نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافي والكاتب التركي مصطفى أيكول، تحت عنوان "توقفوا عن لوم
أردوغان على
تنظيم الدولة"، دعا فيه إلى التعاطف مع
تركيا وليس توبيحها؛ لأنها أصبحت هدفا لتنظيم الدولة.
ويقول الكاتب: "من الفاعل هذه المرة؟ سؤال يسأله الأتراك بعد كل هجوم إرهابي، الذي أصبح الآن حقيقة واقعة في حياتنا، هل الفاعل هو حزب العمال الكردستاني (
بي كي كي)، المليشيا الكردية الماركسية التي تصنفها تركيا والولايات المتحدة جماعة إرهابية؟ أم تنظيم الدولة، الجماعة الجهادية التي لا تختلف رؤيتها كثيرا عن رؤية (بي كي كي)؟".
ويضيف أيكول في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "الأتراك أجبروا على طرح هذا السؤال في الساعة الأولى من عام 2017، عندما قام مسلح منفرد بدخول ناد ليلي راق (رينا) في اسطنبول، وذبح 39 شخصا، وبعد دقائق من حمام الدم غير ملابسه، ومشى خارجا، وأوقف سيارة، واختفى في الظلام، ولم يخلف وراءه أي آثار، وترك الأمر للأتراك ليتوقعوا هوية الجاني، فنظرا لأن المهاجم هاجم أناسا عاديين، فإن الأتراك حملوا تنظيم الدولة المسؤولية، وعندما يتم استهداف الشرطة والجنود الأتراك، فإنهم يفترضون أن الجاني هو (بي كى كى)".
ويتابع الكاتب قائلا إن "هذا المنطق تحقق في هجوم (رينا)، فبعد 36 ساعة من القتل، أصدر تنظيم الدولة بيانا زعم فيه مسؤوليته عن تنفيذ الهجوم، الذي قالت إنه (انتقام من تركيا خادمة الصليبيين)، وأكد البيان على أن الهدف كان ناديا ليليا (يحتفل فيه المشركون)".
ويجد أيكول أنه "لهذا يعد قرار تنظيم الدولة تحمل مسؤولية هذا الهجوم تحولا مهما في علاقته مع تركيا، فمنذ صيف عام 2015 ارتكب التنظيم سلسلة من الهجمات الإرهابية في داخل الأراضي التركية، لكنه التزم بالصمت في أعقابها، والآن أظهر التنظيم موقفه بشكل واضح من تركيا، وجاء في البيان: (فالدم الذي سفكته الطائرات ومدافع الحكومة التركية الكافرة، سيشعل النار في بلادها)، وعبر التنظيم، في الحقيقة، عن موقفه قبل أسبوع من هجوم (رينا)، حيث بث شريط فيديو، وأظهر فيه حرق جنديين تركيين وهما على قيد الحياة، وربما ألقى التنظيم القبض عليهما في أثناء المعارك الأخيرة حول بلدة الباب".
ويشير الكاتب إلى أن "الإعدام الفظيع كان كفيلا بأن يرسل هزات في أنحاء تركيا كلها، لكن الشكر لعمليات الرقابة المثيرة للإعجاب، التي تفرضها الحكومة، وتشمل أوامر لتكميم الإعلام وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تجنبت تركيا مناقشة هذه الأخبار الصادمة، ولهذا لم يكن بالإمكان تجنب هجوم (رينا)".
ويلفت أيكول إلى أن "هذه الهجمات الجريئة تحدث لأن تركيا انضمت إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في أيلول/ سبتمبر 2014، وبدأت قتاله مباشرة في آب/ أغسطس 2016، عندما شنت أنقرة عملية (درع الفرات)، وقامت القوات التركية وحلفاؤها السوريون بالعملية في شمال
سوريا؛ بهدف تقليل مكاسب الأكراد، وإبعاد تنظيم الدولة عن الحدود التركية".
ويؤكد الكاتب أن "الحكومة التركية تشعر بالفخر لما حققته من مكاسب ضد تنظيم الدولة، وتلوم الآن الولايات المتحدة على عدم (تقديم الدعم الكافي) في هذه العملية الجريئة".
وينوه أيكول إلى ما يقدمه نقاد تركيا من تساؤلات حول نشاط تنظيم الدولة الحالي ضد الدولة، حيث يقولون أليس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الشخص المسؤول عن تقوية تنظيم الدولة؟ وألم تكن تركيا هي التي خلقت هذا الوحش بيديها عندما دعمت الجهاديين في قتالهم نظام بشار الأسد؟ ويجيب قائلا إن الحقيقة أكثر تعقيدا من هذه التساؤلات.
ويرى الكاتب أن "هذا مرتبط بالربيع العربي عام 2011، حيث كانت سمعة أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) في ذروتها عالميا ووطنيا، وحاولت حكومة أردوغان استثمار سقوط الأنظمة الديكتاتورية، واستبدالها بأنظمة إسلامية منتخبة ديمقراطيا، ويقودها نموذج العدالة والتنمية، بصفتها حركة إسلامية ديمقراطية تؤدي دورا في هذه التحولات، وبناء عليه ألقت بثقلها لدعم المعارضة السورية بالترادف، ليس مع الدول السنية الأخرى، مثل السعودية وقطر، لكن مع الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا".
ويقول أيكول إن "وجود المقاتلين الأجانب في سوريا بداية عام 2012، أثار استغراب الغرب، إلا أن أنقرة كانت تركز على الإطاحة بنظام الأسد، كما فعلت في العامين التاليين، ويصف السفير الأمريكي السابق في تركيا فرانسيس ريكياردون، الوضع عام 2014 بدقة، قائلا: (ظنت السلطات التركية أنها تستطيع العمل جيدا مع المتطرفين الإسلاميين في الحرب الأهلية السورية، وتدفعهم في الوقت ذاته نحو تيار الاعتدال)، لكن خطة أنقرة فشلت، حيث أصبحت إحدى هذه الجماعات المتطرفة تنظيم الدولة، الذي سيقوم بإرهاب سوريا، ويسمم الثورة السورية، ويعيث فسادا في تركيا".
ويتساءل الكاتب: "هل دعمت تركيا تنظيم الدولة؟ الجواب لا، صحيح أن هناك أدلة على نقل أسلحة تركية إلى سوريا، لكن لا يوجد آي سبب للاعتقاد أن هذا لم يكن غير دعم من أنقرة للجماعات السورية الأقل تشددا، مثل أحرار الشام، ولا شك أن تنظيم الدولة انتفع من المرحلة الأولى، وتواطؤ تركيا من خلال حدودها، فقد ظلت أنقرة ولمدة طويلة مهووسة بفكرة تغيير النظام، وتم النظر للمقاتلين الأجانب الذين جاءوا إلى سوريا كلهم على أنهم رجال طيبون، وفي مرحلة ما ونتيجة للشكاوى الغربية، توقفت تركيا عن منح (شيك على بياض) للجهاديين، إلا أنها تأخرت، فقد أصبح تنظيم الدولة قويا في سوريا والعراق، بل إنه أنشأ شبكة له في داخل تركيا".
ويفيد أيكول بأنه "لم تكن هناك نظرية مؤامرة إسلامية كبيرة دفعت تركيا إلى تجنب مواجهة الجماعات المتطرفة، لكنها السذاجة السياسية، تماما كما لم ير الاشتراكيون الأوروبيون فظائع جوزيف ستالين، ولم ير الإسلاميون الأتراك الذين يتسيدهم حزب العدالة والتنمية فظائع تنظيم الدولة القادمة".
ويشير الكاتب إلى أن "الأسد كان ديكتاتورا علمانيا اضطهد السنة الأتقياء، وتحميله آثام سوريا كلها كان رواية تقوم على معيار الأبيض والأسود، تناسب الذاكرة التاريخية الخاصة لحزب العدالة والتنمية، وعندما ظهر تنظيم الدولة بصفته معادلا قويا للأكراد المؤيدين لـ(بي كي كي)، فقد نال تعاطفا بين صفوف حزب العدالة والتنمية".
ويرى أيكول أنه "لهذا السبب تجنبت أنقرة المواجهة مع تنظيم الدولة؛ نظرا لأنها ركزت جهودها على الإطاحة بنظام الأسد، والتقليل من مكاسب الأكراد، وفي حزيران/ يونيو 2014، قام التنظيم بأول تحرك له ضد تركيا، عندما سيطر على القنصلية التركية في الموصل، واختطف 46 موظفا فيها، وأفرج عنهم بعدما وافقت أنقرة على مبادلتهم، وفي شباط/ فبراير 2015، عندما هدد تنظيم الدولة بتدمير ضريح مؤسس الدولة العثمانية، أرسلت الحكومة التركية جنودا لنقل رفاته".
ويورد الكاتب أن "غضب التنظيم على تركيا بدأ بسبب حربه مع الأكراد في شمال سوريا، وفي البداية اتخذت تركيا موقفا محايدا من النزاع، ما أدى إلى غضب الطرفين، وكان عدم تحرك تركيا أمام الحصار الذي فرضه التنظيم على بلدة كوباني الكردية صيف عام 2015 مثار غضب السوريين والأكراد، وسببا في انهيار العملية السلمية مع (بي كي كي) في تموز/ يوليو 2015".
ويبين أيكول أنه "من منظور المعسكر المؤيد لـ(بي كي كي)، فإن أردوغان اختار الوقوف في صف الجهاديين، وبناء على المواد التي نشرها التنظيم باللغة التركية، فإنه لم يخفف موقف أنقرة من غضب الجهاديين تجاه أردوغان، الذي وصف بـ(الشر الأكبر) و(بي كي كي) بـ(العصابة العلمانية التي يغذيها أردوغان)، ولهذا السبب تم توجيه ضربات التنظيم الأولى في تركيا على الجماعة الكردية، في ديار بكر وسروج وأنقرة، وعندما ردت تركيا على هذه الهجمات في داخل البلاد وسوريا زادت شراسة رد تنظيم الدولة، وقتلت الهجمات التي نفذت فيما بعد 100 شخص في اسطنبول وحدها".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هجمات تنظيم الدولة و(بي كي كي)، بالإضافة إلى المحاولة الانقلابية الدموية الفاشلة في الصيف الماضي، وسياسة القمع الحديدية في أعقابها، أصابت الأتراك بالصدمة، فلا أحد يعرف من أين ستأتي الضربة المقبلة، وإن كانت تركيا ستنتصر في حرب على جهتين ضد تنظيم الدولة و(بي كي كي)".
ويجد أيكول أن "غياب الأمن يغذي الاستقطاب المتطرف في البلاد، ففي الوقت الذي تلوم فيه المعارضة حكومة أردوغان على جلب هذا كله إلى البلاد، فإن مؤيديه الذين يشكلون نصف الناخبين، يرون فيها سببا لدعم الحكومة أكثر".
وبحسب الكاتب، فإن "تركيا تعيش اليوم في أسوأ مرحلة من مراحل غياب الأمن والاستقطاب في تاريخها، وهي تواجه تهديدا أمنيا حقيقيا، فالحكومة تستحق التعاطف الدولي والدعم، إلا أن الحكومة ذاتها تضر بشرعيتها، من خلال حملات القمع ضد المعارضة، واستغلال أزمة الأمن".
ويخلص إيكول إلى القول إنه "بدلا من الإمساك بالمشكلات المعقدة التي تواجهها الحكومة التركية، فإنها تقوم بشرحها على أنها نتاج لنظريات مؤامرة على تركيا ومجد أردوغان، وهي تعيد تكرار الأيديولوجية العمياء التي شوهت مغامراتها في سوريا".