقضة تجاه المبادرة الفرنسية ومبادرة السيسي

على نحو غير مفاجىء رفض رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتن ياهو المبادرة الفرنسية جملة وتفصيلا، وعمل على إفشالها منذ اليوم الأول للاعلان عنها حتى البيان الهزيل الذي صدر عن مؤتمرها التمهيدي الجمعة الماضي، وعلى العكس من ذلك تعاطى نتن ياهو مع خطاب  الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي في مدينة أسيوط منذ ثلاثة أسابيع الذي يمكن تسميته مجازاً بالمبادرة بحماس واندفاع  كبيرين، تأييد المبادرة المصرية المزعومة. جاء لنفس الأسباب التي وقفت خلف رفض المبادرة الفرنسية، ولكن بشكل عكسي طبعاً.

مبدئيا ومنهجيا عبّر رفض المبادرة الفرنسية عن غطرسة وعنجهية إسرائيلية تقليدية ومعتادة، وهو يتضمن أيضاً تعالي تجاه الأطراف الدولية، وعدم استعداد وجهوزية للتوصل إلى حل نهائي، وعادل للصراع، ولو وفق الحدود الأدنى المقبولة دوليا.

المبادرة الفرنسية تضمنت على علاّتها كسراً لنمط عملية التسوية المستمر منذ مدريد -أوسلو حتى الآن، الذي شهد رعاية أمريكية حصرية منحازة للعملية مع مفاوضات ثنائية فلسطينية إسرائيلية، وصلت إلى حائط مسدود منذ سنوات طويلة، وهي أي المبادرة الفرنسية تحدثت عن مؤتمر دولي على مرحلتين لإعادة إطلاق العملية كما عن مواكبة حثيثة للمفاوضات، وضمن طواقم متعددة إقليمية دولية سياسية أمنية اقتصادية.

الورقة التي وزعتها باريس الخميس الماضى كأساس للمؤتمر التمهيدي تحدثت كذلك عن قضايا الوضع النهائي الست الحدود اللاجئين القدس الأمن المستوطنات المياه، وعن إجراء المفاوصات حولها على أساس الشرعية الدولية والقرارات ذات الصلة، كما أنها سعت ولو بشكل خجول لتحديد مرجعيات واضحة للتفاوض بما فى ذلك مبادرة السلام العربية، وهو ما رفضته وترفضه إسرائيل طوال عقود لبقاء المفاوضات دائرة في حلقة مفرغة، ولفرض ما تريد من مرجعيات ووقائع عليها.

المبادرة الفرنسية تحدثت في صيغتها الأولية كذلك عن جدول أو جداول زمنية محددة فيما يتعلق بالمفاوضات، حتى تهديد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حالة فشل المفاوضات وطبعاً في هذه الحالة  قد يخلق زخم سياسي دولي يسمح بإعادة القضية إلى مجلس الأمن. إما لاستصدار قرار يحدد معالم الحل بشكل تفصيلي أو لرفع مكانة فلسطين إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
من نافل القول الإشارة إلى أن المبادرة الفرنسية تحدثت عن تسوية وفق الحدود الدنيا، مع الأخذ بعين الاعتبار للوقائع التي فرضتها إسرائيل، وهي قبلت طبعاً فكرة تبادل الأراضي والقدس عاصمة للدولتين مع حديث ضبابى وعام عن قضية اللاجئين ووضع  مبدأ العدالة للفلسطينيين مقابل الأمن للإسرائيليين، وهي المعادلة الخاطئة غير النزيهة التي نجحت الدولة العبرية في فرضها على أجندة النقاش الدولى تجاه القضية الفلسطينية  من جهة وترفض تطبيقها على أرض الواقع من جهة أخرى فى ظل طروحات واسعة لا متناهية لمنظورها الأمنى العنصرى والمتعالى.

لهذه الأسباب مجتمعة رفضت إسرائيل المباردة الفرنسية، وعملت على إفشالها وبتنسيق تام مع الإدارة الأمريكية ومع عواصم غربية أخرى و ومع غياب وزراء خارجية بريطانيا المانيا وروسيا-الحليفة الجديدة لتل أبيب حضر وزير الخارجية الامريكى جون كيرى لضبط النقاش ضمن السقف المسموح امريكيا واسرائليا ما  تبدي بالبيان الهزيل مسحوب الدسم الذي صدر عن مؤتمر الجمعة الماضية، وتحدث عن حل الدولتين بشكل عام دون مرجعيات واضحة ودون سقف زمني ودون جداول أو أجندة تفاوضية محددة والذى إعتبر فى تل اسرائيل انجاز سياسى وديبلوماسى كبير وضربة قوية لجوهر المسعى الفرنسى وتشكيك فى جدوى وحتى احتمال عقد مؤتمر اخر أرفع مستوى قبل نهاية العام الجارى لاطلاق المفاوضات الثنائية الفلسطينية الاسرائلية بشكل رسمى و برعاية دولية واقليمية حثيثة.

في المقابل دعم نتن باهو بحماس مبادرة السيسي المزعومة والضبابية لأنها خلت من كل ما تضمنته المبادرة الفرنسية، ناهيك عن أنها جرت أساساً بتنسيق تام بين الجانبين وبعد وساطة نشطة من مبعوث اللجنة الرباعية السابق الفاشل توني بلير والباحث عن التواجد في دائرة الضوء بكل الوسائل وأى كان الثمن.

مبادرة السيسي هدفت أساساً إلى خدمة نتن باهو في سياق سعيه لتوسيع ائتلافه الحكومي، وجعله أكثر استقراراً، ورغم الصفعة المدوية التي تلقاها الرئيس المصري مع إدخال اليمينى المتطرف أفيغدور ليبرمان بدلاً من  المتطرف اسحق هيرتزوغ إلا أن السيسي تصرف وكأن لا شيء حدث، وكأن بصفقة نتن ياهو ليست سوى مطر نازل من السماء.

مبادرة السيسي الوهمية خلت من المرجعيات السقف الزمني والهدف المحدد للتفاوض، وهى تحدثت عن عملية فضفاضة هلامية من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي  وهو أبدى  كذلك إستعداداً للوساطة في العملية، وحتى لتقديم الضمانات للدولة لعبرية، رغم أنها الطرف الأقوى على الأرض والقوة القائمة بالاحتلال.

غير أن أخطر ما في الخطاب المبادرة كان تبنيه الضمني لما يوصف إسرائيلياً بالسلام الإقليمي، المتضمن فى ثناياه عقد مؤتمر سلام إقليمي بمشاركة دول عربية يطلق مفاوضات فلسطينية إسرائيلية ثنائية دون ضمانات جدية ودون سقف زمني محدد ويسمح في نفس الوقت بتطبيع عربي إسرائيلي وتعديل المبادرة العربية شكلاً ومضمونا أي في الجوهر كما في الجدول الزمني الذي يربط التطبيع بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة كما بالتوصل إلى  اتفاق سلام نهائي يتضمن دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس مع حل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار الأممي 194.

عموما لا إحتمال جدى لنجاح المبادرتين الفرنسية والمصرية الأولى لانها بلا أنياب ولان واشنطن غير متحمسة لها ولأن الظروف الاقليمية والدولية تبدو غير مؤاتية –حتى موسكو غير متحمسة لها وتبدو اقرب الى وجهة النظر الاسرائلية-  ولأن تل ابيب غير مستعدة للتجاوب معها ولا القبول برعاية دولية للمفاوضات باى حال من الاحوال ، أما مبادرة السيسى فهى مرتبطة اساساً بالسياقين المصرى والاسرائيلى كون الجنرال يبحث عن شرعية ما فى الخارج لتعويض تاكل وانهيار شعبيته فى الداخل، وعن دعم اسرائيلى وغربى لنظامه المتداعى ، بينما يسعى نتن ياهو لتقوية نفسه وتمتين مكانته الداخلية كما لحرف الانتباه عن الجوهر الفلسطينى باتجاه التطبيع وحتى اتصالات وتفاهمات ما مع الدول العربية تنزع من المبادرة العربية مضمونها وروحها لصالح شكلها واطارها أما الرئيس محمود عباس-على ضعفه استبداده وفساده-  فيبدو غير جاهز لتغطية السلام الاقليمى الوهمى على حساب الحق او المطلب الفلسطينى بحده الادنى ، وحتى لو تم تغيير القيادة الفلسطينية فثمة شك كبير أن ينجح خليفته حتى لو كان  هذا الجنرال دحلان عراب الغد الفلسطينى المزعوم المدعوم مصريا واسرائيليا وعربيا في تمرير ما رفضه أبو مازن و الشهيد ابو عمار من قبله.
 
• كاتب فلسطيني