جاء في "النهار" وغيرها أمس أن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف قال في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في سويسرا "أن إيران والمملكة العربية السعودية يجب أن تعملا معاً للمساعدة على إنهاء الصراعات في سوريا واليمن بعد التعاون بنجاح في شأن لبنان العام الماضي". وأضاف: "لا أرى سبباً لأن تكون هناك سياسات عدائية بين الدولتين. حقيقة يمكننا العمل معاً لإنهاء الأوضاع المأسوية لشعوب سوريا واليمن والبحرين وغيرها من دول المنطقة. لقد تمكنت إيران والسعودية من وقف عرقلة الانتخابات الرئاسية في لبنان وحققنا نجاحاً".
طبعاً لا يرمي تناول هذا الكلام الايراني الى "التمريك" على جهة لبنانية وازنة اعتبرت منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية أنه "رئيس صُنع في لبنان"، وأن مبادراتها السياسية كان لها الدور الأبرز في ذلك. إذ أن أحداً لا ينكر دورها المسيحي أولاً والوطني ثانياً رغم اختلاف مفهوم الوطن والمواطنية عند القوى السياسية في البلاد. وهو اختلاف تسبّب، الى عوامل اقليمية معروفة، بحروب لبنان، ولا يزال يعرقل حتى الآن إنهاء الحرب السياسية – الطائفية – المذهبية رغم إنهاء اتفاق الطائف الحرب العسكرية. لكنه يرمي الى لفت الجميع الى أن العوامل الخارجية لا تزال أكثر فاعلية في لبنان من تياراته وأحزابه وزعمائه وطوائفه ومذاهبه، وقبائله الحية، كما من القوى الاخرى المتلاشية، والى عدم الوقوع في الأوهام نتيجة مصالح وحسابات سياسية مع التمسّك في الوقت نفسه بكل ما من شأنه "لبننة" لبنان.
كما أن كلام الوزير الإيراني يرمي الى طرح بعض التساؤلات أمام الرأي العام اللبناني أبرزها - هل عقدت اجتماعات بين مسؤولين ايرانيين آخرين وسعوديين في طهران أو الرياض أو جنيف أو بيروت أو أي مكان آخر للبحث في رئاسة لبنان وحل الخلافات حولها؟ والجواب أن لا شيء على الاطلاق أشار الى ذلك. طبعاً يمكن اعتبار "حزب الله" اللبناني ممثلاً في الوقت نفسه لإيران وبالطبع مشاركاً في التسوية وإنجازها. لكن هل يمكن اعتبار الرئيس سعد الحريري سعودياً في السياسة الحالية للمملكة وليس بالجنسبة لأنه يحملها؟ والجواب هو طبعاً كلا رغم مبادرة الرياض الى تسهيل أموره في الرئاسة والحكومة حرصاً على موطئ قدمها في لبنان، وعلى عدم تركه ساحة متقدمة لإيران وحلفائها - هل تعتبر السعودية أن "التسوية أو الحل" في رئاسيات لبنان اللذين يعتبرهما ظريف إنجازاً مشتركاً متكافئين؟ أي هل أن حصص كل من الدولتين فيهما متساوية؟ والمعطيات والواقع السياسي الذي نشأ بعد انتخاب عون رئيساً وتأليف سعد الحريري حكومة العهد الأولى تشير كلها الى رابح وخاسر.
وطبيعي أن لا تشارك المملكة إيران تسوية غير رابحة بالنسبة إليها أو ذات ربح محدود لها. والأدلة على ذلك كثيرة، منها فوز مرشح "حزب الله" للرئاسة وحصوله على الثلث الضامن (أو المعطّل) فيها رغم إعلان قيادته سابقاً أنه ليس في حاجة الى ثلث كهذا لأن مؤيدي حليفه عون فيها. وما رفعُ عدد الوزراء من 24 الى 30 إلا لحرصه على ثلث معطّل مضمون بوزراء "التيار الوطني الحر" و من دونهم. ويدلّ ذلك على أن "الحزب"، وهذه خاصية إيرانية ودول أخرى مشابهة، يتحسّب لتطورات في مواقف لا أخصامه فحسب بل أخلص حلفائه أيضاً.
في اختصار تعترف السعودية أن الفائز في لبنان في "الجولة الأخيرة" "حزب الله" وحليفته إيران. فهل يظنّ وزير خارجية الاخيرة ظريف أنها ستسهّل تسوية في سوريا واليمن وغيرهما ظاهرها متكافئ نسبياً أو قليلاً وجوهرها "طابش" لإيران؟ وهل يعتقد أن الشيطان الأكبر (أميركا) رغم مشكلاته في المنطقة وداخل بلاده سيترك هذه المنطقة "سدح مدح" كما يُقال لطهران ولحلفائها الجدد من الدول الكبرى؟ وهل يصدّق أن روسيا ستستعمل إمكاناتها العسكرية المتنوعة لتمكين إيران من تنفيذ مشروعها الاقليمي المسمى خطأً أو صواباً "الهلال الشيعي"؟ اذا كان الجواب نعم على كل ذلك فعليه أن يحلّل الكلام العلني لروسيا في وسائل الاعلام عن أن تدخلها (بطلب إيراني) في سوريا منع سقوط دمشق وانهيار نظامها الذي كان متوقعاً بعد "أسبوعين أو ثلاثة". كما عليه أن يقرأ تحليلاً عميقاً للأكاديمي السعودي المعروف خالد الدخيل نشرته الزميلة "الحياة" يوم 2017/1/15 عن زيارة الرئيس عون للمملكة، فيعرف أنه وبكلامه "الهادئ" لتلفزيوني "الجزيرة" و"العربية" لم يغيّر أيا من مواقفه السابقة التي على أساسها اعتُبر عدواً للرياض أو خصماً عنيداً لها.