نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لكبير مراسليها في البيت الأبيض بيتر بيكر، يعلق فيه على لقاء الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب برئيس السلطة
الفلسطينية محمود عباس في واشنطن يوم الأربعاء.
ويقول الكاتب إنه "منذ أن أعلنت بريطانيا قبل 100 عام بأنه يجب إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، فإن الانسجام فارق تلك المنطقة الجافة المظلمة، وبذل الرؤساء والملوك ورؤساء الوزراء والدبلوماسيون والمبعوثون الخاصون جهودا مضنية على مدى قرن من الزمان بحثا عن السلام".
ويستدرك بيكر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "الرئيس ترامب ليس متهيبا من تحدي مهمة التوفيق بين
الإسرائيليين والفلسطينيين، وقال يوم الأربعاء: (إنه أمر أظن بصراحة أنه قد لا يكون بالصعوبة التي يعتقدها الناس على مدى السنوات)".
ويعلق الكاتب قائلا: "مهما يمكن القول عن ترامب، فإنه لا يعاني من نقص في الثقة، وفي الوقت الذي استضاف فيه عباس، فإنه أعلن بأنه سيكون الرئيس الذي يحقق السلام أخيرا في الشرق الأوسط، وقال: (سنقوم بإنجاز هذا الأمر)، وقال إنه في ظل قيادته فإنه (لن تكون هناك كراهية لفترة طويلة)".
ويقول بيكر: "لا يهم إن كان ترامب يظن أن إلغاء برنامج الرئيس السابق الصحي واستبداله بنظام آخر أمر (سهل جدا)، أو أنه توقع أن يكون إخضاع كوريا الشمالية لرغبته لا إشكال فيه، أو أن يفرض على المكسيك الدفع لبناء جدار حدودي، وهو أيضا من قال إنه المرشح الذي يعرف عن تنظيم الدولة أكثر مما يعرف الجنرالات، وهو من أصر على أن بإمكانه دفع ديون أمريكا (19 تريليون دولار) تراكمت على مدى 182 عاما (بسرعة)".
ويشير الكاتب إلى أن "المبالغة طبعا صفة مركزية في شخصية ترامب لعقود، وهي التي جعلته من كبار ملاك العقارات ونجم تلفزيون، وأعطته ما يكفي من الجاذبية ليفوز في منصب الرئاسة، لكن البيت الأبيض يختلف، فعادة ما يندم الرؤساء على توقعاتهم الجريئة، وكل ما على ترامب أن يفعله هو أن يسأل أولئك الذين قضوا عقودا يقرعون رؤوسهم على جدار الشرق الأوسط الصلب دون جدوى".
وتنقل الصحيفة عن المفاوض السابق في الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر، الذي قضى سنوات لإقناع الفلسطينيين والإسرائيليين بالجلوس على طاولة المفاوضات، قوله: "عندما يقول ترامب سنعقد هذه الصفقة، فإنه يفكر في صفقة عقارات لمرة واحدة، ومع أن ذلك صحيح جزئيا، إلا أن ما يفصل الإسرائيليين والفلسطينيين (يتجاوز فن الصفقات) بشكل لست متأكدا أن بإمكانه البدء في تخيله".
ويعلق بيكر قائلا: "كان ذلك واضحا عندما التقى الرئيس بعباس، حيث اكتفى بالقول بأنه سيعمل ما هو ضروري للتوصل إلى اتفاق، لكنه لم يعط أي فكرة عن كيف ينوي القيام بذلك".
ويضيف الكاتب: "أما عباس فأعاد الشروط الفلسطينية التي أصروا عليها لسنوات، وهي إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود ما قبل حرب 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين، وتحرير السجناء من السجون الإسرائيلية، ورفض الإسرائيليون هذه المطالب، كما أن إسرائيل لم تغير من مواقفها الثابتة".
ويلفت بيكر إلى أن "ترامب أوضح بأن التفاصيل لا تهمه، وتخلى عن الالتزام الأمريكي لفترة طويلة بحل الدولتين، حيث قال خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو في شهر شباط/ فبراير، بأنه سيقبل بحل الدولتين أو حل الدولة الواحدة إن اتفق الطرفان على ذلك، ويفضل الفلسطينيون أن يدعم ترامب حل الدولتين، ولذلك فإنه خاب أمل عباس يوم الأربعاء عندما لم يتطرق ترامب إلى حل الدولتين".
وتورد الصحيفة نقلا عن ترامب، قوله: "نريد أن نصنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وسنقوم بفعل ذلك، وسنعمل بجد لفعل ذلك"، ثم استدار نحو عباس، وأضاف: "أظن أن هناك فرصا جيدة جدا، وأظن أن لديك الشعور ذاته".
وينوه الكاتب إلى أن عباس، البالغ من العمر 82 عاما، من المفاوضين الذين وقعوا اتفاقية أوسلو في حديقة البيت الأبيض عام 1993، وأشار إلى أنه يشعر بأمل بأنه بعد مرور ربع قرن على أوسلو، قد يستطيع ترامب التوصل إلى حل نهائي بناء عليها.
وتذكر الصحيفة أن عباس امتدح ترامب "لقيادته الشجاعة" و"الحكيمة"، وقال: "أعتقد بأن بإمكاننا أن نكون شركاء حقيقيين لكم للتوصل إلى اتفاقية تاريخية"، مشيرة إلى أن عباس ناشد ترامب أن يفهم وجهة النظر الفلسطينية، وقال: "لقد آن الأوان أن تنهي إسرائيل احتلالها لشعبنا وأرضنا بعد 50 عاما.. فنحن آخر شعب في العالم لا يزال يعيش تحت الاحتلال، ونتطلع إلى تحقيق الحرية والكرامة، ونريد حقنا في تقرير المصير".
ويفيد بيكر بأن ترامب عكس الموقف الإسرائيلي، حيث طالب عباس بعدم التحريض، فقال: "لا يمكن أن يكون هناك سلام ما لم يتحدث القادة الفلسطينيون بصوت موحد ضد التحريض والعنف والكراهية"، لافتا إلى أنه لم يذكر علنا المساعدات التي تدفع لأهالي "الإرهابيين المدانين"، لكن المتحدث باسمه شون سبايسر، قال إن ترامب طرح القضية مع عباس خلال لقائهما.
ويقول الكاتب: "يبدو ترامب مصمما بشكل حقيقي على السعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وعين زوج ابنته جارد كوشنر ومحاميه جيسون غرينبلات لقيادة هذا الجهد، وقد يزور الرئيس إسرائيل هذا الشهر قبل زيارته المزمعة إلى أوروبا".
ويخلص بيكر إلى القول إن "فكرة النجاح حيث فشل الآخرون تستهوي ترامب، حيث قال: (خلال حياتي سمعت دائما بأن أصعب صفقة هي صفقة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.. فلنر إن كان بإمكاننا إثبات أنهم مخطئون)".