واجب الوقت الآن، أن تحتشد كل القوى الوطنية في
مصر، ولا أستبعد منها "الفلول"، للمطالبة بفتح تحقيق في
مقتل الجنود المصريين في رفح في الخامس من أغسطس سنة 2012، ذلك بأن هناك من قد استقر في وجدانهم أن من قتلوا الجنود ينتمون لحركة
حماس، وقد لاذوا بالفرار إلى غزة، ليجدوا الحماية هناك!
كل ما يثار بعد
عملية المصالحة بين النظام الانقلابي وحركة حماس، يمكن أن يكون محل جدل وأخذ ورد، بما في ذلك المصالحة مع سابقة الاتهام الموجه للحركة بفتح السجون في اليوم الأول لثورة يناير، وإخلاء سبيل
الدكتور محمد مرسي وإخوانه، ويمكنني أن أتفهم فتح صفحة جديدة مع حماس، في الوقت الذي يحاكم فيها الرئيس مرسي وعدد من قيادات الجماعة بالتخابر معها. وتفهم أن تحاور "لميس" وبعلها رئيس المكتب السياسي للحركة "إسماعيل هنية"، في حين أن صحفياً قضى أكثر من أربع سنوات في السجن على ذمة قضية التخابر مع "حماس"، هو زميلنا "إبراهيم الدراوي"، مع أن كل ما فعله هو إجراء مقابلات صحفية منشورة، مع قادة الحركة، بوصفه صحفياً متخصصاً في الشأن الفلسطيني. لتظل القضية الوحيدة التي لا تقبل "الأخذ والرد"، هي فتح صفحة جديدة مع حماس وتجاهل قضية مقتل الجنود المصريين وهم يتناولون إفطارهم في شهر رمضان الفضيل، وأصابع الاتهام وجهت إلى الحركة، وكانت الخصومة – كما قيل - حائلاً دون التحقيق في هذه الجريمة النكراء!
إذا اعتبرنا أن النظام الانقلابي في مصر، كذب حتى صدق نفسه، وصار يعتقد فعلاً أن "حماس" قامت بغارة في اتجاه مصر استخدمت فيها سيارات الدفع الرباعي، لافتتاح السجون، على النحو الذي ورد في حيثيات أحكام قضائية، فمثلي يمكنه أن يتقبل تجاوز سلطة الحكم لذلك، وإقدامها – مع ذلك - على فتح صفحة جديدة مع "حماس"، فقد قال الأولون: "لا محبة إلا من بعد عداوة"، والسياسة لا تعرف الصداقة الدائمة أو الخصومة الدائمة، لاسيما وأن "أهل الحكم" في مصر مكلفون بفتح هذه الصفحة، لحسابات دولية وإقليمية، وربما جزء من صفقة القرن، أو في الحدود الدنيا لانتزع الملف الفلسطيني، من قطر وتركيا، وهو تصرف مفهوم، وقد يراه القوم انتصاراً يستحق التجاوز وعدم التوقف عند لحظة فتح السجون، إن كانوا بالفعل يصدقون أن حماس قامت بالفعل بذلك.
"القضية الوحيدة التي لا يمكن تجاوزها تحت أي حسابات، هي قضية مقتل ستة عشر جندياً مصرياً في رفح"
ويمكنني أيضاً تفهم فتح صفحة جديدة مع حماس مع أنه سبق اتهامها بأنها مسؤولة عن كثير من العمليات الإرهابية، وبالإضرار بالموقف المصري، بوصفها جزءاً من التنظيم الدولي للإخوان، ومارست التخابر للإضرار بالمصالح القومية للبلاد، فالنزاعات وربما الحروب، لا تحول دون مصالحات بين الدول، وبعد حربين كانت المصالحة المصرية الإسرائيلية، وسبق المصالحة، تخابر إسرائيل ضد مصر، وواحدة من علميات التخابر كانت تستهدف قتل الرئيس جمال عبد الناصر نفسه بالسم، وعند سقوط شبكة التجسس تبين أنهم ست شبكات وليست شبكة واحدة، بل إن توقيع معاهدة السلام لم يمنع إسرائيل من إرسال الجواسيس والتخابر!
بيد أن القضية الوحيدة التي لا يمكن تجاوزها تحت أي حسابات، هي قضية مقتل ستة عشر جندياً مصرياً في رفح، وهي قضية محورية، استخدمت لتكون بداية حملة الإبادة الإعلامية ضد الرئيس محمد مرسي!
لقد دُقت طبول الحرب ضد الرجل، واتهم في وطنيته، وكيف أنه يقف وإخوانه في غزة وراء مقتل الجنود المصريين، وتم التحريض على قتله عند تشييع جنازة هؤلاء الشهداء، وكان المحرض الرئيسي يعمل باتفاق مع قادة الجيش بحسب اعترافه بعد الانقلاب، والحرف الأول من اسمه "توفيق عكاشة"!
لقد كانت هذه القضية بداية تقرب "عبد الفتاح السيسي" إلى الرئيس محمد مرسي، فهو الذي وشى بقيادة الجيش، وأبلغ الرئيس أن هناك مؤامرة ضده تتم بالاتفاق بين قائد الشرطة العسكرية، وقائد الحرس الجمهوري، وكان مرسي قد استعد للذهاب لتشييع جثامين الجنود فتراجع، وعندما وقع الاعتداء على رئيس الحكومة الدكتور "هشام قنديل" وقف مرسي بنفسه على جدية ما أبلغه به مدير المخابرات الحربية "عبد الفتاح السيسي"، وتمت الإطاحة بعد ذلك بقائد الحرس، وقائد الشرطة العسكرية، فهل كان السيسي طرفاً في الموضوع، وأنه باع أطراف المؤامرة بوشايته؟ وهل كان هو صاحب الخطة، وقد وضعها ثم يخبر الرئيس بها ليجد لنفسه مكاناً براحاً في قلب محمد مرسي، ويصبح مصدر ثقة لديه، فيكون هدفه في المرحلة التالية الوشاية بوزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان سامي عنان، ليصبح طريقه ممهداً و"أخضر زرعي" لرئاسة الجيش؟!
الحقائق التي تجلت بعد ذلك تقول إن عبد الفتاح السيسي يفعل أي شيء في سبيل مصلحته الشخصية، وهذا ليس موضوعنا!
فعندما قتل الجنود المصريون في رفح، تم الإعلان بأن ما جرى، تم بفعل فاعل، والفاعل ليس مجهولاً، فمرسي قد فعلها، وعندما قلنا رداً على ذلك ما قلناه في واقعة اقتحام السجون، وسيارات الدفع الرباعي التي جاءت من غزة إلى القاهرة، بأن الشرطة إذا كانت قد سقطت في يوم جمعة الغضب، فالجيش لم يسقط، وسيناء هي اختصاصه الأثير، فأين كان وسيارات الحمساويين تخترق مصر، وتسيطر عليها؟!
فكان ردهم أن الجناة جاؤوا من غزة وعادوا إليها.. وأن "محمد مرسي" منع الجيش من اعتقالهم، لأنهم من "أهله وعشيرته". ورغم سذاجة ما قيل إلا أنه تم ترويجه على نطاق واسع وتم تصوير قادة الجيش، بمن فيهم مدير المخابرات الحربية على أنهم مغلوبون على أمرهم، في مواجهة هذا الرئيس الطاغية، الذي يفرط في دماء المصريين حماية لأهله وعشيرته! ولماذا يفعل أهله وعشيرته ذلك، إلا إذا كانوا قد انتووا تصدير المشكلات له؟
كل هذه أسئلة لا قيمة لها أمام حملة الدعاية التي قامت بها الثورة المضادة، وإذ نجحت هذه الثورة في يوم 30 يونيو "إياه"، فقد جددت الطلب بالقبض على الجناة، وإعلان الحقيقة للناس، فالرجل الذي غل يد الجيش عن ذلك انحيازاً إلى الجناة من "أهله وعشيرته" تم عزله، لكن قيل لنا إن الجناة في غزة!
"هذه هي غزة قد فُتحت لكم، وها هم الذين دفعوا بالجناة لارتكاب جريمتهم ثم قاموا بإيوائهم، أصبحوا أصدقاء اليوم، ويقال فيهم شعر، فلماذا لم يتم طلب تسليم هؤلاء القتلة؟"
لا بأس، فهذه هي غزة قد فُتحت لكم، وها هم الذين دفعوا بالجناة لارتكاب جريمتهم ثم قاموا بإيوائهم، أصبحوا أصدقاء اليوم، ويقال فيهم شعر، فلماذا لم يتم طلب تسليم هؤلاء القتلة لمحاكمتهم؟ وإذا كان ثمة تورط لقادة الحركة، فيمكن مع "الصفحة الجديدة المفتوحة"، قبول الدية وإغلاق الملف، لكن لا يتم إضاعة دماء ستة عشر مصرياً هدراً، قتلوا بدم بارد في شهر رمضان، وهم يتناولون إفطارهم.
إنني أعلم أنه من المستحيل أن يكون القتلة من حركة حماس، لكن حكمة الذين خلوا من قبل تقول: "كن مع الكذاب إلى باب الدار"، ومن هنا فإن المطالبة بفتح التحقيق في مقتل جنودنا في رفح لا يقل في "أعمال الخير والوطنية"، عن الدفاع عن مصرية "تيران وصنافير"!
فإذا لم تكن الرواية المعلنة صحيحة، فمن قتل الجنود، ولماذا يجري التستر على قتلهم؟