نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحافي ديفيد سانغر، يقول فيه إنه بعد أكثر من عام بقليل من بروز الجهود الروسية للتأثير في الانتخابات الأمريكية للعلن، فإن خلافات دبلوماسية وقعت، ظهرت آثارها جلية.
ويقول الكاتب إن "الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، الذي راهن على الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، كان يأمل بأن يقوم الأخير بمعاملة بلاده كما تمنى بوتين دائما أن يعامل الغرب بلاده، على أنها القوة العظمى التي كانت موجودة سابقا، أو على الأقل قوة عسكرية يحسب لها حساب من سوريا إلى أوروبا، حيث قامت بتجديد إمكاناتها العسكرية بعد عقدين من الإهمال".
ويعلق سانغر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا إنه "يبدو الآن أن ذلك الرهان عاد بمفعول عكسي تماما، وإن كانت هناك رسالة لموسكو من خلال قرارت المقاطعة التي صوت عليها الكونغرس الأسبوع الماضي فإن تلك الرسالة هي أن يدي ترامب مقيدتان في التعامل مع موسكو، وربما لعدة سنوات قادمة".
ويشير الكاتب إلى أنه "بعد أسابيع فقط من التقاء الزعيمين في هامبورغ في ألمانيا، في لقاء بدا وديا، وبعد حديث ترامب في المقابلات عن الصفقات الممكنة مع
روسيا، إلا أن الكونغرس ليس مستعدا لقبول ضم روسيا للقرم، ولن يسمح بالاستثمار المكثف في الطاقة الروسية، وصوت على العقوبات الجديدة ائتلاف من الديمقراطيين، الذين يعدون أن بوتين شارك في إفشال المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية، والجمهوريين الذين يخشون أن رئيسهم لا يدرك مع من يتعامل في موسكو".
وتذكر الصحيفة أن "الخبراء رأوا في قرار بوتين طرد مئات الدبلوماسيين الأمريكيين، الذي يعكس براعته، بصفته رجل تكتيك وليس مخططا استراتيجيا، أنه يعتقد أنه يستطيع الضغط أكثر بفعل مثل هذا شبيه بأيام الحرب الباردة، من محاولة الرد بخليط من الحيل والهجمات الإلكترونية وحرب والمعلومات".
ويستدرك سانغر قائلا: "لكن لا أحد يعرف كيف سيؤثر هذا في العلاقات اليومية بين البلدين، وفي الوقت الذي أعلن فيه الإعلام الروسي منع 755 دبلوماسيا أمريكيا من العمل، والمفترض أنه سيتم طردهم، إلا أن عدد الدبلوماسيين الأمريكيين في روسيا لا يصل إلى هذا العدد".
ويعلق الكاتب على ذلك الرقم بالقول إنه "بالتأكيد يتضمن روسا يعملون في السفارة، وعادة في وظائف غير حساسة (وبحسب إحصاء عام 2013 في تقرير مفتش وزارة الخارجية كان عدد الموظفين المحليين في السفارة والقنصليات الثلاث 934 موظفا من مجموع العاملين فيها، البالغ عددهم 1279، وهذا يعني أنه كان هناك 345 أمريكيا، وتحدث كثير منهم عن مضايقات مستمرة من المسؤولين الروس)، بالإضافة إلى أن هناك أشخاصا غير دبلوماسيين يعملون لصالح الحكومة الأمريكية في روسيا في أي وقت من الأوقات، خبراء من مختلف الوزارات من الطاقة إلى الزراعة، وكذلك محطة جواسيس كبيرة بعضهم يعمل تحت غطاء دبلوماسي".
وتنقل الصحيفة عن مديرة مركز دراسات أوراسيا وروسيا وشرق أوروبا في جامعة جورج تاون، وضابطة الاستخبارات المسؤولة عن أوراسيا وروسيا خلال رئاسة جورج بوش الابن، أنجيلا ستينت، قولها: "أحد أهم أهداف بوتين هو أن تعامل روسيا كما كان يعامل الاتحاد السوفييتي، قوة نووية يجب احترامها والخوف منها.. وكان يتوقع أن يحصل على هذا من ترامب"، وأضافت بأن الروس ينظرون الآن إلى البيت الأبيض فيرون "مستوى من الضبابية هناك تجعلهم قلقين"، ولذلك كان رد فعلهم بالعودة إلى العادات القديمة، وطرد الدبلوماسيين هو أحد أقدم هذه العادات.
ويلفت سانغر إلى عودة بعض العاملين في الإدارة الأمريكية ممن خدموا خلال الحرب الباردة لاستخدام المصطلحات ذاتها، فمثلا قال مدير الاستخبارات القومية دان كوتس لمؤتمر في أسبين في كولورادو بأنه لا شك لديه بأن روسيا "تحاول تقويض الديمقراطية الغربية"، مشيرا إلى أن أحد كبار المسؤولين في الإدارة تحدث، بشرط عدم ذكر اسمه، عن إحدى أكثر المشكلات الدبلوماسية التي تواجه إدارة ترامب حساسية، قائلا إن البيت الأبيض لم يفقد الأمل تماما في علاقات أفضل، وذكر المسؤول أن كلام بوتين خلال مقابلة تلفزيونية حول تخفيض عدد العاملين في السفارة لم يكن منمقا، فيبدو أن روسيا تركت المجال مفتوحا للتراجع.
وتورد الصحيفة نقلا عن رولف موات لارسين، الذي خدم في عدة مناصب استخباراتية عالية لأمريكا، بما في ذلك في روسيا، قوله: "ربما فضل الروس عدم المسير في هذا الطريق، لكن بوتين لم يشعر أن لديه خيارا إلا أن يرد بأسلوب العين بالعين.. وقد دخلنا في حرب باردة جديدة لبعض الوقت الآن.. وأي أمل للتوصل إلى تحسن في العلاقات على المدى القريب قد انتهى"، موضحا أن التحول للأسوأ حدث في الأيام الأخيرة من إدارة أوباما، "حيث سيطرت العواطف على العلاقة.. لكن الآن حل الخوف بدلا من الغضب في التعامل مع روسيا".
ويفيد الكاتب بأن "وزير الخارجية الروسي الذكي سيرغي لافروف، كانت نبرته متوازنة في الحديث مع وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون، ولم يلم ترامب، ولا التحقيق في التأثير الروسي على الانتخابات، بل لام الكونغرس، فقالت وزارة الخارجية الروسية يوم الجمعة: (إن التطورات الأخيرة أثبتت بأن السياسة الأمريكية في يد قوى متخوفة من روسيا تدفع بواشنطن نحو المواجهة)، وبعد ذلك بثمان وأربعين ساعة أعلن بوتين خفض عدد الموظفين الدبلوماسيين، ابتداء من 1 أيلول/ سبتمبر، تاركا مجالا للتفاوض".
ويخلص سانغر إلى القول إن "القضية الرئيسية لن تذهب هكذا، حيث يدرك بوتين الآن أن قضية العقوبات هذه؛ بسبب ضمه للقرم، ستستمر سنوات، خاصة أنها صدرت على شكل قانون من الكونغرس، واضطر ترامب للمصادقة عليه؛ خشية أن يقوم الكونغرس باستخدام حق الفيتو ضد قرار رفض المصادقة".