مع اقتراب الذكرى الخامسة لإعلان قائد الجيش عبدالفتاح
السيسي، انقلابه على الرئيس الشرعي للبلاد محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013؛ أكد محللون وخبراء اقتصاديون أن الزعيم الانقلابي لم ينجح في تحويل مصر إلى "جنة" كما وعد المصريين.
وأضافوا أنه على مدار السنوات الأربع الماضية؛ تحولت وعود السيسي للشعب المصري بالانتعاش الاقتصادي؛ إلى حصاد مر على المستوى الداخلي، حيث الفشل الاقتصادي، وزيادة معدلات
الفقر والبطالة والغلاء.
واعتمد السيسي على الدعاية لمشروعات كبرى، مثل تفريعة قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع المليون ونصف المليون فدان، والمليون وحدة سكنية، إلا أنها جميعا إما باءت بالفشل، أو استنزفت ميزانية البلاد دون أن تحقق العائد منها.
وبحسب الخبراء والمحللين؛ فإن السيسي اتخذ قرارات اقتصادية أضرت بالمصريين، وضاعفت الأعباء المعيشية على ملايين الفقراء، وزادت من أعداد محدودي الدخل، حيث أصبح يقبع 27 بالمئة (30 مليونا) من المصريين تحت خط الفقر.
العاصمة الإدارية
أطلق السيسي مشروع العاصمة الجديدة كأكبر مشروعاته العملاقة خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في آذار/ مارس 2015، بتكلفة 300 مليار دولار، على مساحة 168 ألف فدان (مساحة سنغافورة)، وتضم مطارا أكبر من "مطار هيثرو" في لندن، ومبنى أعلى من "برج إيفل" في باريس.
وبعد حملة دعائية كبيرة عن انضمام شركاء أجانب وعرب، خرجت شركة "إعمار" الإماراتية من المشروع في 26 تشرين الثاني/ يناير 2016، لتعلن شركة صينية خروجها أيضا في شباط/ فبراير 2017.
ويتساءل مصريون عن إصرار السيسي على بناء عاصمة بدلا من القاهرة، خاصة أن نقل الوزارات والمصالح الحكومية يكلف المليارات، بالإضافة إلى أن عمليات البناء تستنزف الدخل القومي في ظل اقتصاد متهالك، وهو ما يأتي على حساب الطبقات الفقيرة.
المليون ونصف المليون فدان
أعلن السيسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، عن إطلاق المشروع القومي لاستصلاح أربعة ملايين فدان. ولكنه قلص المشروع في تموز/ يوليو 2015 إلى مليون ونصف المليون فدان، على أن يتم تنفيذه خلال عامين. وفي أيار/ مايو 2016؛ قال إن الاستصلاح يحتاج لأربعة أعوام بدلا من عامين.
وفي 26 نيسان/ أبريل الماضي؛ اعترف السيسي بعجزه عن تنفيذ المشروع، رغم مرور ثلاث سنوات على إطلاقه. واتهم خلال مؤتمر الشباب بالإسماعيلية وزارتي الري والزراعة بالتقصير في تنفيذ المشروع.
وأكد عاطر حنورة، رئيس شركة الريف المصري، القائمة على المشروع، في تصريحات إعلامية، أن هناك تضاربا في تقارير وزارة الري، التي زعمت أن المياه تكفي للزراعة، لتتراجع معلنة عن أنها تكفي 40 بالمئة فقط، لتعود وتقول إن المياه لا تكفي إلا 26 بالمئة من المشروع.
ويقول خبراء إن المشروع يواجه عقبات في التمويل مع تراجع الدعم الخليجي للانقلاب، وتزايد عجز الموازنة، وتقلص إيرادات البلاد السنوية، وتوجه السيسي نحو تنفيذ العاصمة الإدارية، مؤكدين أن دراسات المشروع متسرعة، والمياه الجوفية غير كافية، وملوحتها عالية، وأن المشروع لا يعدو كونه "شو إعلاميا".
المليون وحدة سكنية
أعلن السيسي في آذار/ مارس 2014 عن ما أسماه بـ"المشروع التاريخي" بتكلفة 185 مليار جنيه. وروجت أذرعه الإعلامية للمشروع، ووعدت الشباب بشقة سكنية لا يتجاوز سعرها الـ75 ألف جنيه تدفع على أقساط.
وفي 2 حزيران/ يونيو 2016؛ تحدث السيسي عن المشروع كإحدى إنجازاته خلال عامين من حكمه، إلا أن المشروع واجه أزمة مع شركة "أرابتك" الإماراتية المنفذة له، ودخل نفقا مظلما بسبب الأوضاع الاقتصادية. وبحسب خبراء اقتصاديين؛ فإن ما تم تنفيذه لا يرقى لحجم الدعاية.
ويشتكي الشباب المصري من زيادة مقدمات الحجز من خمسة آلاف جنيه إلى تسعة آلاف، وإجبارهم على دفع ما يقرب من الـ30 ألف جنيه بمجرد التخصيص، إلى جانب رفع قيمة الوحدة السكنية إلى 156 ألف جنيه.
قناة السويس
كان مشروع تفريعة "قناة السويس الجديدة" هو الأول الذي أعلن عنه السيسي وسط وعود بزيادة دخل القناة بأرقام فلكية، إلا أن المشروع الذي بلغت كلفته 64 مليار جنيه؛ لم يحقق شيئا يذكر، بل إن الدخل السنوي للقناة تراجع بشكل لافت.
وأظهرت البيانات الرسمية لإيرادات قناة السويس؛ انخفاضها إلى 395.2 مليون دولار في كانون الثاني/ يناير 2017، من 414.4 مليون دولار في كانون الأول/ ديسمبر 2016.
وفي 21 أيلول/ سبتمبر 2016؛ أعلن البنك المركزي انخفاض متحصلات قناة السويس بمعدل 4.5 بالمئة، لتسجل نحو 5.1 مليار دولار، مقابل 5.4 مليار دولار.
تعويم الجنيه
يعد تعويم الجنيه من أكثر القرارات التي أثرت على المصريين، حيث أعلن البنك المركزي في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 تحرير سعر الصرف، وتركه وفقا لآليات العرض والطلب، وهو ما يعرف بسياسة "التعويم"، وهو إجراء اقتصادي تشترطه المؤسسات الدولية المقرضة لتقليص الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية.
ولكن الوضع انقلب في الحالة المصرية، وتحرك سعر الدولار من 8.78 جنيه وقت القرار، ليتعدى سعر العملة الأمريكية 18.20 جنيه بالبنوك الرسمية حاليا، ناهيك عن السوق الموازية.
ويرى محللون أن تعويم الجنيه أضر بالاقتصاد، وضاعف أسعار السلع المستوردة والمحلية التي تعتمد على خامات مستوردة، وأضر بالصناعة الوطنية، وقلص حجم أعمال الشركات.
معدل التضخم
وأدت سياسات الانقلاب الاقتصادية إلى تفاقم نسبة التضخم ليصل إلى أعلى مستوى له في 30 عاما.
وفي 10 أيار/ مايو 2017؛ كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (رسمي) عن ارتفاع معدل التضخم السنوي مسجلا 32.9 بالمئة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطعام والشراب على أساس سنوي بنحو 44.3 بالمئة.
ويأتي ارتفاع التضخم وزيادة أسعار السلع الرئيسة وسط تراجع منظومة دعم السلع التموينية، وتخصيص 15 جنيها فقط للفرد بالبطاقة التموينية، مع تراجع دخل الفرد، وزيادة نسب الفقر، وانخفاض القيمة الحقيقية للأجور، ما دفع عشرات المصريين إلى الانتحار عامي 2015 و2016.
ومؤخرا؛ توقع محللون اندلاع "ثورة جياع" مع استمرار معدلات ارتفاع السلع المقررة في تموز/ يوليو المقبل، ووصول معدل
البطالة إلى 12 بالمئة، وعدد العاطلين عن العمل إلى 3.503 مليون.
الدعم
وبرغم أن حكومة الانقلاب زادت دعم السلع التموينية إلى 63 مليار جنيه بموازنة 2017/ 2018 مقابل 41 مليار جنيه بموازنة 2016/ 2017، إلا أن تلك الزيادة غير فعلية؛ بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار، وزيادة قيمة الدولار لأكثر من 18.2 جنيه، بحسب خبراء اقتصاديين.
ووفقا لوزارة المالية؛ انخفض دعم المواد البترولية بموازنة 2017/ 2018، ليسجل 33 بالمئة من إجمالي الدعم والمنح البالغ 110 مليارات جنيه، وكان من المفترض تخصيص 145 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، فيما سجل دعم الوقود 64 بالمئة في موازنة 2011/ 2012.
وفي المقابل؛ رفع نظام الانقلاب أسعار الوقود في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 إلى 40 بالمئة؛ بمجرد الإعلان عن تحرير سعر صرف الدولار.
ومن المقرر أن ترفع السلطات الانقلابية أسعار الوقود بداية تموز/ يوليو 2017، بنسبة تصل إلى ما بين 25 و40 بالمئة من الأسعار الحالية، وهو ما يعني موجة جديدة من ارتفاع الأسعار.
وخفضت حكومة الانقلاب دعم شرائح الكهرباء إلى 30 مليار جنيه، في حين كان من المفترض تخصيص 60 مليار جنيه لها. وتتجه السلطات إلى زيادة أسعار الكهرباء في تموز/ يوليو 2017 بنسبة 30 بالمئة كحد أقصى.
ويعد محدودو الدخل المتضرر من خفض دعم السلع التموينية والوقود والكهرباء وارتفاع أسعار تلك الخدمات.
الدين العام
اعترف قائد الانقلاب بمؤتمر الشباب بالإسماعيلية في 26 نيسان/ أبريل 2017، ارتفاع الدين من 600 أو 700 مليار جنيه في 2011، إلى أكثر من 3.4 تريليون جنيه، أي أنه تضاعف لأربع مرات في ست سنوات، موضحا أن خدمة الدين تصل إلى 350 مليار جنيه.
وأعلن البنك المركزي في 4 نيسان/ أبريل 2017 عن ارتفاع حجم الدين الخارجي بنسبة 40 بالمئة في النصف الأول من 2016-2017، مؤكدا أن الدين الخارجي ارتفع إلى 67.3 مليار دولار، من تموز/ يوليو وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2016، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015، بنحو 48 مليار دولار.
ويعد الدين الداخلي والخارجي عبئا كبيرا على الأجيال القادمة، وعلى الاقتصاد الذي يعاني من خروج بعض الاستثمارات والشركات الأجنبية، وتراجع عائدات السياحة وإيرادات قناة السويس، وانخفاض تحويلات المصريين بالخارج.
عجز الموازنة
ويقول محللون اقتصاديون إن الموازنة المصرية في عهد الانقلاب، تعاني عجزا دائما يأتي على حساب الطبقات الفقيرة.
وفي 20 حزيران/ يونيو 2017؛ أكدت لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، أن عجز موازنة 2017/ 2018 بلغ 374.1 مليار جنيه، بنسبة 9 بالمئة من الناتج المحلي، ما يعكس قصور الإيرادات العامة للدولة عن تغطية نفقات التشغيل والأجور والدعم، ونفقات التعليم والصحة.
تحويلات المصريين
ويعمل نحو ثمانية ملايين مصري في الخارج، 70 بالمئة منهم في الخليج العربي، بينهم 50 بالمئة في السعودية، ونحو 30 بالمئة في أوروبا وأمريكا وكندا، فيما تحتل مصر المرتبة السادسة عالميا في تلقي التحويلات المالية.
وأعلن البنك المركزي في 21 أيلول/ سبتمبر 2016 تراجع تحويلات المصريين في عام 2015/ 2016، لتصل إلى 12.4 مليار دولار، مقارنة بـ18.4 مليار دولار في عام 2011-2012، وهو ما أرجعه محللون إلى سياسات الانقلاب الخاطئة، والتي أهمها وضع حد أقصى للسحب من البنوك بقيمة 10 آلاف دولار.
وفي العام المالي 2012- 2013 زادت تحويلات المصريين لتبلغ 18.7 مليار دولار، ولكنها انخفضت عام 2015- 2016 إلى 12.4 مليار دولار.