الأمريكيّون الذين صوّتوا لمنافِسة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والأمريكيّون الذين امتنعوا عن التصويت، يتساءلون عن السياسة الفعليّة لرئيسهم الجديد حيال القضايا المهمّة والمُعقّدة التي أثارها في حملته الانتخابيّة. وشعوب العالم كلّها وقادته يتساءلون عنها، ويقلقون بسبب راديكاليّة الوعود وتطرّفها. طبعا ينتظر الجميع تسلّمه سلطاته الدستوريّة واكتمال إدارته؛ كي يحاولوا التكهّن ما إذا كان سيستمر في اندفاعه المتطرّف.
هل يمكن التكهّن منذ الآن بسياسة نهائيّة لترامب الرئيس؟ ذلك مستحيل لأسباب ذُكِرت أعلاه، ولأنه يعطي في تعييناته وتعليقاته إشارات متناقضة؛ إذ يبدو حينا في وارد الاعتماد على إدارة متطرّفة، وحينا آخر راغبا في الاستعانة بمحافظين معتدلين، إلّا أن الممكن هو الاستيحاء من سيرة الذين اختارهم لمعاونته حتى الآن لمعرفة أي طريق سيسلك.
أحد أبرز هؤلاء مايكل فلِنّ، رئيس الاستخبارات العسكريّة، الذي ترك الخدمة عام 2014 بعد اختلافه مع الرئيس باراك أوباما حول الإرهاب وسوريا. وهو أدلى بشهادة في 10 حزيران 2015 أمام لجنة الشؤون الخارجيّة والقوات المسلّحة في مجلس نواب بلاده أظهر فيها مواقفه وانتقاداته لإدارة أوباما، وأرى أنه من المُفيد تناولها في "الموقف" اليوم بإيجاز، ولكن بعد ذكر ناشرها جيم لوب (Jim Lobe).
بعد الحديث عن تطوّرات خمسة في الشرق الأوسط، كان أوّلها التصرّف السلبي للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة وتوسيع النفوذ، قال:
- "لا يؤثّر ذلك على أمن بلادنا فقط، بل على حلفائنا وأصدقائنا في المنطقة، وأهمّهم إسرائيل. وهي تعيش تحت تهديد إيران وعناصر إسلاميّة راديكاليّة بإزالتها من الوجود. وعلى أمريكا منع ذلك".
- "الأفكار عن طرق أخرى لشن الحرب يتمّ تجاهلها، وواشنطن لا تفكّر في بدائل من سياستنا الخارجيّة. وأي أحد يطرح جديدا يُخرَج من المؤسسة".
- "إيران مصمّمة على صنع سلاح نووي، ورغبتها في تدمير إسرائيل حقيقيّة. لم تشارك مرّة في حماية أمن شعوب المنطقة، بل ساهمت وخلال عقود في تفاقم انعدام أمنها واستقرارها، وخصوصا المحيطة منها بإسرائيل".
- "يبدو واضحا أن "الصفقة النوويّة" ليست دائمة. واعتقاد "الإدارة" أن مهلة الـ10 سنوات فيها ستكون كافية لإجراء مصالحة واسعة مع إيران ولدفع نظامها إلى تغيير مسلكه الاستراتيجي هو "تفكير أمنياتي". هي تمثّل خطرا حاليّا واضحا على المنطقة والعالم. ولا تزال مدرجة على لائحة أمريكا للإرهاب، وتستمر في خرق العقوبات الدوليّة ونشر الحقد في تصريحات قادتها الكبار ومواقفهم".
- "لا نعرف تماما مدى "الجهد النووي" الذي بذلته إيران؛ لأننا لا نمتلك "عيونا" قادرة على متابعة برنامجها النووي كلّه. ويعني ذلك احتمال وجود منشآت نووية غير معروفة لدينا أو لدى أحد غيرنا".
- "كما قالت "الواشنطن بوست" في افتتاحيتها تغيير نظام إيران هو أفضل طريقة لوقف برنامجه النووي. والنظر إلى تعاون كوريا الشمالية والصين وروسيا يوحي بتحالف شامل موجّه ضد أمريكا وحلفائها وأصدقائها".
- "هناك أمور عدة يستطيع المجتمع الدولي القيام بها لتقليص فُرص خرق إيران موجبات معاهدة حظر الانتشار النووي. منها إجبارها على فتح منشآتها النووية والعسكرية والعلمية كُلّها أمام التفتيش الدولي. ومنها أيضا قيام أمريكا بدور نشط لمواجهة السباق على "النووي" في الشرق الأوسط ولإقناع دوله باستخدامه لإنتاج الطاقة لا لصنع الأسلحة. ومنها ثالثا إعطاء سلطات لعناصر القوة الأمريكيّة لإلحاق الهزيمة بالراديكاليّين المسلمين ("داعش" مثلا). ومنها رابعا تقديم الدعم الكامل لشركائنا الإقليمين ومساعدتهم على خلق منظمة عربية شبيهة بحلف شمال الأطلسي، وعلى بناء جيش عربي قادر على القيام بالمسؤوليّات. ومنها خامسا الاعتراف بأن أمريكا تواجه عدوّا راديكاليّا (التطرّف الإسلامي) وتحديده.
ورفض الإدارة (أوباما) عرض ما تراه بوضوح منه هو أكثر من عدم مسؤولية، هو تعريض الولايات المتحدة لخطر أمني بعيد المدى، ولا بدّ من البحث عن قادة (إقليميا ودوليا وأمريكيا) وإعطائهم السلطات الصحيحة والملائمة؛ من أجل إنجاز الأهداف الاستراتيجية لبلادنا أمريكا".
هذا غيض من فيض. لكنّه كاف لإعطاء فكرة عما يمكن أن ينتظره العالم من ترامب الرئيس إلّا إذا عقّلته "المؤسّسة"، علما أن فلِنّ لا يبدو "انعزاليا" كرئيسه.
ملاحظة: فلِنّ عُيّن أخيرا مستشارا لشؤون الأمن القومي.