لا أعرف أحداً من الإخوان سخر من ترشح "خالد علي" للانتخابات الرئاسية، ومع هذا اطلعت على كتابات ينصب أصحابها مأتماً؛ لأن الإخوان ارتكبوا "كبائر الإثم"، وليس فقط "اللمم"، بسخريتهم من المذكور مرشحا، والذي اعتبره صديقنا "محمود سلطان"، مدير تحرير جريدة "المصريون"، يمثل تحدياً حقيقيا لرغبة السيسي في البقاء "على" السلطة!
لست مشغولاً بالرد على الصديق "سلطان"، وإن كان تصوره عن التحدي الذي يمثله "خالد علي" يغري بالسؤال عن مصدر هذا التصور؛ الذي ألقاه في وجوهنا على أنه بديهية. فما يشغلني هو هذا الاندفاع من قبل "علي" نفسه لإعلان الترشح، وعلى ذات القواعد التي ترشح عليها "حمدين صباحي"، والذي إن قام بدور المحلل ليمكن السيسي من الدخول بها، فإن "خالد علي" يبدو بقرار الترشح بدون الاهتمام بالحسابات؛ كطفل أمسك في لعبة، لتبقى النتيجة واحدة: وهي تمكين السيسي من أن يدخل بها، فيبدو باستكماله الشكل قد وجد رخصة لاستحلال الحرام السياسي.
هل يتحمل "خالد علي" أن يصطف الإسلاميون خلفه؟.. وهل يمكن له أن يقبل أن يعلن الإسلاميون تأييدهم له في هذه الانتخابات؟
وإذا كان هناك من أدهشهم أن يقف الإسلاميون ضد "المناضل الحقوقي الكبير" في الترشح، ليصطفوا بذلك خلف مؤيدي السيسي، فإنني قبل أن أغادر هذه النقطة؛ أود أن أطرح عليهم سؤالاً: وهل يتحمل "خالد علي" أن يصطف الإسلاميون خلفه؟.. وهل يمكن له أن يقبل أن يعلن الإسلاميون تأييدهم له في هذه
الانتخابات؟
الإسلاميون لديهم مشكلة قديمة وأخرى حديثة مع "خالد علي". أما القديمة، فلأنه ثالث ثلاثة نزلوا إلى ميدان التحرير ليحتفلوا بسقوطهم، وقاموا بالإيحاء بأن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بعد الثورة مزورة، ليس لأنها مكنت الفريق أحمد شفيق من الإعادة، ولكن لأنها مكنت الدكتور محمد مرسي من أن يعيد معه، وصرنا أمام دعاية لا علاقة لها بالديمقراطية وقيمها، عندما حصر "خالد علي" تحديداً الأصوات التي حصل عليها ثلاثتهم، واعتبرها تمثل حقهم في اختيار من يكون من نصيبه الإعادة مع الفريق شفيق، وقد اعتذر "حمدين صباحي" في وقت لاحق عن هذا الخطأ بمشاركته في مظاهرة الإيحاءات هذه، وهو ما لم يفعله "خالد علي" و"عبد المنعم أبو الفتوح". وإذا كان رصيد الأخير لدى الإسلاميين يسمح لسابقة انتمائه للتيار الإسلامي، فإن "علي" ليس له رصيد لدى القوم، فلم يكن من المحامين اليساريين الذين عرفوا بالدفاع عن حقوق الإنسان بدون تمييز، والقائمة تبدأ بالراحل نبيل الهلالي، ولا تنتهي بعضو حزب التجمع السابق "محمد الدماطي"!
خالد علي" جزء من مكونات يوم "30 يونيو" المشؤوم، ولم يكن له موقف ضد استباحة حقوق الإنسان، وإهدار الدماء في وقت وقوع هذه الجرائم
أما المشكلة الحديثة، فإن "خالد علي"، جزء من مكونات يوم "30 يونيو" المشؤوم، ولم يكن له موقف ضد استباحة حقوق الإنسان، وإهدار الدماء في وقت وقوع هذه الجرائم، مع وصفه من قبل صديقنا "محمود سلطان" بـ "المناضل الحقوقي الكبير".. ولم نره في أي جلسة أو أي دائرة من الدوائر القضائية التي صارت امتدادا للأجهزة الأمنية، وعلى قاعدة "الفرز والتجنيب"، فيختار القضايا الخاصة بالصحفيين مثلاً، أو مترافعاً عن البنات، ولو ذراً للرماد في العيون!
بل إنه، ومع كونه "المناضل الحقوقي الكبير"، حريص دائما على التأكيد أنه ضد الإخوان. وعندما وجدنا قضية جامعة (هي "تيران وصنافير")، يمكن أن يجتمع عليها الوطنيون، كان من الذين اعتبروا بيان جهة إخوانية بالمشاركة في مظاهرات يوم الأرض؛ مبرراً لمقاطعة هذه المظاهرة التي يشارك فيها الإخوان، فلم يحضر، وإنما جاء مستدعياً في آخر النهار لفضها، وإن كنا لا نعرف من استدعاه لهذه المهمة الوطنية الكبرى التي تليق بكونه "المناضل الحقوقي الكبير"!
والحال كذلك، فلا يمكنه أن يقبل إعلان الإسلاميين تأييدهم له، وهم الفصيل الأكبر في الساحة السياسية المصرية!
أزعم، وأزعم أن زعمي يقين، أن من خاف الظهور على شاشة قناة الجزيرة، ليدافع عن نفسه في مواجهة إدانته في قضية الأصابع، لن يستطيع قبول هذا الإعلان من قبل الإسلاميين، وسوف يعلن من فوره أنه لن يقبل هذا التأييد؛ لأنه يعلم أن الظهور على الجزيرة، أو قبول التأييد الإسلامي، هو إعلان معارضة جادة مع السلطة القائمة، وإعلان جدية في خوض الانتخابات، وهو ليس جاداً في ذلك.. فقط هو يخوض هذه الانتخابات من باب الضرورة، وهي تقدر بقدرها، وحتى يحجز له مكاناً في الصدارة عندما تكون الظروف مهيأة لتوزيع المغانم، على قاعدة من حضر القسمة فليقتسم، هذا فضلا عن أن الحياة السياسية عرفت الذين يترشحون للشهرة، وفي عموم الانتخابات، وأزعم أنه واحد منهم.
وإن لم يمسك أحد بقيادات في التيار الإسلامي متلبسة بالسخرية من "خالد علي"، فإن أحداً لا يمكن أن يلومهم، و"خالد علي" لم يستشرهم في قراره بالترشح، فمن حقهم أن يواصلوا طريقهم في تمني إسقاط الانقلاب العسكري، وعودة الرئيس محمد مرسي لاستكمال دورته. وإذا كانت عودة الشرعية تبعث على السخرية، فهل يُعتبر قرار صاحبنا بالترشح، باعتباره يمثل "تحدياً حقيقيا لرغبة السيسي في البقاء على السلطة"، هو الأمر الجاد والحقيقي؟!
لست مع القائلين بأن إسقاط الانقلاب لن يكون بالانتخابات، لكني مؤمن بأن لكل طريق قواعده وقيمه الحاكمة
لست مع القائلين بأن إسقاط الانقلاب لن يكون بالانتخابات، فلا يوجد قول قاطع هنا، لكني مؤمن بأن لكل طريق قواعده وقيمه الحاكمة، ولست ضد من يسلك الطريق السياسي، لا سيما إذا لم يكن يرى في 30 يونيو ثورة مضادة قادت للانقلاب العسكري، لكن عندما يكون خوض الانتخابات بدون ضمانات، أو طلب ضمانات، فإن خوضها، إن لم يكن من باب الاستدعاء السياسي من قبل القصر الجمهوري، كما حدث مع حمدين صباحي، للقيام بدور "المحلل"، فإنه لا يخرج عن رغبة في تحدي الملل وبالمزاح في المواقف الجادة، لا سيما بعد إلغاء الإشراف القضائي والعودة إلى إشراف الموظفين. والمعنى الصريح هنا هو عودة الإشراف لوزارة الداخلية على العملية الانتخابية، ومع إلغاء الفرز في اللجان، وهو الإنجاز الذي تحقق في برلمان الإخوان!
ومن حق "المناضل الحقوقي الكبير" أن يمزح ويتحدى الملل، لكن طلب الانحياز له وتمكينه من الإمساك في "لعبته" هو الجنون بعينه.