يظهر ألن تحت الماء مستمتعا بالسباحة وبمجرد خروجه إلى السطح يفاجأ بزهرة وراءه.
زهرة: عذرا، لم أكن أقصد إخافتك.
ألن: لا عليك.
زهرة: أنا مضطرة للغطس... الجيران. بالمناسبة، أنا أستعمل نفس لباس السباحة الرجالي الذي تضعه. هكذا سيعتقد الجيران أننا رجلين حين تظهر لهم ظهورنا عارية. أنت تفهم ما أقوله طبعا.
يغطسان معا. كانت زهرة عارية الجسد.
يعودان إلى سطح الماء، يتبادلان النظرات.
ألن: وماذا بعد؟
زهرة: خذ نفسا طويلا واغطس مجددا.
وتحت الماء وبعيدا عن أعين "الجيران"، توالت قبلاتهما قبل أن يجدا نفسيهما في السرير عاريين وبعدها يحتسيان الخمر بفيلا عائلة زهرة الشاطئية.
قبلها كانت زهرة، وهي طبيبة تكفلت بعلاج ألن من وعكة صحية ألمت به، من بادرت لاقتراح الخروج معه، وهو الأمريكي الزائر لبلادها في مهمة تسويق منتوج تجاري رقمي، فأقلته بسيارتها التي يمنعها القانون من سياقتها، بعيدا عن الأعين ثم نزعت عنها حجابها واكتفت بلباس قصير بمجرد دخول الفيلا العائلية قبل أن تدعوه إلى السباحة وسط استغرابه الشديد.
حدث كل هذا في بلاد الحرمين، والمشهد من فيلم (صورة ثلاثية الأبعاد للملك – 2016) للمخرج توم تكوير وبطولة توم هانكس.
هذه هي الصورة التي يختزنونها عن المرأة العربية كما قدمتها الأفلام الكولونيالية الغربية، وكما يتمنونها للمرأة المسلمة في امتداد طبيعي للنظرة الدونية التي ألفوا التعامل بها مع البلدان الإسلامية بالشكل الفج الذي ظهر في فيلم توم تكوير الذي جمّع فيه كل الكليشيهات الممكنة عن المنطقة العربية، من خلال نموذج العربية السعودية، حيث لا تزال الخيام والجمال والصحراء وإقامة الحدود في الأماكن العامة ومظاهر التخلف والانغلاق المجتمعيين سائدة بانتظار الرجل الغربي لافتكاكها من أسر الاستعباد والرجعية وغبن التقاليد وسطوة الدين.
صحيح أن كثيرا من المظاهر التي عرّج عليها الفيلم موجودة في المجتمع السعودي. لكن الطريقة التي قدمت بها تعكس سوء نية واضح يراد منه تكريس الصورة النمطية التي ألفتها العين الغربية عن بلاد المسلمين.
صُور الفيلم بالمناسبة في بلدين مسلمين هما: المملكة المغربية وجمهورية مصر العربية.
لم يكن ينقص المشهد الذي جمع الطبيبة السعودية زهرة بالتاجر الأمريكي ألن، مجاراة لوجهة النظر الغربية، إلا طلائع المطاوعة وجحافل شرطة الحسبة الدينية يدكون الشاطئ ويمخرون عباب الموج لاعتقال الاثنين بتهمة الجرم المشهود وإنزال عقوبة الرجم بهما في ميدان عام. لم نر المشهد على الشاشة لأن الرؤية الفنية في هذا الفيلم لم تقتض ذلك بالرغم من الإيحاء الضمني إلى الموضوع.
قطع حاد....
على إحدى شواطئ مدينة نيس الفرنسية، يتقدم أربعة أفراد من الشرطة البلدية في اتجاه امرأة عزلاء ممددة على حجارة الشاطئ. لم يكن الأربعة مرتدين بشتا عربيا ولا جلبابا أبيضا، ولم تكن أيديهم حاملة للعقال وسيلتهم المباشرة ل"تأديب" الضحية. كانوا أربعة بزي رسمي قوامه فانلة زرقاء وسروال قصير، والمهمة: السهر على تطبيق مضامين مرسوم أصدره عمدة المدينة، تأسيا بعمداء مدن فرنسية أخرى، يخول بموجبه للشرطة البلدية "اصطياد" النساء المخالفات على الشواطئ و"تعريتهن" خوفا على قيم الجمهورية واحترازا من الرمز الديني الجديد المسمى "بوركيني".
إنهم مطاوعة الدولة العلمانية في فرنسا "داعف"، ومحاكم تفتيشها التي عجزت عن مواجهة مقاتلي "داعش" ومنع الهجمات على مواطنيها رغم حالة الطوارئ التي تشهدها البلاد منذ أشهر، كما عجزت طبقتها السياسية عن تمرير قانون نزع الجنسية عن مزدوجيها المتعاطفين مع "الإرهابيين"، فاختارت نزع ملابس النساء المسلمات على أرضها حفاظا على قيم الجمهورية العلمانية بديلا وسبيلا لتحقيق نصر موهوم.
مدينة كان كانت السباقة لمنع البوركيني في شواطئها حيث أصدرت بلديتها قرارا "يمنع دخول أي شخص لا يرتدي ملابس سباحة تحترم التقاليد العلمانية إلى كافة الشواطئ ومواقع السباحة" وهو نفس موقف داعش التي تفرض على "مواطنيها" ألبسة تعتبرها إرثا من السلف الصالح في مواجهة اللباس "الغربي" الكافر.
معركة "داعف" على ما تسميه الملابس الإسلامية ليس أمرا جديدا. ففي شهر مارس الأخير اعتبرت وزيرة حقوق المرأة الفرنسية إنتاج شركات الموضة العالمية ألبسة "إسلامية" تصرفا غير مسؤول حيث إنه "عندما تدخل هذه الماركات هذه السوق لأنها مدرة للأرباح وهي سوق للدول الأوربية وليست لدول الخليج، فهي تبتعد عن مسؤوليتها الاجتماعية وتروج من زاوية معينة للقيود المفروضة على جسم المرأة... بعض وجهات النظر تؤكد أنهم بصدد الترويج لسجن أجساد النساء". الأكيد أن سوق ما يسمى ب"الموضة الإسلامية" واعدة وقد تصل قيمتها في العام 2020 إلى 320 مليار دولار حسب دراسات أعدت في هذا المجال. وهي أرقام لن تجد معها وزيرة حقوق المرأة الفرنسية من أذن تصغي لتخاريفها.
اهتمام فرنسا "المرضي" باللباس "الإسلامي" قاد النقاش المجتمعي والسياسي دوما خارج السياق وجر عليها كثيرا من علامات الاستهجان بل الهجمات المسلحة على أراضيها وضد مواطنيها أينما وُجدوا. وكلما كان هناك نقاش "غير مجدي" حول الإسلام تكون فرنسا مسرحا له و"نخبتها" رافعة للوائه.
في العام 1989 أثار طرد ثلاثة فتيات محجبات من مدرستهن نقاشا واسعا انتهى بإقرار الدولة الفرنسية قانونا بحظر ارتداء الرموز الدينية البارزة بما فيها الحجاب بالمدارس في شهر مارس سنة 2004 واستثنى الجامعات. وفي العام 2010 أصدرت الدولة الفرنسية قانونا بحظر النقاب في الأماكن العامة.
واليوم يتواصل مسلسل حظر البوركيني والسعي لمنع الحجاب بالجامعات بل سبق لنائبين من اليمين "المعتدل" أن طالبا بمنع المربيات من ارتدائه داخل البيوت أثناء تواجدهن مع أطفال.
يعيب كثير من "النخب" على الإسلاميين كيف أنهم يتركون كل شؤون الدنيا ويهتمون بتغطية جسد المرأة ويغضون الطرف عن دولة علمانية تترك كل شؤون المسلمين على أراضيها وتطارد مظاهر تغطية الرأس والجسد في البر والبحر. وبالقدر الذي يعلون فيه الصوت استنكارا لتجاوزات "هيئة النهي عن المنكر" بالعربية السعودية، يعلون الصوت تأييدا لمطاوعة "داعف" المدافعين عن القيم العلمانية للجمهورية على أساس قانون يعود إلى العام 1905 لدرجة أن فرانسوا هولاند أطلق سنة 2013 مرصدا جديدا للعلمانية بهدف تقديم أفكار جديدة لتطبيق مضامين القانون حماية للمجال العام من الضغوط الدينية. وفي خضم هذا "الجنون" لم تتوان عدد من المدارس عن منع تلميذات من ولوج الصفوف ليس بسبب ارتداء حجاب أو نقاب بل مجرد تنانير رأى القائمون على "محاكم التفتيش" الجديدة أنها أطول من "قيم العلمانية" بالشكل الذي يدرجها في إطار "الرمز الديني".
ولأننا لا نقرأ التاريخ جيدا أو لا نقرأه جملة وتفصيلا، خرج منا من يهلل لقرار مجلس الدولة بفرنسا تعليق تنفيذ منع البوركيني في منطقة فيلنوف لوبيه. الذي لا يعرفه المهللون أن مجلس الدولة ليس جهة تشريعية لسن القوانين. كما أن استعادة مسار "الجدل" حول اللباس "الإسلامي" تبين أن المجلس ذاته كان أصدر قراره الشهير سنة 1989 باعتبار "أن الرموز الدينية ليست في حد ذاتها مهددة للعلمانية إلا إذا كانت طريقة للضغط والتحرش والمزايدة". كان جواب المؤسسة التشريعية قانون 2004. وفي العام 2012 أصدر قراره معتمدا على نفس الحجج بخصوص حظر النقاب دون أن يؤثر في سيرانلقانون حظره، وأعاد على الأسماع نفس الخطاب في نازلة البوركيني قبل أيام.
الفرق الوحيد أن اليسار وكثير من منظماته المؤثرة واجهت قوانين بداية الألفية وسعت لضمان حريات الأفراد في الاختيار. واليوم، لم يعد في فرنسا يسار أو يمين بل يمين متطرف متخف في برقع أو نقاب أو أي لباس أيديولوجي مقنع. فالاشتراكيون لم يعودوا يقدمون غير نماذج هولاند وفالس وماكرون، والجمهوريون لا يقدمون غير ساركوزي بديلا أما اليمين المتطرف فعلى هدى لوبن الأب والبنت والحفيدة يسير. والهدف أصوات الجمهور الفرنسي الذي نحا منحى الفكر اليميني حتى صار يشكل أكثر من ثلث القاعدة الانتخابية في وقت لم يعد فيه الصوت "المسلم" يجتذب اهتمام الطامحين لاعتلاء سدة الحكم "الداعفي".
هو إذن مجرد مسلسل تبادل مصالح بين "داعف" و"داعش" أكثر منه صراعا أيديولوجيا أو حروبا عسكرية. فبقاء الاثنين مسيطرين على الجموع يحتاج منهما تقاسم أدوار مسرحية طالت ولا تزال فصولها موزعة بين "ديار الإسلام" و"ديار الكفر" إنتاجا وتمثيلا وإخراجا.
إضافة قد تكون خارج السياق..
في المغرب، ظهر "مطاوعة" من نوع آخر، ولو اجتمعوا مع "الداعفيين" في لباسهم الرسمي، وكان الضحية اثنان ممن كانوا إلى عهد قريب يدافعون عن النموذج ويحلمون بتطبيقه بالبلاد. "المطاوعة الرسميون" في المغرب أخذتهم العزة للدفاع عن "الآداب العامة" وقرروا فضح داعيتين، رجل وأنثى، في المنابر الإعلامية قبل المحاكم فالزمن زمن انتخابات تشحذ فيه الأسلحة فضحا وتشهيرا. والهدف: ضرب الرمز والنموذج والمثل.
في فرنسا يقولون إنهم يضربون نموذج الإسلام الداعشي المتشدد، وفي السعودية يدعون ضرب النموذج الغربي الكافر، وفي المغرب، حيث إمارة المؤمنين والانفتاح على القيم الغربية يتعايشان أو هكذا نظن، تحدد الظرفية أيهما المطلوب استهداف "رمزيته" من أقصى اليسار إلى أقصي اليمين "الديني".