نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمراسلتها كاثرين فيليب، من عامرية
الفلوجة، حيث التقت مع نساء يحملن أوراقا مكتوبا عليها أسماء أبنائهن الذين اختفوا، ويطلبن المساعدة باكيات.
وتقول الكاتبة إن "شهرا مضى منذ آخر مرة شاهدت فيها نساء الصقلاوية أبناءهن، ففي اليوم الذي انتهت فيه المعركة ضد
تنظيم الدولة في هذه البلدة القريبة من الفلوجة، علا صوت مكبرات الصوت، وطلب من سكان البلدة مغادرة بيوتهم، والمشي باتجاه القوات
العراقية، ولم تكن القوات جنودا، بل كانت مليشيات قامت بفصل الرجال والشباب، وأخذهم بعيدا".
وتضيف فيليب أنه "في الوقت الذي عاد فيه البعض وكانت على أجسادهم آثار التعذيب والضرب، إلا أن هناك المئات لا يزالون في عداد المفقودين، ويخشى أنهم ماتوا على يد عناصر المليشيات الشيعية، التي تقوم بالانتقام من السنة، بعد السيطرة على مدينة الفلوجة، حيث قال حسين عطا الله إن تسعة من أبناء عشيرته المحمدة قتلوا أمام ناظريه، قبل أن يفقد الوعي في مركز صناعي حشد فيه مع أبناء عشيرته".
وتتابع الكاتبة قائلة: "لقد غادروا بيوتهم يحملون الراية البيضاء، ومشوا باتجاه الحواجز العسكرية، ليجدوا أمامهم عناصر المليشيات يرفعون الرايات الصفراء، حيث كان هؤلاء من عناصر كتائب حزب الله الشيعية، الذين جندوا للقتال في الفلوجة، رغم الأدلة المتزايدة على القمع والقتل والانتهاكات التي مارسوها ضد السنة في مدن أخرى، مثل تكريت".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن عطا الله لم يكن يعرف هوية هؤلاء، لكنهم صرخوا عليه وعلى من كانوا معه قائلين لهم: "أنتم دواعش"، وانهالوا عليهم بالضرب، وقالوا إن هذا انتقام لرجالنا الذين قتلتموهم في تكريت، في إشارة إلى "كامب سبايكر"، الذي قتل فيه تنظيم الدولة أكثر من 1300 مجند قبل عامين.
وتذكر الصحيفة أنه عندما استعاد عطا لله وعيه، وجد الجلاد يقلع شعر صدره بمقص للإسلاك الحديدية، وقال إن من يطلب الرحمة يعذب أكثر، وأضاف: "لم أقل شيئا، لكن الدموع سالت على وجهي"، لافتة إلى أن الرجال نقلوا في شاحنة مرة أخرى، حيث انضمت عناصر مليشيا جديدة، وشاركت في الضرب، وشاهد عطا الله شخصين ينهاران أمامه ويموتان في الشاحنة، ونجا عندما وصل مسؤول في محافظة الأنبار، وطلب نقلهم إلى سجن عامرية الفلوجة، وقبل ذلك تم توزيع عدد منهم على ثلاث مجموعات، حيث نقلوا إلى معسكرات المليشيات، ولم يُر أحد منهم بعد ذلك.
وتنقل فيليب عن الأمم المتحدة قولها إن هناك 900 شخص لا يزالون مفقودين، وإن 50 شخصا قتلوا، مشيرة إلى أن لدى محافظة الأنبار قائمة بـ 643 شخصا مفقودا و47 شخصا قتلوا، حيث يقول دلف الكبيسي، وهو أحد أعضاء مجلس المحافظة: "هؤلاء الأشخاص الذين نعرف عنهم"، مستدركا بأن "العدد الحقيقي ربما كان أكبر من ذلك".
ويلفت التقرير إلى أن بعض الرجال ظهروا هذا الأسبوع، حيث بكت عبير عطا الله عندما شاهدت شقيقها حسين، الذي مشى يعرج نحو المعسكر ويعاني من جراحه، مشيرا إلى أنه أفرج عنه من سجن عامرية الفلوجة، بعدما ثبت أن لا علاقة له بتنظيم الدولة.
وتكشف الصحيفة عن أن ماجد الدبان، الذي عانى من جراح بليغة، وصل المخيم، وانهار بعد ساعتين من وصوله وفارق الحياة، لافتة إلى أنه لم يصل عدد آخر من الرجال، خاصة أن المليشيات أقامت نقاط تفتيش، وربما اعتقلت من أفرج عنهم مرة أخرى، وقال عطا الله إن 21 من أقاربه "لا يزالون مفقودين، وشقيقي من بينهم، وأعتقد أنهم موتى، وأدعو الله أن يكونوا على قيد الحياة".
وتنوه الكاتبة إلى أن معظم المعتقلين ينتمون إلى عشيرة المحمدة، وهي فرع من قبيلة الدليمي، التي ينظر إليها نظرة شك من المليشيات الشيعية؛ كونها جزءا من التمرد ضد الدولة، مشيرة إلى أن الفلوجة تعد مركزا للمقاومة ضد الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003، وهاجمها المارينز مرتين في عام 2004، لكن المليشيات الشيعية تعدها مركزا "للإرهاب"، حيث قال أحد قادة عصائب الحق في شريط فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن الفلوجة تعد مركزا للإرهاب منذ عام 2004.
ويورد التقرير نقلا عن سكان الفلوجة الذين فروا إلى المخميات، قولهم إنهم لم يتعاطفوا مع تنظيم الدولة، الذي احتل مدينتهم منذ عام 2014، وإنهم أجبروا على البقاء بعدما هدد التنظيم بقتل أقاربهم، وتدمير ممتلكاتهم أو مصادرتها، ويقول عطا الله: "كنا خائفين ونتأهب للخروج، حتى بدأت مكبرات الصوت بالنداء، وقالوا إننا سنكون آمنين، وتبين أنها مصيدة".
وتنقل الصحيفة عن مفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الأمير رعد بن الحسين، قوله إن اختفاء رجال الفلوجة مثير للقلق "في ضوء التلميحات إلى أنه انتقام لمذبحة سبايكر"، حيث لم تجب الحكومة عن أسئلة تقدمت بها منظمات حقوق الإنسان، خاصة أن الحكومة أمرت بتحقيق في الانتهاكات، ولا يوجد ما يؤكد أن التحقيق جار.
وتورد فيليب نقلا عن المتحدث باسم كتائب حزب الله جعفر الحسيني، نفيه الاتهامات قائلا إنها كاذبة، وإنها "تهدف للانتقام منا؛ لأننا قاتلنا تنظيم الدولة".
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن سكان المخيمات ينتظرون بصبر وقلق عودة المفقودين، حيث قال إمام جاسم: "لم يسجل أحد أسماء أعزائنا"، الذين كتبت أسماؤهم على الورق الذي مزق من دفاتر تمارين الأطفال، أو أي شيء يكتب عليه، وقالت امرأة: "من فضلكم خذوا أسماءهم وساعدونا على العثور عليهم".