كتاب عربي 21

فبذلك فليفرحوا (3) : على هامش انقلاب الثالث من يوليو

طارق أوشن
1300x600
1300x600
الديكتاتور، كلاكيت مرة ثالثة
وكانت جمهورية بامبوزيا مثالا يحتذى به في تداول السلطة خصوصا بعد "موقعة الصينية المجيدة" (إطلاق رصاص على الرئيس من مسدس كان مخبأ داخل صينية الشاي) ليلي بعدها تولى الرئيس شنن الجيوش قيادة الشعب البامبوزي البطل. ونعمت بامبوزيا بالأمن والاستقرار بفضل قراراته الحكيمة وأهمها منع أي حد من الدخول عليه وهو شايل "صينية". وصار شنن على نهج القادة العظماء المصلحين ( على الحائط نستعرض صورا لهتلر وموسوليني).


وكانت أولى القرارات "الحكيمة" لرئيس الانقلاب بمصر، زرع الأوهام في عقول الناس برخاء قادم وبمشاريع اقتصادية "كبرى" سترتقي بمصر لتكون "قد الدنيا". وكان أن بدأ في "تسول" مساهمات الناس ومد اليد إلى مدخرات الفقراء بعد مسرحية "تبرع الزعيم الوطني" بنصف ثروته التي حملها في حقيبة مؤازرا بكاميرات إعلامه المطبل.


الحرافيش، 1986، المخرج حسام الدين مصطفى.


إلى داخل (وكالة خضر وبكر الناجي) يدخل عتريس على فتوة الحارة سليمان الناجي.
وبعد كلام كله لوم لفتوة الحارة على تخليه عن الفقراء وارتمائه في أحضان الأغنياء الذين صار واحدا منهم وذريته خضر وبكر، يتواصل الحوار..


سليمان الناجي: أنا فتوة الحرافيش!
عتريس: مش بالكلام يا معلم، الفتونة فعل.
بكر: يعني انت عايز ايه بالظبط؟ يفقس ويديهم؟
خضر: الكلام ده كلام كبار يا بكر. متدخلش بينهم.
عتريس: يا معلم سليمان، أنا باقي ع العيش والملح علشان كده بنبهك.
بكر: بابا محدش يهدده.
خضر: أبوك محدش بيهدده يا بكر. عم عتريس بينبهه.
سليمان الناجي: شايفني عاجز نظر وجاي تاخد بيدي يا عتريس.
عتريس:ده ايلي ح يوصلك لبر الأمان يا معلم. الحرافيش في جوفها نار قايدة.  لو فتحت بقها النار ح تخرج من جواها تاكل ايلي قدامها، لا حيهمها صغير ولا كبير.
سليمان الناجي: (بعد تفكير) أنا ح اديك دلوقتي قرشين تفرقهم على الحرافيش. دول من عندي لحد ما اتصرف لك في الباقي.. افتح يا بكر الخزنة وطلع كيس فلوس.
بكر: لأ، لأ يا با. دي فلوسي أنا وخويا ومستحيل اسمح أنها تروح للعواطلية دول.
خضر: غلط يا بكر. الفلوس دي فلوس أبوك وهو أدرى بالمصلحة.
سليمان الناجي: ( بعد خروج عتريس وبيده كيس المال) اسكت يا ابني اسكت.. انت أصلك مش عارف الحرافيش. خلينا قافلين عليهم الباب. ده لو حد فتحه يبقى فتحنا على نفسنا مية باب من أبواب جهنم.


لا يختلف النظام الانقلابي في تعامله مع المطالب الفئوية ومع متطلبات "توزيع الثروة" في بلد يعتبرها ضيعة خاصة فحول كل فرص العمل بها إلى القوات المسلحة وامبراطوريتها الاقتصادية المنتشرة أذرعها كالاخطبوط في مفاصل الحركة الاقتصادية والتجارية بالبلد منذ عقود قبل أن تمتد وتتعاظم مع سيطرة السيسي على مقاليد الرئاسة غصبا.


ولا يختلف كثير من "معارضي" الواجهة وأبواق النظام الإعلامية عن عتريس الذي ما كانت تحركه غير مصلحته الشخصية الآنية المرهونة ببقاء "سيده" سليمان الناجي فتوة للحارة حتى حين.


عتريس (وهو يخطب في جمع الحرافيش بعد استيلائه على "الصدقة" التي أرسلها لهم فتوة الحارة من مالهم الذي اعتبره مالا خاصا عائليا): اصحوا! ده سليمان الناجي.. سيدكم وابن سيدكم.. اختشوا عل دمكم شوية.. جوعوا علشان هو يشبع.. اتعروا علشان هو يتكسي ويلبس ويطقم..خلاص ايلي اختشوا ماتوا.. طب موتوا.. موتوا علشان هو يعيش.. اييييه! ده سليمان الناجي سيدكم وابن سيدكم.


زعيم الانقلاب يدعو المصريين ليجوعوا ويتعروا من أجل أن تبقى مصر، التي اختصرها في نفسه، في كل خطاب بمناسبة أو بدونها. وكلما أزفت نذر "الثورة المنتظرة" على بطشه واستيلائه على أحلام البسطاء بالباطل، استنجد بأمثال عتريس ليبيضوا صفحته السوداء في المساجد والأعمال الفنية وبلاطوهات التلفزيونات ولو انقطعت عليهم الكهرباء داخل استوديو العاشرة مساء وما بعدها.


وبين فينة وأخرى يلجأ لخطاب العواطف وذرف دموع الخداع، قبل أن تفضحه الأفعال مهما حاول إخفاء آثارها تشذيبا لبعض زلات اللسان من الخطب المسجلة، أو فضحا لكومبارسات الولاء الذين احترفوا تمثيل المواطنين البسطاء فلاحين وتجار وساكني عشوائيات.. بعدها لا يجد غير رفع الضرائب للتغطية على فشله الاقتصادي، وضرب مكتسبات المواطنين العاملين في كل القطاعات مستثنيا حوارييه في القضاء والشرطة والجيش،  أو "تسول" مدخرات الفقراء، ولو كانت مجرد حلق للحاجة زينب، والمتاجرة بها في إعلانات رخيصة على أمل خادع بأن مصر ستحيا على يديه، بعد انحسار مردود عملية "التسول الخارجية" التي تدفقت "رزا" لفترة غير يسيرة دون أدنى تأثير على حياة المصريين.


معلش احنا بنتبهدل، 2005، المخرج شريف مندور.


يشتكي صبي القهوة من عدم توصله براتبه لستة أشهر بعد أن صارت المشاريب بالمجان رغبة من معلمه القرموطي في حشد متابعين كثرا لحواديثه التي يستعرض فيها بطولاته الوهمية وأمجاد أجداده وذريته.


القرموطي: يا واطي يا قليل الأصل. عايز تاخد فلوس من أهل حتتك. مسمعتش عمك سمير الاسكندراني زمان وهو بيقول : يا رب أهلي وحبايبي والمجتمع  والناس؟
حدوتة: سمعته.
القرموطي: هما دول بقا أهلك وحبايبك والمجتمع والناس.
وبمجرد وصول وفد سياحي على باب القهوة، يبدأ القرموطي في طرد الزبناء – أهل حتته خارجا.
عم سباعي: ومال ايه الخطبة ايلي فضحتنا بيها من شوية وأهلي وحبايبي والمجتمع والناس؟
القرموطي: معلش.. ده كلام كان زمان في الستينات. احنا دلوقتي في الألفية الثالثة.. قلة الأصل علامة مسجلة.


ولأن الثقة مفقودة بين نظام الانقلاب و"قادة" وشعب الثلاثين من يونيو، فقد احترف مهندسو خريطة الولاءات والتعيينات والعطايا لعبة الاستقطاب على قاعدة تخوين الآخر ولو كان مؤيدا يسبح بحمد الزعيم وملكاته التي لم يسبقه إليها أحد من العالمين.


الفرح ، 2009، المخرج سامح عبدالعزيز.


يواصل المعلم زينهم استعداداته لليلة الفرح الوهمي حيث لا هم له غير الحصول على "نقطة المعازيم" لشراء ميكروباص.


المعلم زينهم: قوشة.. شنطة النقطة أهه. ترقد عليها زي الفراخ.
قوشة: حاضر يا كبيرنا.
المعلم زينهم: أي حد يهوب ناحيتها تقطع لي ايده.. ماشي؟ شنفطة تستلم النقطة من النبطشي تسلمها لقوشة على طول.. ماشي؟ يالله اتوكلوا على الله....(يبتعد الاثنان) قوشة؟
قوشة: يا كبيرنا؟
المعلم زينهم: الواد شنفطة ده ايده طويلة.
قوشة: نقطعها له؟
 المعلم زينهم: لأ. عينك عليه وبس.. يالله سلام.
قوشة: حاضر يا عمنا.. طبعا انت عارف أني مثال للأمانه يعني..
المعلم زينهم: ماشي يا مثالي.. وأنا ح اروقك.
قوشة: ماشي يا عمنا.. ليلتك زي العسل.
المعلم زينهم: البلد كلها بقت حرامية.. كلها حرامية.


والمعلم زينهم كالعاهرة التي تحاضر في الشرف وهو الذي لا يطلب غير وسيلة تساعده على الانطلاق في دق أبواب الرزق، فكيف الحال مع من استولى على مقدرات بلد كامل وعلى تجربة سياسية كانت تبدو واعدة في واحدة من أكبر عمليات السطو وخداع الناس.


وبلد يقدمها الانقلاب وإعلامه على أنها بلد حرامية وعواطلية ومتكلين على جهد رجل واحد أوحد، لا يتوقف عن العمل للصالح العام، لا حق ل"مواطنيها" في الحديث عن محاسبة أو طلب كشف حساب.


داخل قسم الشرطة في فيلم (معلش احنا بنتبهدل)..


الضابط سيف: ايه ايلي انت عامله ده يا قرموطي؟
القرموطي: ايوه يا باشا؟
الضابط سيف: عامل سرادق ولامم الناس وبتشتم في الحكومة؟
القرموطي: أنا شتمت في الحكومة يا سعادة البيه؟
الضابط سيف: ومال بتشتم في مين يا قرموطي؟
القرموطي: باشتم في الشعب. الشباب ايلي قاعدين عواطلية في البيت وعايز الحكومة توصل لهم الرضعة لغاية حد بقه. والنبي تعمل ايه الحكومة الغلبانة المسكينة مع شباب مش عايز يشتغل وقاعد عواطلي طول النهار؟ .. والله يا سعادة الباشا كويس أنكم مستحملينا ومستحملين الشعب ده. ده احنا محدش عاش معانا وعمر.. الهيكسوس هربوا مننا.. الانجليز طفشوا مننا.. كويس أنكم قاعدين لنا والله يا سعادة الباشا..


مثل هذا الكلام قيل ولا يزال يقال على لسان الاعلاميين والساسة والوزراء وزعيمهم الدي علمهم السحر.


صحيح أن قلة الأصل علامة مسجلة.. يا عم قرموطي.



0
التعليقات (0)