ساد في الأوساط السياسية الإيرانية في الأشهر الأخيرة أن الرئيس السابق للجمهورية محمود أحمدي نجاد قد يترشّح للانتخابات الرئاسية الربيع المقبل، وأنه قد يحرم ذلك الرئيس الحالي حسن روحاني من تجديد ولايته كما فعل أسلافه. ويعود ذلك في رأي قريبين من طهران إلى كون السابق محافظا ويحظى بتأييد أمثاله في مجلس الشورى وفي الأوساط العلمائية. علما أنهم يشكّلون غالبية في المؤسسات الأمنية والعسكرية. ويعود أيضا إلى انزعاج مرشد الجمهورية السيد آية الله علي خامنئي من بطء أمريكا أوباما في تنفيذ "الاتفاق النووي"، وفي رفع العقوبات عنها، وفي تسهيل عقدها الصفقات مع الشركات الأمريكية وغيرها لتحديث بناها التحتية المتنوعة ولشراء كل ما تفتقر إليه من الصناعات المتطوّرة جرّاء الحصار الدولي والعقوبات.
طبعا، يستدرك القريبون أنفسهم، لا يرمي خامنئي من وراء حرمان روحاني الولاية الرئاسية الثانية إلى الإيحاء للشعب الإيراني أنه المسؤول عن الاتفاق النووي وعن الثغر فيه وعن التسويق له. ذلك أن هذا الشعب يعرف أن روحاني لم يسر خطوة في المفاوضات النووية، ولم يوقّع الاتفاق الذي أسفرت عنه إلّا بعد إطلاع المرشد والولي الفقيه على أدقّ التفاصيل وموافقته عليها. فضلا عن أنه ومن موقعه الأول في البلاد دينيا وسياسيا لا يستطيع أن يظلم أحدا بمعاقبته على شيء لم يفعله.
لكنه (أي خامنئي) أراد التلويح بذلك للضغط على أوباما كي يبدي تجاوبا كليا أو جزئيا مع مطالبه قبل الانتخابات الرئاسية في بلاده. كما أراد إقناعه بأن المحافظين المتشدّدين في البلاد وحجمهم كبير بدأوا يستغلّون البطء المشار إليه أعلاه في رفع العقوبات وعقد الصفقات والاتفاقات لإلغاء الاتفاق أو لتجميده، أو على الأقل للإتيان برئيس من صفوفهم قادر على مواجهة الرئيس الذي سيخلفه وإدارته.
طبعا يعرف العالم ولا سيما واشنطن أن خامنئي استدعى نجاد قبل أشهر، بعد اطّلاعه على نشاطه الرئاسي التسويقي في الأوساط الشعبية وتحديدا الريفية منها، و"أوعز" إليه بالتوقف عن ذلك. واعتُبر موقفه في حينه طلبا إليه أو أمرا بنسيان العودة إلى رئاسة الجمهورية. لكن نجاد استمر في المعركة ربما بـ"تطنيش" من الأقوياء في الجناح المحافظ. واستمر روحاني في القلق على موقعه وربما في الخوف من تحميله مسؤولية فشل الاتفاق النووي.
إلّا أن المعلومات الأخيرة الواردة من طهران على بيروت، يلفت القريبون منها أنفسهم، تشير إلى طي ترشيح نجاد وعودة الأمل في ولاية ثانية إلى روحاني. وأسباب ذلك كثيرة قد يكون أبرزها فوز دونالد ترامب برئاسة أمريكا، وموقفه السلبي المعروف من إيران وأيضا من "الاتفاق النووي" الشهير، وسيطرة حزبه الجمهوري على مجلسَيْ الكونغرس في الانتخابات الأخيرة.
فالمسؤولون في طهران ورغم مواقفهم الثابتة والاستراتيجية لا يريدون وبعد التطوّرات المشار إليها في أمريكا أن تشتبك بلادهم معها، ولا يريدون أن تتحارب مباشرة مع إسرائيل. فسياستها الأساسيّة تقوم على خلق وضع مقاوم للأخيرة في المنطقة مماثل للوضع الذي خلقته في لبنان، والذي قاوم إسرائيل بنجاح وانتصر عليها مرّتين. الأولى يوم أجبرها على إنهاء احتلالها معظم الأراضي التي احتلتها فيه عام 2000. والثانية يوم منعها من تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية من الحرب التي شنّتها عليه عام 2006.
ويعتبر هؤلاء أن إنجاز هدف كهذا لا بد أن ينقل الضغط على إسرائيل إلى داخل فلسطين المحتلة سواء عام 1948 أو عام 1967. ومن شأن ذلك فتح الطريق أمامها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الإقليميّة ومن دون الاصطدام المباشر بإسرائيل. ومن هنا تمسّك طهران بالأسد ونظامه في سوريا.
هل تستطيع إيران النجاح في كل ذلك مع استمرار حال العداء بينها وبين أمريكا وعجز الغرب الأوروبي عن الاستقلال عن أمريكا في مواقفه منها؟
الجواب كما يعطيه القريبون أنفسهم يشير إلى أن لإيران علاقة تحالف جيدة مع روسيا العائدة إلى الساحة الدولية من خلال الشرق الأوسط بقوة ومع الصين الصاعدة بقوة إلى مرتبة الدولة العظمى.
لكنهم يلفتون إلى أمرين؛ الأول أن الثقة الكبيرة في روسيا غير متوافرة في إيران، وأن علاقتهما الجيدة قائمة على المصالح وتبادلها. والثاني أن إيران ترتاح إلى الصين أكثر من ارتياحها إلى روسيا وتثق فيها. والعلاقة مع الاثنتين تزيد من قوة إيران وموقفها.