تراوح أزمة تشكيل
الحكومة المغربية مكانها، ومع ذلك لم يخل المشهد السياسي المغربي من حركية في جميع الاتجاهات، كان أبرز محطاتها لقاء "الفاشل" بين رئيس الحكومة المعين عبد الإله بن كيران مع رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش.
الجواب على اللقاء "الفاشل"، احتضنه المقر العام لحزب
الاستقلال، ليل الأربعاء، في ندوة وطنية بعنوان "بناء الدولة الديمقراطية ... استكمال لمهام التحرير الوطني" حضرها رئيس الحكومة أمين عام حزب الاستقلال حميد شباط، ونبيل بنعبد الله أمين عام حزب التقدم والاشتراكية.
اللقاء الفاشل
استضاف رئيس الحكومة المعين عبد الإله بن كيران، الثلاثاء بمنزله بحي الليمون بالرباط، لقاء ثانيا مع عزيز أخنوش رئيس "التجمع الوطني للأحرار"، وذلك في إطار الجولة الثانية من مشاورات تشكيل الحكومة.
اللقاء الثالث بين الرجلين لم يخرج بنتائج تذكر، وما تسرب من مصادر متطابقة يعني أن الحكومة المغربية الجديدة لن ترى النور قريبا، أو على الأقل تنتظر عودة الملك وعودة الوزير أخنوش الذي يرافق الملك في جولته الأفريقية، لتباشر المشاورات بشكل أكثر "جدية".
مصادر "
عربي21" قالت إن لقاء الثلاثاء، الذي كان بدعوة من رئيس الحكومة المعين
ابن كيران لم يحقق اختراقا، لأن الطرف الثاني مازال مصرا على لائحة شروطه التي لا يقبل بها رئيس الحكومة.
وأضافت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "عزيز أخنوش يطالب بإبعاد حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي عن الأغلبية الحكومية، ويدعو إلى تعويضهما بحزبي الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية".
وأضافت المصادر أن أخنوش "حرص على وضع رئيس الحكومة كما يتصور أمام الأمر الواقع من خلال إعلانه تكوين فريق موحد بين (الأحرار) و(الدستوري) في مجلس النواب، دقائق قبل اجتماعه مع رئيس الحكومة".
وتابعت المصادر أن "هذا السلوك لا يعني شيئا بقدر ما يدلل على أن الجهات التي تتفاوض مع رئيس الحكومة تناور من أجل كسب الوقت لا أقل ولا أكثر، هكذا قرئت مطالب أخنوش إلى رئيس الحكومة".
وقالت المصادر إن لقاء رابعا سيعقد بين رئيس الحكومة المعين وأخنوش، بعد عودة هذا الأخير من جولته الإفريقية، التي سيرافق فيها الملك لكل من نيجيريا وزامبيا، والتي انطلقت الأربعاء 30 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وعقد رئيس الحكومة وعزيز أخنوش ثلاثة لقاءات لحد الآن، أولها كان يوما واحد بعد اختيار صديق الملك الجديد رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار، والثاني كان "خاطفا" على هامش قمة المناخ بمراكش، والثالث كان غذاء أقامه رئيس الحكومة بمنزله الثلاثاء الماضي.
الديموقراطية استكمال التحرير
كانت الندوة الوطنية حول "بناء الدولة الديمقراطية ... استكمال لمهام التحرير الوطني" التي احتضنها المركز العام لحزب الاستقلال، ليل الأربعاء، حدثا سياسيا عكس احتدام الصراع السياسي في البلاد.
استبق رئيس رئيس الحكومة ابن كيران الندوة بتصريح اختزل فيه طبيعة أزمة تشكيل الحكومة الحالية، حيث قال للصحافة: "ها حنا موجودين والآخرين الله يجيب على خير"، مشيرا إلى استعداد الأحزاب الثلاثة (العدالة والتنمية، الاستقلال، والتقدم والاشتراكية).
وأجمعت مداخلات ندوة الاستقلال التي أطرتها قيادات تاريخية لأحزاب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والاستقلال والعدالة والتنمية، على أن الديموقراطية هي الجزء الثاني من التفاهمات بين الحركة الوطنية وملوك المغرب.
وأعلن محمد اليازغي، الكاتب وطني لحزب الاتحاد الاشتراكي والوزير السابق، أن المخزن مات مع اتفاقية الحماية في 1912، وأن الحركة الوطنية هي التي أعادت الاعتبار للسلطان المغربي، وأقرته ملكا في نضالها مع التحرير، وأن الشق في معركة الاستقلال كان بناء الديموقراطية.
واعتبر سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني السابق لحزب العدالة والتنمية، ووزير الخارجية الأسبق، أن معركة الديموقراطية تأجلت وأنها كانت محط اتفاق بين الحركة الوطنية وبين الملكية في المغربية، داعيا إلى عدم التراجع عن هذا الاتفاق.
ودعا إسماعيل العلوي، عضو مجلس رئاسة التقدم والاشتراكية إلى احترام المنهجية الديموقراطية، وضرورة المسارعة إلى إخراج الحكومة بما يحفظ للمغرب مكانته المتفردة في النسيج العربي.
وشدد محمد السوسي المسناوي، المفتش العام لحزب الاستقلال، على دعوة الأحزاب الوطنية الحقيقية إلى استعادة العمل الجماعي مع المؤسسة الملكية من أجل صالح المغرب، وفاء بتعهدات التحرير ووثيقة المطالبة بالاستقلال.
رسائل الندوة
قال الأمين العالم لحزب الاستقلال، حميد شباط، إن هذه الندوة لها دلالات عديدة تحمل في طياتها فرصة حقيقية لبروز الديمقراطية التاريخية.
وأضاف حميد شباط في تصريح لوسائل الإعلام الوطنية، على هامش الندوة: "الظرف الحالي الذي يمر منه المغرب يفرض على الأحزاب الوطنية الديمقراطية جميعا العودة إلى النبع الصافي".
وسجل شباط أن "الأحزاب الأربعة المذكورة مطالبة بتنفيذ وصايا الأجداد الذين ضحوا بأرواحهم من أجل استقلال الوطن وبناء دولة ديمقراطية حقيقية".
وأوضح أن "المرحلة الراهنة تسائل الأحزاب السياسية حول مدى توفرها على استقلالية القرار السياسي ومدى جديتها في بناء دولة قوية ما بعد دستور 2011، والتوجه نحو حل جميع المعضلات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب المغربي".
واعتبر أن "هذه المعضلات كثيرة، في مقدماتها استكمال الوحدة الترابية للمملكة، حيث لا زالت أجزاء من الأراضي المغربية محتلة، بالإضافة إلى مشاكل البطالة والصحة والتعليم، مسجلا أن هدف حزب الاستقلال هو حماية المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية والوطن".
وشدد على أن "تلاحم الأحزاب الوطنية المتحالفة في إطار تشكيل الحكومة تؤكد استمرار الاعتراف بما أفرزته صناديق الاقتراع يوم7 أكتوبر، مؤكدا ضرورة احترام الإرادة الحرة للشعب المغربي الذي كانت له كلمة الفصل بالرغم من مظاهر التضييق والترغيب التي يعرفها الجميع".
وأكد "ضرورة تسريع إخراج الحكومة المقبلة للوجود والتي تعرف مرحلة من (
البلوكاج/العرقلة)، متمنيا أن تكون حكومة قوية ومنسجمة وقائمة على برنامج متفق حوله وبمرجعيات غير مختلفة بين أحزاب الائتلاف الحكومي".
من أجل جبهة ديموقراطية
قال عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، خالد رحموني، إن الندوة الوطنية عكست أن "ميزان القوى السياسي راجح لصالح القوى النابعة من رحم الشعب، وأشارت إلى تحصين الانتقال من أي إمكانية الارتداد".
وتابع رحموني في تصريح لـ"
عربي21"، أن الندوة سجلت "العزم على المضي في وصل الحاضر بالماضي من خلال التأكيد على المشترك الديمقراطي المتجسد في استكمال مهام البناء الديمقراطي بما يعنيه من تمكين البلد من حسم القضية الديمقراطية سياسيا".
وأفاد: "بعد هذا الزمن السياسي الذي مضى لم تزد الأحزاب الملتئمة إلا رسوخا على تحليلها ويقينا بأن السبيل الأوحد لتفويت الفرص على المتآمرين وخصوم الديمقراطية والإصلاح هو بلورة الحد الأدنى المشترك".
وسجل: "ذكرني الموعد ومضمون الخطاب والتحليل المشترك وحضور القيادات والأجواء الحماسية بمراحل سابقة من تشكيل الكتلة والوطنية وتشكيل الكتلة الديمقراطية".
وشدد على أن "البلد في حاجة إلى بلورة أطروحة سياسية مشتركة للمرحلة وترسم الأفق السياسي للبلد ككل، أطروحة بين قوى ضد السلطوية المنبعثة في المرحلة، أقصد مشكلة من العدالة والتنمية الاستقلال والتقدم والاشتراكية، وبعض القوى الأخرى والشخصيات العامة".
وزاد: "أطروحة ليست حزبية ولا خاصة بل عابرة للأحزاب، تشخص الوضع السياسي العام، وترتب المسؤوليات وتستشرف المستقبل الديمقراطي وتكافح في مستويات عدة لإقرار الانتقال وحماية التجربة الديمقراطية الوليدة..".
هذا، ومر حوالي 50 يوما على انتخابات 7 تشرين الأول/أكتوبر التي مكنت حزب العدالة والتنمية من الفوز بها، وقيام الملك بتعيين ابن كيران رئيسا للحكومة وكلفه بتشكيلها، لكن المشاورات لحد الآن لا تسجل تقدما كبيرا.