نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لكل من آن بارنارد وهويدة سعد، تقولان فيه إن القوات التي تدعمها أمريكا، والتي أخرجت
تنظيم الدولة من
الرقة، بدأت عملية تنظيف البلد من الألغام، مستدركتين بأن هزيمة المتطرفين جهزت الحلبة لجولة جديدة من الصراع وعدم الاستقرار في الحرب الأهلية السورية الطويلة.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن الجهاديين الفارين بدأوا في التجمع في مناطق نائية، ويعيدون تسلحهم بمساعدة مهربي الصحراء، مشيرا إلى أن التوتر بدأ يتصاعد حول من في المحصلة سيسيطر على الرقة، حيث أعلنت المليشيات الكردية والعربية التي تدعمها أمريكا الانتصار فيها يوم الثلاثاء.
وترجح الكاتبتان مع تراجع تهديد تنظيم الدولة، أن تعيد الحكومة السورية تركيزها على الثوار السوريين، وتكثف القصف الذي أدى إلى أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، دون حل سياسي يلوح في الأفق.
وتذكر الصحيفة أنه لهزيمة تنظيم الدولة، فإن مقاتلين مختلفين، وكثير منهم أعداء لدودون، وضعوا عداوتهم جانبا خلال قتالهم التنظيم وتجمعوا الآن، في الوقت الذي يتم فيه تضييق الخناق على ما تبقى من تنظيم الدولة، وبدأت توتراتهم تطفو للسطح.
ويشير التقرير إلى أن مليشيات تدعمها أمريكا، مكونة من أكراد وعرب قامت بالسيطرة على الرقة، وقام بعد ذلك المقاتلون الأكراد برفع أعلام تحمل صور عبدالله أوجلان، وهو أحد قيادات المتطرفين الأكراد، ما أغضب الكثير من سكان الرقة العرب، الذين يعدون أوجلان إرهابيا، وبعضهم وصف الأكراد بالمحتلين الجدد، لافتا إلى أن آخرين قللوا من احتمال نشوء توتر بين العرب والأكراد، حيث قالت المليشيا المدعومة امريكيا إنها ستسلم الإدارة الرسمية للرقة لمجلس مدني مؤلف من ممثلين عن السكان المحليين.
وتنقل الكاتبتان عن حسام محمد علي، وهو أحد سكان الرقة، ويعمل على إعادة بناء الحكومة المحلية، قوله: "كلنا على السفينة ذاتها"، وأضاف أن العرب والأكراد يريدون "
سوريا ديمقراطية وتعددية"، ولن يفرض أيا منهم إرادته على الآخر.
وتستدرك الصحيفة بأن الحكومة السورية لا تريد لتلك الترتيبات أن تتم، فالحكومة السورية، التي يرأسها بشار
الأسد، تسيطر على معظم سوريا، بعد أن أخذت كثيرا من الأراضي التي سيطرت عليها مجموعات الثوار الذين حملوا السلاح، عقب قيام الحكومة بقمع المظاهرات عام 2011، وتعهد الأسد، الذي تدعمه كل من إيران وروسيا، باستعادة السيطرة على سوريا كلها، بما في ذلك الرقة والمناطق التي تليها، حيث أقام الأكراد منطقة ذات حكم شبه ذاتي، مشيرة إلى أنه ليس من الواضح مدى استعداد الولايات المتحدة لمنعه.
ويورد التقرير نقلا عن مسؤولين في البنتاغون، قولهم إن القوات الأمريكية ستستمر في الدفاع عن المناطق، مثل الرقة، التي استعادتها قوات موالية لأمريكا من تنظيم الدولة، لافتا إلى أن القوات الأمريكية قامت في حزيران/ يونيو، بإسقاط طائرتين سوريتين دون طيار قال المسؤولون إنهما كانتا تهددان القوات التي تدعمها أمريكا.
وتنقل الكاتبتان عن المسؤولين، قولهم إن الموقف لم يتغير، حيث يتوقع الخبراء أن يستمر الوضع لعدة أشهر، "أما ماذا سيحصل بعد ذلك -وما هو مدى استعداد أمريكا للتورط في حرب ضد حكومة الأسد وداعميها الدوليين- فإن هذا سؤال مفتوح".
وتورد الصحيفة نقلا عن الخبير في الشأن السوري مع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أندرو تابلر، قوله: "مسألة الدفاع عن النفس ستستمر بالتأكيد ما استمرت الحرب ضد تنظيم الدولة.. لكن ماذا يحصل بعد ذلك مع العملية السياسية، لا أعلم".
ويفيد التقرير بأن المسؤولين في إدارة ترامب يعترفون بأن الحملة العسكرية في سوريا طغت على أي حملة دبلوماسية، إلى درجة أنه ليست هناك خطة حقيقية لسوريا بعد تنظيم الدولة، لافتا إلى أن وزير الخارجية في إدارة أوباما جون كيري، حاول التوصل إلى حل سياسي في سوريا ما بعد تنظيم الدولة، وكذلك يفعل بريت ماكغيرك رجل إدارة ترامب للتعامل مع الشأن السوري.
وتستدرك الكاتبتان بأنه مع عدم وصول تنظيم الدولة إلى هزيمة تامة، فإن التحالف الذي تقوده أمريكا "غير مستعد بعد لرفع قدمه عن بدالة الوقود"، بحسب المحلل لدى مؤسسة "راند كوربوريشن" إريك روبينسون، لافتتين إلى أن المجموعة المتطرفة لا تزال تسيطر على أربعة آلاف ميل مربع من الأراضي في المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، حيث يختبئ ما يقدر بستة آلاف إلى عشرة آلاف مقاتل.
وتلفت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي يطرد فيه مقاتلو التنظيم من معاقلهم، فإن بعضهم يختفون تحت الأرض، ويتعهدون بالاستمرار في حربهم متمردين يوجهون ضرباتهم ويختفون، مشيرة إلى أن هناك جيوبا لهم في الصحراء في ثلاث محافظات شرق سوريا على الأقل، بما في ذلك كثير منهم مختفون في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية، بحسب المقاتلين والسكان في المناطق.
وينوه التقرير إلى أن "آلافا من مقاتلي تنظيم الدولة سمح لهم بأن يسلموا أسلحتهم ويذهبوا أحرارا من خلال ثغرة غريبة ميزت هذا الصراع، فقبل الهجوم الأخير على معقل من معاقلهم لم يكن غريبا أن ترى الباصات متوقفة تحمل المقاتلين وعائلاتهم لتنقلهم من ساحة المعركة إلى منطقة أخرى يسيطر عليها التنظيم".
وتبين الكاتبتان أن كلا من الحكومة السورية والمليشيات المدعومة من أمريكا قامتا بمنح هذا الميزة، وبالذات للمقاتلين السوريين، الذين يقولون إنهم أكرهوا على الانضمام لتنظيم الدولة، ولمقاتلين أجانب جاءوا إلى سوريا ليمارسوا الجهاد.
وتجد الصحيفة أنه "مع أن هذا التصرف أدى إلى تقصير المعارك، وإنقاذ الأرواح في الجانبين، إلا أنه كان له أثر البالون، فمثلا عندما ضغط على المقاتلين وأخرجوا من الرقة فإنهم انتقلوا إلى محافظة دير الزير، التي تشهد أكبر معركة ضد تنظيم الدولة، وقال شهود عيان من الرقة بأن ما لا يقل عن 15 باصا تحمل مقاتلين من تنظيم الدولة ذهبت منها إلى دير الزور".
وبحسب التقرير، فإن آخرين انتقلوا لمناطق سيطرة الحكومة، مثل السويداء في جنوب سوريا، حيث يقول نور الشامي، وهو من السويداء ويعيش حاليا في المنفى في تركيا، إن المقاتلين السوريين الذين كانوا مع التنظيم يسلمون أنفسهم للحكومة يوميا، مستدركا بأنهم يتسللون بعد ذلك إلى الكهوف في المناطق الشرقية من المحافظة، ويشترون السلاح من المهربين، الذين أحيانا يكونون اشتروه من الجيش السوري ذاته.
وتقول الكاتبتان إن مقاتلي تنظيم الدولة يتجعون بالقرب من آثار تدمر في الشمال، التي أخذت من التنظيم من قوات مناصرة للحكومة، حيث قال مقاتل تم التواصل معه بالرسائل النصية، إنه الآن في مجموعة تسمي نفسها جنود الخلافة، وتأمل في تجنيد المقاتلين الأجانب من تنظيم الدولة ومن المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، وقال إنهم يفضلون القتال حتى الموت في سوريا، ولا العودة إلى بلدانهم في وسط آسيا وأوروبا وغيرها، حيث يتم القبض عليهم.
وتذهب الصحيفة إلى أن "ست سنوات من الحرب تركت سوريا مدمرة، والاقتصاد مدمرا، ولا يزال 100 ألف شخص في السجن، أو مصيرهم الاختفاء بعد الاعتقال، والحكومة راضخة لإيران وروسيا، التي حمت حكم الأسد مقابل نفوذ غير مسبوق، وتقوم طائرات الحكومة بقصف إدلب، حيث يعلق مئات آلاف المدنيين مع جهاديين مرتبطين بتنظيم القاعدة.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الأسد لم يقدم أي تنازلات حتى لمعارضيه غير المسلحين، الذين أدى تظاهرهم للمطالبة بالمزيد من الحقوق ونهاية للفساد في 2011، وهذا ما يترك "احتمالا ضئيلا للإصلاح والمصالحة وإعادة البناء"، بحسب المحلل المتخصص في الشأن السوري بيتر هارلنغ.