ارتبطت تجارة العملة أو تاجر العملة بوظيفة سيئة السمعة لدى الحكومة
المصرية، فقبيل السماح لهم بإنشاء شركات الصرافة كانت الحكومة تشن عليهم حملات إغارة على أنشطتهم ومصادرة أموالهم حتى بدأت الحكومة بتطبيق برنامج صندوق النقد الدولي الذي اشترط دمج تجار العملة داخل سوق الصرف حتى يكون هناك سعر واحد لعملات النقد الأجنبي وقد كان ابتداء من أيار/ مايو 1990 أي من قرابة ربع قرن السماح لهذه الشركات في المتاجرة بالنقد الأجنبي على أن تورد الحصيلة للبنك المركزي.
في الأسبوع الماضي اجتمعت مصادفة مع أحد تجار العملة في مصر، وقد قال كلاما في غاية الصراحة والخطورة، يعكس بما لا يدع مجالا للشك مدى التدهور الحاد في النشاط
الاقتصادي..
أولها، أن الشركات الكبيرة والاستثمارية في مصر تتعامل مباشرة مع تجار العملة أو شركات الصرافة لتدبير النقد الأجنبي، مثل شركات الحديد والصلب كشركة حديد عز أو شركات العربي أ و شركات الأسمدة، وهو ما يعني أن هذه الشركات عاجزة عن تدبير مواردها من الدولار وهو ما يعني أن الشركات الكبرى تسعى بكل ما تملك للاستحواذ على الدولار باي طريقة وهو ما يثير تساؤل اين تذهب حصيلة صادرات هذه الشركات، ما يعطي إشارة إلى أن هناك محاولات لتهريب الدولار خارج البلاد ولذلك تدفع هذه الشركات فروقا مرتفعة للدولار لتستحوذ على الدولار بأي سعر ومن ثم فإن ثبات سعر الدولار أصبح مشكوكا فيه فسعر الدولار سيعاود الارتفاع مرة أخرى طالما أن البنك المركزي والسياسات التجارية والصناعية عاجزة عن تنشيط الاقتصاد.
الأمر الثاني، هو أن هناك خطا موصولا بين شركات الصرافة أو تجار العملة والبنوك يتم فيها تبادل الأخبار حول نية الحكومة أو البنك المركزي حول رفع سعر الدولار من عدمه، فيعرفون من خلالها أنه ينبغي رفع سعر الدولار لجمع الدولار من السوق وهو ما يعنى تواطؤ بين الأطراف الرسمية من قبل الموظفين الرسميين وتجار العملة، ما يجر الاقتصاد كله لارتفاع في سعر الدولار وعواقبه الوخيمة على الاقتصاد.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد فهناك عمولات وصفقات يشارك فيها رجال البنوك نظير إعطاء معلومات عن الشركات التي في حاجة إلى الدولار لتقوم شركات الصرافة بالتواصل معهم مباشرة، وكذلك هناك العمولات بين شركات الصرافة والأجهزة الأمنية لتحمي ظهرها وتكون حماية لها من مصادرة الأموال أو الاعتقال.
الأمر الثالث، أن تجار العملة وبناء على الطلبات من الشركات هم الذين يحددون سعر صرف الدولار فيستطيعون أن يحددوا السعر المناسب للدولار وتتوقع ارتفاع أو انخفاض الدولار في السوق ولذا فإن كافة تجار العملة وشركات الصرافة مرتبطون ببعضهم البعض على حين أن الطلب على الدولار لا يوجد من ينظم الطلب عليه وبذا يرتفع سعره ارتفاعا غير مبرر على الإطلاق نتيجة عدم وجود هيكل للسوق.
الأمر الرابع، أن كافة شركات الصرافة مرتبطة أمنيا مع وزارة الداخلية وأنه في أحيان كثيرة تطلب الداخلية ثبات سعر الدولار وعدم زيادته ويتم الاستجابة لذلك في الغالب لفترة مؤقته لأن قوى السوق غالبة ومن ثم يعاود الدولار ارتفاعه مرة أخرى، رغم أن الحرب التي تشنها الحكومة على المتعاملين في السوق السوداء للعملة لا تأتي بأي فاعلية للسيطرة على السوق فبعد أن قامت الحكومة بإغلاق العديد من شركات الصرافة فإن سعر الدولار ما زال في تصاعد مستمر.
ونتيجة لذلك فإن الحل الأمني عاجز تماما عن السيطرة على سعر الدولار وهذا أمر طبيعي يتسق مع نتائج الاقتصاد الكلي في مصر.
ويبدو أننا اصبحنا على موعد جديد من تخفيض الجنية مرة أخرى فمحافظ البنك المركزي المح أخيرا إلى إمكانية خفض الجنية مرة أخرى مبررا ذلك بأنه سيؤدي إلى زيادة الصادرات، وعلى جانب آخر فإن مطالبة صندوق النقد الدولي بتخفيض الجنية أصبح لها صدى عند الحكومة، إذن فالمحصلة واحدة سواء بطلب الحكومة أم الصندوق، وهو خفض الجنية وتوحيد سعر الصرف بين البنوك وشركات الصرافة أو تجارة العملة.
الخلاصة أن سوق الصرف في مصر سيظل عرضة للتخبط طالما أن سياسات الحكومة غير شفافة ناحية قوى السوق ووجود محتكرين داخل سوق الدولار وهو ما سيؤدي حتما إلى ارتفاع في الأسعار وبلبلة فى السوق وهروب المستثمرين من السوق المصري خاصة الأجانب، مايدفع الاقتصاد كله إلى أحضان الركود.