نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافي غريغ كارلستروم، يقول فيه إن الجنرالات والسياسيين
الإسرائيليين، ومنذ انتهاء حرب
غزة 2014، شددوا على أهمية تعزيز الاقتصاد في غزة، وتخفيف الحصار، الذي استمر تسع سنوات، مستدركا بأن إسرائيل بدأت هذا الصيف فعل العكس بصمت، حيث يخشى العديد من عمال الإغاثة، الذين يساعدون أهل غزة، من وقوع حرب قريبة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه منذ بداية شهر آب/ أغسطس، عندما اتهمت إسرائيل منظمة "وورلد فيجين"، وهي منظمة مسيحية خيرية مقرها أمريكا، بتحويل المساعدات المادية لحركة
حماس، فإن
المنظمات غير الحكومية العاملة في غزة وضعت كلها تحت المراقبة والتدقيق.
ويقول الكاتب إن "التهم الموجهة لمدير مكتب (وورلد فيجين) محمد حلبي كانت مثيرة، حيث تم اعتقاله بتهمة تحويل مبلغ 50 مليون دولار لحركة حماس على مدى سبع سنوات، وادعى جهاز الأمن العام (الشين بيت) أن النقود استخدمت لحفر الأنفاق تحت الحدود، وبناء قواعد، بالإضافة إلى ادعائه أن المساعدات العينية، التي تستهدف العائلات الفقيرة، وحتى مواد التنظيف، تم تحويلها لمقاتلي حركة حماس".
ويضيف كارلستروم أن كثيرا من عمال الإغاثة يشككون في التهم الموجهة لحلبي، المتهم باختلاس أكثر من ضعف ميزانية "وورلد فيجين" لغزة، ويرون أن الموضوع جزءا من سياسة إسرائيلية أوسع، تهدف إلى خنق العمل الإنساني والاقتصادي في غزة، مشيرا إلى أن القيود الجديدة على المنظمات غير الحكومية تهدد الاقتصاد الهش في غزة، وترفع من احتمال وقوع حرب رابعة بين إسرائيل وحركة حماس، حيث تم رفض تصاريح سفر عمال الإغاثة والمواطنين العاديين في غزة، على خلفيات أمنية غامضة، بالإضافة إلى أن البنوك الإسرائيلية ترفض تحويل الرواتب للموظفين في غزة، وهو ما كانت تفعله تلك البنوك باختيارها لسنوات عديدة.
وتنقل المجلة عن أحد المسؤولين في الحقل الإنساني، قوله: "إنهم يزرعون خوفا كبيرا بين أهالي غزة، وقد يكون هذا هو هدفهم.. لكني أظن أن ما ينساه الإسرائيليون هو أن الخوف يتحول بسرعة إلى عنف، ولا أظن أن من مصلحتهم التورط في حرب جديدة الآن، لكن هذه طريقة جيدة لإشعال مثل هذه الحرب".
وبحسب التقرير، فإن "حركة حماس ليست فوق الشكوك في قضية (
وورلد فيجن)، فلديها تاريخ موثق بشكل جيد في تحويل مواد البناء من المشاريع المدنية إلى بناء الملاجئ، والأنفاق، ومنشآت عسكرية أخرى، واتهمت في الحرب الأخيرة بتخزين صواريخ في مدارس تابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى أن حركة حماس أصبحت أكثر عدوانية تجاه الأجانب، فمنعت على الأقل صحافيا أمريكيا واحدا من دخول قطاع غزة في شهر أيار/ مايو، وبدأ (مكتب الأمن العام) الجديد على الحدود بإيقاف المراسلين، واستجوابهم بشكل مطول".
ويورد الكاتب نقلا عن المسؤولين في "وورلد فيجين"، قولهم إنهم لم يتلقوا من إسرائيل الأدلة المفصلة ضد حلبي، الذي وجهت له التهمة في 30 آب/ أغسطس، في جلسة مغلقة عن العامة، بالإضافة إلى أن الجلسات الأخرى ستحيطها السرية أيضا، لافتا إلى قول ليا تسيميل، محامية حلبي، إنها حتى هي لن تتمكن من الاطلاع على الأدلة كلها.
وتذكر المجلة أن البيان الأول عن القضية، الذي أعطي للصحافيين والدبلوماسيين، قال إن حلبي متهم بتحويل حوالي 7.2 مليون دولار كل عام لحركة حماس، منذ بدء عمله مع "وورلد فيجن" عام 2010، وإنه حول ما يقارب 50 مليون دولار في الفترة كلها، لافتة إلى أن هذه الأرقام ظهرت في التغطية الصحافية للتهم، وقال "الشين بيت" إن المبلغ يساوي 60% من ميزانية "وورلد فيجن" المخصصة لغزة.
ويستدرك التقرير بأن هذا الادعاء لا يظهر في بيان التهمة الرسمية، ويقول العاملون في "وورلد فيجن" إن هذه الأرقام غير ممكنة حسابيا، حيث إن المنظمة حددت على مدى العقد الماضي ميزانية بمقدار 22.5 مليون دولار لغزة، وهذا أقل من نصف المبلغ الذي اتهم حلبي باختلاسه، مشيرا إلى أن نسبة كبيرة من ذلك المبلغ تنفق على تكاليف ثابتة، مثل الرواتب، والسيارات، وإيجار العقارات، وقال أحد موظفي "وورلد فيجن": "كان لا بد من أن يلاحظ أحد أنه لو أن تلك الأموال كلها اختفت، لتوقف دفع رواتب الموظفين لسنوات".
ويلفت كارلستروم إلى أن "سياسات المنظمة الخيرية المحاسبية كانت ستكشف أي فروق كبيرة في الحسابات، فمثلا تستدعي تلك السياسات موافقة من المكتب الرئيسي في القدس لأي عقد يزيد على 15 ألف دولار، بالإضافة إلى أن (وورلد فيجن) قامت بالتحقيق عام 2015 في ملف حلبي، عندما اتهمه أحد محاسبيها (تم طرده مؤخرا) بسرقة الأموال، والعمل لصالح حركة حماس، وقامت المنظمة بجلب محقق خارجي، قام بمراجعة الحسابات، ولم يجد ما يدعو للريبة".
وتكشف المجلة عن أن المنظمات غير الحكومية الأخرى شعرت بالضغط من السلطات الإسرائيلية، حتى قبل توجيه التهمة لحلبي، وقد تحدثت "فورين بوليسي" مع عدد من الموظفين الكبار في منظمات غير حكومية، ومع مؤسسات الأمم المتحدة، وكان معظمهم مترددا في الحديث باسمه الصريح، وقال ثلاثة أرباعهم إن العمل في غزة أصبح أكثر صعوبة.
ويورد التقرير نقلا عن مدير إحدى المنظمات الخيرية، قوله إن 30 إلى 40% من موظفيه الفلسطينيين، من غزة والضفة والقدس الشرقية، تُرفض تصاريحهم، وأضاف أنه يتحدث عن أشخاص كانوا يحصلون على تصاريح دون مشكلة حتى العام الماضي، وقال مسؤول من مؤسسة خيرية اسكندنافية: "أصبحت الأمور معقدة جدا، حيث يقوم (الشين بيت) بالرجوع إلى مواقع التواصل الاجتماعي للأشخاص المقدمين على تصاريح، وتقوم بتفحص أصدقائهم".
وينوه الكاتب إلى أن ليس جميع المنظمات غير الحكومية تأثرت بهذا الوضع، حيث قالت مديرة البرامج في منظمة أطباء بلا حدود ماتيلدا بيرثيلوت: "عملنا في غزة لفترة طويلة، وليست لدينا مشكلات جديدة هناك"، مستدركا بأن الأمم المتحدة هي إحدى المنظمات الدولية التي وجدت أن عملها في غزة يواجه المزيد من القيود الإسرائيلية، ففي عام 2015، وبداية عام 2016، رفضت إسرائيل منح تصاريح لحوالي 3% فقط من موظفي الأمم المتحدة، أما في الشهور القليلة الماضية فقد ارتفع هذا الرقم إلى 30%، أي أنه زاد عشر مرات.
وتفيد المجلة بأن إسرائيل رفضت تصاريح ثمانية موظفين في الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأجنبية على الأقل هذا العام؛ لأسباب "أمنية"، مشيرة إلى ان هذا الأمر لم يحصل سوى مرتين عام 2015.
ويبين التقرير أن التجار، الذين يوفرون شريان حياة لقطاع غزة، تأثروا بالإجراءات، فبعد أن وصل عدد التجار الذين يعبرون معبر إيريز إلى 10 آلاف في الشهر، فإن هذا الرقم تراجع الشهر الماضي إلى أقل من 8 آلاف.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن بعض التجار حصلوا على موافقة السفر قبل أن يتم إلغاء تصاريحهم، وتمت إعادة العشرات من التجار عن معبر إيريز؛ بحجة أن هناك "موانع أمنية" ترتبط بأسمائهم.